عيد الشهداء في الجزائر... سادة المكان والزمان

18 فبراير 2018
إحياء العيد في الجزائر مناسبة وطنية (تويتر)
+ الخط -


في 18 فبراير/شباط من كل عام يحتفل الجزائريون بيوم الشهيد الذي أقرّ عيداً رسمياً عام 1991، احتفاءً بانعقاد أول تجمع وطني لأبناء شهداء ثورة التحرير، للمطالبة بحقوقهم المادية والاعتبارية.

وفي 18 فبراير 1998 اجتمع الآلاف من أبناء الشهداء في مؤتمر عام وغير مسبوق، لتأسيس "المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء". وكانت الجزائر تعيش ظروفاً سياسية هامة وتحولات حاسمة في حينه، بعد إقرار التعددية السياسية والنقابية، وحق تأسيس الجمعيات والمنظمات والصحف في الجزائر، عقب انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988.

ويؤكد الأمين العام الأول لمنظمة أبناء الشهداء، الطاهر بن بعيبش، أن حقوق أبناء وعائلات شهداء الثورة ظلت مهضومة على مدى ثلاثة عقود بعد الاستقلال، بسبب ما اعتبره هيمنة "المجاهدين"، وهم الثوار الذين بقوا على قيد الحياة بعد الاستقلال، واستفادوا وعائلاتهم من الامتيازات المادية، إضافة إلى رخص المقاهي وسيارات الأجرة واستيراد السيارات من الخارج، وكانت حكرا عليهم. وخلفت تلك الأوضاع امتعاضاً كبيراً لدى عائلات الشهداء وأبنائهم الذين ظلوا يعانون ماديا ومعنويا، بسبب ضعف التمويل الحكومي لهم.

ويسترجع الأمين العام الأول لتنسيقية أبناء الشهداء، التي انشقت عن المنظمة، موسى تواتي، بكل مرارة وأسف كيف تعاطت السلطة مع أبناء وعائلات ونساء الشهداء عقب الاستقلال.

ويؤكد أن بعض سلوكيات من يصفهم بـ"المندسين" بين الثوار، من العاملين السابقين في الإدارة الفرنسية، أساءت كثيراً إلى تضحيات الشهداء، منها استغلال أرامل الشهداء في تشغيلهن عاملات نظافة، في حين وجه أبناءهم إلى المدارس لعسكرية لتكوينهم عسكريين في المستقبل.

ويشير إلى أن تلك الأوضاع هي التي دفعت أبناء الشهداء من هؤلاء لخوض النشاط في الحزب الحاكم أو في أحزاب وتيارات أخرى لم تكن مرخصة، للاجتماع للمرة الأولى في مؤتمر عام تمخض عنه تأسيس المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء.




بعد ذلك بعامين، طالبت المنظمة باعتماد 18 فبراير يوماً وطنياً للشهيد، وهو الوحيد الذي لا يرتبط بحدث مباشر له علاقة بمسار ومحطات الثورة الجزائرية.

وأراد أبناء الشهداء تخليد الذكرى، أسوة بيوم المجاهد المصادف يوم 20 أغسطس/آب من كل عام، خصوصاً أن جانبا من الحساسية شهدتها الجزائر بين فئة المجاهدين -الثوار- وأبناء الشهداء، على خلفية شعور الفئة الأخيرة باستئثار الثوار بالمكاسب والامتيازات المادية في العقود التي تلت الاستقلال.

وفي 18 فبراير من كل عام تنظم الاحتفالات الوطنية الرسمية والشعبية المخلدة للذكرى. ويتوجه المحتفلون إلى مقابر الشهداء للترحم عليهم ووضع أكاليل الزهر، بحضور الأفواج الكشفية والمجاهدين وأبناء وعائلات الشهداء الذين يكرّم بعضهم في المناسبة. وتشهد المناسبة كذلك مؤتمرات وندوات حول الثورة وتضحيات الشهداء.

وتشهد المناسبة استعادة رفاة بعض الشهداء التي يعثر عليها في الجبال والمغاور أو مناطق الحفر والإنشاءات المختلفة، إذ ما زالت الجزائر بعد مرور ما يقارب ستة عقود بعد الاستقلال تجمع رفات الشهداء، كما حدث قبل شهرين في منطقة أم البواقي شرقي الجزائر، وعثر على رفات شهداء دفنتهم فرنسا في مكان مهجور.


ويؤكد بوشريط عبد القادر، وهو أحد الثوار في منطقة المدية قرب العاصمة الجزائرية، أن رفات 85 شهيدا ما زالت داخل حفرة رماهم فيها الاستعمار الفرنسي في بلدة سيدي نعمان بولاية المدية، عقب معركة بطولية في 20 يناير/كانون الثاني 1958 وألحقت خسائر بجنود المستعمر الفرنسي. ويدعو بوشريط إلى انتشال رفات هؤلاء ودفنهم في مقابر خاصة بالشهداء، وهو أبسط ما يمكن تقديمه لمن ضحوا من أجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة.

ورغم العثرات التي شهدتها الجزائر في مسيرة البناء الوطني، ورغم الأزمات والأوضاع والظروف، لا تزال من أكثر البلدان العربية التي تولي مكانة رمزية غالية للشهيد، ما زال الشهداء سادة المكان والزمان في بلد المليون ونصف المليون شهيد. وتكريماً للشهداء يدفنون في مقابر خاصة معنية بالإحاطة والعناية الرسمية.
المساهمون