المهاجرون الأفغان... هل ترحّل السويد من ليس قاصراً؟

10 اغسطس 2018
هل تُتاح لهم فرصة جديدة؟ (ناصر السهلي)
+ الخط -

أقرّ البرلمان السويدي أخيراً قانوناً يقضي بمنح نحو تسعة آلاف طفل مهاجر من غير المصحوبين بذويهم والذين يدرسون في المرحلة الثانوية، فرصة جديدة للبقاء في السويد. لكنّ دائرة الهجرة تتريّث في تطبيقه، ريثما تتمّ مراجعته من قبل المحكمة العليا للهجرة.

تشهد السويد هذه الأيام جدلاً كبيراً حول سياسة اللجوء والهجرة، قبل شهر من الانتخابات البرلمانية المزعم إجراؤها في سبتمبر/ أيلول المقبل. وتعود إلى الواجهة قضية الأفغان من أطفال ومراهقين وصلوا إلى البلاد في أوج أزمة اللاجئين في أوروبا في عام 2015. ومثل حكومات أوروبية أخرى، حاولت حكومة استوكهولم على مدى الأشهر الماضية التخفيف من عدد المهاجرين طالبي اللجوء الذين رُفضوا في دول أخرى، وذلك عبر تسريع ترحيلهم من خلال اتفاقيات ثنائية مع دولهم الأصلية، من بينها أفغانستان. إلى ذلك، بدأت استوكهولم منذ الأول من يوليو/ تموز الماضي بتطبيق سياسة تخفف من صرامة قانون الإقامة بالنسبة إلى القصّر الذي وفدوا إلى البلاد في عام 2015.

شهد عام 2015 وحده، وفقاً لبيانات مصلحة الهجرة، وصول نحو 14 ألف قاصر طالب للجوء في السويد، ونصف هؤلاء كانوا من الجنسية الأفغانية ومثّلوا 60 في المائة من مجموع الأفغان في السويد. وقد واجهت السلطات السويدية مشكلة كبيرة في تحديد السنّ والهوية والمنطقة التي وفد منها هؤلاء. وازداد عددهم خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة ليصل وفقاً للأرقام الرسمية السويدية إلى تسعة آلاف، فراحوا يمثّلون بالتالي مادة دسمة اليوم في إطار السجال الدائر حول الإقامة ولمّ الشمل (بعضهم كانوا أطفالاً حين حضروا على أمل التحاق أهاليهم بهم) في الدعاية الانتخابية وبرامج المرشحين من مختلف التيارات. وحكومة يسار الوسط، بزعامة ستيفان لوفين، واجهت أخيراً عاصفة من الانتقادات، لا سيّما من يمين الوسط واليمين المتشدد في البلاد، بسبب التخفيف من الصرامة تجاه هؤلاء ومنحهم إقامة مؤقتة أو حماية بمدّة زمنية محددة، بعد تزايد الاحتجاجات على سياسة الترحيل الإجبارية.

وقد أثار الوضع القانوني للقصّر الذي كان قد بني على رفض لجوئهم لسنوات، موجة من الاحتجاجات في صفوف حركات مؤيدة للجوء وفي صفوف اليسار والشيوعيين، الأمر الذي أنتج ما يشبه انقساماً في المجتمع السويدي إزاء الوافدين من دون مرافقين. ويظهر الانقسام من خلال استطلاعات رأي الناخبين التي تشير إلى تقدم كبير لحزب ديموقراطيي السويد المتشدد على حساب حزب العمال الاجتماعي الديمقراطي السويدي. فتعطي تلك الاستطلاعات جيمي أوكِسون زعيم ديمقراطيي السويد نحو 26 في المائة من التفضيلات في حين يتراجع ستيفان لوفين زعيم الاجتماعي الديمقراطي إلى ما بين 21 - 22 في المائة، مع خسارة تتجاوز 10 نقاط.

تحرّك سابق في استوكهولم مندّد بالترحيل (أتيلا ألتونطش/ الأناضول)

قضايا ميئوس منها

والجدال الذي أثاره آلاف المهاجرين الأفغان القصّر كان قد بدأ قبل أعوام، بعد الكشف عن حالات ادّعى أصحابها أنّهم دون 18 عاماً في حين بيّنت الفحوصات الطبية أنّهم ليسوا كذلك. كذلك، تبيّن خلال عملية الترحيل إلى أفغانستان أنّ كثيرين من هؤلاء المرحلين لم يولدوا فيها ولم يزوروها قط، وهذا ما أشارت إليه تقارير صحافية سويدية ونرويجية ودنماركية.

في مالمو، جنوبيّ السويد، التقت "العربي الجديد" علي حسيني (21 عاماً) الذي سبق وصادفته بين شباب أفغان آخرين في بودابست في عام 2015. يخبر: "لم أرَ أفغانستان في حياتي. لقد ولدت في إيران، وفي عام 2014 مورس ضغط على أهلي حتى أتوجّه مع آخرين إلى سورية. وفي بداية 2015، سافرت بالفعل، لكنّني هربت من حلب". ويعاني حسيني اليوم من جرّاء ما أتى به قبل أعوام عندما ادّعى أنّه قاصر، فتبيّن للسلطات أنّه ليس كذلك ورفضت بالتالي منحه الإقامة. يقول الشاب: "ظننت مثلما قال لنا المهرّبون إنّنا سوف نحصل على الإقامة بمجرّد أن ندّعي أنّنا دون 18 عاماً. لكنّه جرى فحصي مثل غيري، وصار الترحيل هو مصيري". يضيف: "مذ ذلك الوقت أخشى ترحيلي إلى كابول التي لم أرها في حياتي".

