أطباء أميركا... أزمة صحية تطلّ برأسها

27 أكتوبر 2017
طبيب أميركي لا يخشى على مستقبله (جو رييدل/ Getty)
+ الخط -

يبدو أنّ أزمة جديدة تهدّد الولايات المتحدة الأميركية صحياً، إذ من المتوقّع أن ينخفض عدد الأطباء فيها، لا سيّما مع التضييق على الأجانب منهم.

في كلّ عام، يعمل البرنامج القومي لتنسيق الإقامات الطبية في الولايات المتحدة الأميركية على توفير أكثر من 31 ألف فرصة تدريب وإقامة في المستشفيات والمراكز الطبية الأميركية لخرّيجي الجامعات من الأطباء، أميركيين كانوا أو أجانب. يُذكر أنّ ربع الأطباء في الولايات المتحدة وُلدوا خارجها، في حين أنّ قطاع الطب يُعَدّ من القطاعات التي تعاني من نقص شديد خصوصاً في المناطق النائية. ومن المتوقع أن تزيد حدّة النقص هذه، على خلفية قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبسبب تأخّر ملحوظ في إعطاء تأشيرات إقامة للأجانب، الذين يتحدّرون من دول الشرق الأوسط الكبير والدول التي شملتها قرارات منع السفر المختلفة التي سبق أن أصدرها الرئيس الأميركي.

وفي ظلّ سياسات الإدارة الأميركية الحالية، يبدو أنّ أزمة الأطباء في البلدات الصغيرة والمناطق النائية مهدّدة بالتصاعد. والجامعات الأميركية لا تخرّج ما يكفي من الأطباء الأميركيين لسدّ حاجة السوق، خصوصاً في المناطق النائية، لذلك فإنّ قطاع الطب في الولايات المتحدة يعتمد على الأطباء من غير الأميركيين في تلك المناطق. وتوفّر الولايات المتحدة فرصة تدريب تصل إلى سنتَين بتأشيرات خاصة تكفل رسمياً لهؤلاء المجيء إلى الولايات المتحدة والتدرّب وكسب الخبرة والعمل. ومستشفيات ومراكز طبية كثيرة تعتمد على ذلك، للاستفادة من مقدرة الأطباء الأجانب الذين درسوا هنا أو هؤلاء الذين تخرّجوا من دول أخرى بهدف العمل من ضمن كوادرها. وتصل نسبة الأجانب إلى نحو 25 في المائة من عدد كلّ الأطباء الجدد سنوياً، الذين تستوعبهم المستشفيات والمراكز الطبية في إطار ما يُعرف بـ "ماتش داي" الذي تُعلَن خلاله أسماء مَن تمكّنوا من الحصول على إقامات من قبل البرنامج القومي للتنسيق والإقامات الطبية. والمهمّ هنا هو ما يفتحه ذلك من إمكانيات في المستقبل، عن طريق برنامج آخر يُسمح للمتدرّبين من الأطباء في الولايات المتحدة بدخوله، ويسهّل أمامهم إمكانية الحصول على ترخيص عمل وإقامة وكذلك الجنسية الأميركية، في حال انخرطوا كأطبّاء في برنامج وتأشيرات خاصة في هذا السياق. وبموجبه، يعمل هؤلاء في إحدى المناطق النائية التي تعاني من نقص والمصنّفة من قبل الولايات والحكومة الفدرالية كذلك. لذلك، فإنّ أطباء أجانب كثيرين يعيشون في بداياتهم في تلك المناطق، علماً بأنّ عدداً لا بأس به من هؤلاء يأتي من دول ذات أغلبية مسلمة كباكستان. وهذا ما يفسّر نسبياً أن طبيباً واحداً من كلّ أربعة أطباء في الولايات المتحدة ولد خارجها.




تشرح المحامية، سلام دلول، وهي أميركية من أصول سورية، أنّ "مكتبها يتابع عشرات الطلبات، خصوصاً لخرّيجي الطب من دول عدّة في الشرق الأوسط الكبير، بما فيها باكستان وسورية ولبنان وغيرها". وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "رفض بعض الطلبات وارد، في حين لاحظنا ارتفاعاً في عدد الطلبات التي تُرفَض، وكذلك البطء الشديد في إنهاء المعاملات".

