انتظارات مستشفيات الجزائر

17 أكتوبر 2017
لم يحن دورهم بعد (أحمد كمال)
+ الخط -
كثيرة هي القصص التي ينسجها المرضى وعائلاتهم في قاعات الانتظار في مستشفيات الجزائر، وكثيرة هي الهموم التي يتحدث بها المواطن الجزائري في دقائق وساعات انتظاره المعاينة في مستشفى حكومي. هي أحاديث يعتبرها كثيرون "فضفضة" على هامش المرض، بحسب ما يدلون به لـ"العربي الجديد".

قلوب كثيرين ممتلئة، يبحثون عن مجال ما للبوح. يقول بعضهم: "من الهمّ نحكي" بينما يقول غيرهم: "لم تترك لنا المشاكل مكاناً نخرج فيه همومنا سوى المستشفيات. هنا ننسى الهموم بعد سماعنا هموم الناس" فمن يسمع مصيبة غيره تسهل عليه مصيبته. آخرون يعتبرون المستشفيات "مساحة لقول أيّ شيء لأشخاص غرباء تجمعهم قاعة الانتظار، ويشتركون في المرض".

النساء خصوصاً "يعتبرن قاعة الانتظار متنفساً لهن، فهي مساحة عامة لا أحد فيها يعرف أحداً، ولا أحد في إمكانه محاسبة أحد" بحسب سليمة (52 عاماً). تقول لـ"العربي الجديد": "هنا في إمكاننا البوح والتحرر قليلاً من متطلبات المعيشة اليومية وتربية الأولاد والعمل أيضاً. ربّ ضارة نافعة، فنحن هنا لطلب العلاج الجسدي، وكذلك التفريغ عن مكبوتات العمل اليومي وهموم العائلة".

يتفق هؤلاء على أنّ إمكانية البوح للغرباء أفضل بكثير من البوح لمعارفهم وحتى لأقاربهم، مثلما تقول السيدة سعدية لـ"العربي الجديد". في هذا المكان تمكنت من إيجاد حلّ لعسر الهضم الوظيفي عن طريق الأعشاب: "بمجرد تحدثي إلى إحداهن عن معاناتي مع المرض اقترحت عليّ تجريب خلطة عشبية لا تضرّ إن أخذها المريض حتى عندما لا تنفعه، وبالفعل تحسن وضعي كثيراً".

خارج إحدى المستشفيات (أحمد كمال) 


وكما يجد البعض هنا وصفات علاج مختلفة يعثر آخرون على النصيحة، إذ كثيراً ما ينصح الناس بعضهم بعضاً في خصوص أمور عدة، من الحمية الغذائية إلى حلّ المشاكل العائلية وصولاً إلى الشكوى من التحصيل الدراسي للأبناء، بل يذهب البعض إلى حدّ التبادل التجاري والبيع والشراء، وهو ما حصل مثلاً عندما اتفق رجلان على صفقة مبدئية لبيع سيارة قديمة، فيما طلب آخر رؤيتها فربما تؤول الصفقة إليه.



بالرغم من أوجاع المرض، تقدم النساء هنا طرقاً لإعداد طبخة أو حلويات. في المكان نفسه، يقدم البعض مقترحات لاختيار تخصص دراسي وإطلاق العنان لتجاربهم في مجال ما أو قطاع معين. فالمهمومون في الجزائر يعلقون آمالاً كثيرة على تحسن ظروف المعيشة إذ تأخذ الأسعار النصيب الأكبر في نقاشات المنتظرين في المستشفيات، ولا يبدو أنّ الأمل يحدوهم في أن تتحسن الظروف خصوصاً أنّ الحكومة أطلقت صافرات الإنذار بسبب انخفاض أسعار النفط والأزمة المالية الخانقة. هذا ما يقوله مواطن ينتظر الدور للدخول إلى الطبيب بعد إصابة ابنه الصغير بالحمى طوال يومين. يتذمر من طول فترة الانتظار، لكنّها الحال الدائمة في المستشفى الحكومي فهو ملاذ الآلاف من الأسر متوسطة الحال وقليلة الدخل، فالاستشارة الطبية تكلف 50 ديناراً جزائرياً (ثلث يورو) فقط.

بالرغم من النقص الكبير في المستشفيات والمنشآت الطبية الحكومية في الجزائر والمصاعب التي تواجه المرضى في العلاج فإنّ فضاءات الانتظار في أقسام العلاج تظلّ عموماً نافذة أخرى على مشاكل الحياة اليومية للجزائري. بعض القصص الواقعية تترك الانطباع أنّ المواطن يحتاج فعلاً إلى "متنفس يومي" وإلا فسيصيبه الاحتقان، فصاحب القصة يتولى البطولة بينما يصبح المستمعون جمهوراً مؤقتاً، ويتبادل البقية الأدوار في إطلاق أفكار، هي عبارة عن حلول وتجارب ونوع من التفريغ، للشحنات السلبية التي تغذيها الظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد، وكما يقول المثل الشعبي الجزائري: "تسمع همّ الناس تنسى همك".

في قاعة الانتظار في المستشفيات حالات كثيرة "كتبت أقدارها هناك" كما يقول محمد علي لـ"العربي الجديد" إذ يذكر أنّ ابنه كان مصاباً بحمّى طوال ليلة كاملة ليتقاذفه الأطباء هنا وهناك، بينما سبب الحمّى هو المعدة. اكتشف ذلك بعدما نصحه أحدهم في أن يأخذ ابنه لإجراء أشعة، فلربما أكل شيئاً ما من دون انتباه أحد له. طلب الوالد في المستشفى الحكومي علاجاً للحمّى مراراً، لكنّ الطفل لم تنزل حرارته طوال أيام. عندها تذكر نصيحة ذلك الرجل في قاعة الانتظار فأخذ ابنه بالفعل إلى التصوير الشعاعي ليكتشف أنّ معاناة الطفل سببها ابتلاعه قطعة بلاستيكية من لعبة سيارة. يعلق الرجل: "القدر فقط هو الذي أنقذ ابني بفضل قاعة الانتظار، وكان عمره يومها 18 شهراً".

كثيراً ما تقع طرائف، وربما مفاجآت سارة، في مكان يتنفس فيه الزائرون رائحة الأدوية ومواد التعقيم، ويفكرون في الكلام الذي سيقوله لهم الطبيب. البعض يحتال للدخول إلى قاعة الكشف الطبي قبل غيره، وهناك من يرصد وصول دوره. لكنّ هناك من وجدت ضالتها في العثور على زوجة المستقبل لابنها الوحيد في المكان. تذكر أمام الحاضرين أنّها خطبت له في قاعة الانتظار. وبينما يبدي البعض استغرابه من كلامها، يسلّم آخرون بالنصيب والقضاء والقدر: "هذا مكتوب ربي".

دلالات
المساهمون