وتؤكّد الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية ذلك، إذ إنّه وبحسب إحصاءات رسمية تعود إلى شهر إبريل/ نيسان الماضي، انخفضت نسبة التأشيرات التي تمنحها الولايات المتحدة لسكّان نحو 50 دولة ذات أغلبية مسلمة، بنحو 20 في المائة بالمقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وفي ما يخصّ الدول العربية، فقد انخفضت فيها أكثر لتصل إلى 30 في المائة أقلّ من عدد التأشيرات للفترة نفسها من العام الماضي. أمّا الدول الستّ التي شملها منع ترامب (إيران وسورية والسودان واليمن وليبيا والصومال)، فقد انخفضت عدد التأشيرات الممنوحة لسكّانها بنسبة 55 في المائة، على الرغم من أنّ المحاكم الأميركية أوقفت قرارات المنع.

إلى هذا، فإنّ قرارات ترامب والأجواء التي تعيشها الولايات المتحدة منذ انتخابه رئيساً، أدّت إلى انخفاض طفيف في عدد الأجانب الذين تقدّموا هذا العام للحصول على تدريب أو منح أو زمالة في هذا السياق، من البرنامج القومي الأميركي لتنسيق الإقامات الطبية. فقد تقدّم هذا العام سبعة آلاف و248 طبيباً غير أميركي، بمن فيهم أولئك الذين تخرّجوا من الجامعات الأميركية، في مقابل سبعة آلاف و460 طبيباً في العام الماضي، على الرغم من ارتفاع عام في عدد المتقدّمين لتلك البرامج وإعلان المستشفيات والمراكز الطبية عن نحو ألف فرصة تدريب إضافية لخرّيجي الطب، بالمقارنة مع العام الماضي. وقد وصل مجمل العدد المطلوب لهذا العام إلى نحو 31 ألفاً و757 بحسب ائتلاف كليات الطب الأميركية.



في السياق نفسه، تشير جمعية الأطباء الباكستانيين في شمال القارة الأميركية إلى أنّ ثمّة انخفاضاً ملحوظاً في عدد التأشيرات التي مُنِحت هذا العام للأطباء الباكستانيين، ويرى البعض أنّ هذه الخطوات تشبه تلك التي اتّخذتها الإدارة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، عندما خُفّض عدد تأشيرات العمل التي تُمنَح للأطباء السوريين والإيرانيين مثلاً وعُطِّلَت تلك البرامج لفترة بصورة شبه كاملة، فصارت معاملات التأشيرة تتطلّب أضعاف ما تتطلبه عادة.

وينعكس هذا الخفض والبطء في التعامل مع تأشيرات العمل الخاصة بالأطباء الأجانب، الذين يتحدّرون من الدول التي وضعها ترامب على قائمة المنع، على المستشفيات والمراكز الطبية نفسها التي لا ترغب في منح المكان الشاغر لشخص قد لا يحصل على تأشيرة عمل، وهو ما يضعها في مأزق خصوصاً في مجال يعاني من نقص في الأساس.

وتوضح الجمعية نفسها أنّ عشرات طلبات التأشيرات رُفضت منذ بداية العام الجاري، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأطباء من أصول باكستانية تحتلّ المرتبة الثانية لجهة عدد الأطباء الأجانب الذين يعملون في الولايات المتحدة.

إلى ذلك، تفيد دراسة صادرة هذا العام عن اتحاد كليات الطب في الولايات المتحدة الأميركية بأنّ البلاد وبحلول عام 2030 سوف تعاني من نقص في عدد الأطباء، من المتوقّع أن يتراوح ما بين 40 ألف طبيب إلى 100 ألف. وقد استندت الدراسة في ذلك إلى عدد الأطباء الذين يُتوقّع أن يتقاعدوا إلى حينه، والنموّ السكاني، وارتفاع عدد كبار السنّ في الولايات المتحدة، وارتفاع مأمول العمر.

المساهمون