من جهته، يقول سالم (25 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّ "القانون الذي يسمح بالإقامة مؤقتاً لمن يتابع دراسته، أخشى أنّه لن يشملني. فأنا هربت من السويد إلى النرويج وبقيت فيها مدّة طويلة من دون إقامة وعدت قبل أشهر فقط إلى السويد. بالتالي، لا ينطبق عليّ قانون الانتظار 15 شهراً، في حين أنّني لا أستطيع في الأساس متابعة دراستي. فأنا لم أقصد مدرسة في حياتي". وسالم الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته، رفض كذلك الإفصاح عمّا إذا كان في سورية أم لا. لكنّه ضحك وهو يقول: "أحببت بيروت، لقد كنت فيها لبضعة أيام".

تجدر الإشارة إلى أنّه في المدن السويدية، يعيش آلاف من الذين لا يملكون إقامات، وبعضهم حصل على رفض نهائي وصدرت بحقّه نشرات بحث، لكنّه يعيش متخفياً وفي أوضاع صعبة. وكان الربيع الماضي قد شهد تحركات واعتصامات شارك فيها الأفغان في بعض المدن السويدية، وقد أضرب بعضهم عن الطعام مطالباً بوقف سياسة الترحيل بالتنسيق مع جمعيات مساندة المهاجرين. وقد تعرّض بعضهم إلى الاعتقال والاحتجاز في مخيمات خاصة مغلقة، ليحاول عدد منهم الانتحار. وقد أقدم أحد المراهقين الذين أبعدوا عنوة إلى كابول، على وضع حدّ لحياته. فهو كان قد تُرك لمصيره في نزل مؤقّت وبترتيب من قبل جمعيات إنسانية في العاصمة الأفغانية، الأمر الذي أثار مجدداً انتقادات لسياسة الترحيل.




15 عاماً

ويبدو أنّ عودة السجال إلى الواجهة اليوم يثير في وجه حكومة يسار الوسط السويدي انتقادات كثيرة رافضة لتطبيق ما ذهبت إليه حكومة لوفين بـ"منح فرصة للشباب لإقامة مؤقتة إذا كانوا ملتحقين بالدراسة أو يرغبون في ذلك". ومنذ أسابيع يستمر الحديث حول التكلفة المالية لذلك التي تصل إلى نحو 700 مليون كرونه سويدي (نحو 80 مليون دولار أميركي) سنوياً، وحول هوية الذين سوف يشملهم القرار الأخير. فالحكومة تتجه إلى اعتبار كل من تقدم باللجوء حتى 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 مشمولاً بذلك، في حال بقي في البلاد أكثر من 15 شهراً للحصول على جواب حول إقامته وبلغ اليوم 18 عاماً. ويشترط ذلك أن يثبت المقيم أنّه يداوم في إحدى المدارس الثانوية أو ما يوازيها من مؤسسات تعليمية.

وكان لوفين قد أعلن في فبراير/ شباط الماضي أنّه "كل من رُفض طلب لجوئه يتوجّب عليه أن يغادر السويد"، وذلك على خلفية مخاوف من تقدّم اليمين انطلاقاً من هذه النقطة التي تشير الاستطلاعات إلى أنّها تحتل حيزاً كبيراً لدى السويديين. ويركّز معارضو منح تسعة آلاف إقامة لهؤلاء القصّر، على مسألة التكلفة المالية للأعوام الثلاثة المقبلة، كأولوية من أجل كسب تعاطف الناخبين.

القلق رفيقهم كيفما ذهبوا (ناصر السهاي)

الأسنان تفضح أصحابها

وفقاً لتقارير مصلحة الهجرة في استوكهولم، فإنّ الأمر يتعلق اليوم بهؤلاء الأفغان أكثر من اللاجئين الآخرين، خصوصاً في ما يخصّ القضايا التي أثار الإعلام حولها جدالاً كبيراً، إذ إنّ "أشخاصاً في العشرينيات من عمرهم يدّعون أنّهم في السادسة عشرة"، مثلما كشفت تقارير نشرتها صحيفة "إكسبرسن" السويدية بعد الاطلاع على نتائج الفحوص الطبية لتحديد السنّ بناءً على أسنان المعنيين. إلى ذلك، تبيّن المصلحة أنّ نسبة "99.4 في المائة من هؤلاء هم من الذكور، و78 في المائة منهم تتخطّى سنّهم الثامنة عشرة". وترى المعارضة السويدية أنّ "هؤلاء ليسوا ملاحقين سياسياً وحياتهم غير معرّضة للخطر، وهم لاجئو رفاهية في الأغلب وتوقّعوا أنّه في إمكانهم جلب أسرهم بعد اللجوء"، وفقاً لما يسوّق حزبَا ديمقراطيي السويد (يمين متشدد) والاعتدال (يمين الوسط). وثمّة مشكلة أخرى يحذّر منها المهتمون في المجالس التربوية والمختصون في تعليم الشباب في رسائل وجّهوها إلى مصلحة الهجرة ونشروها على صفحات الصحف، تتعلق بما يطلقون عليه مخاطر قبول التحاق الآلاف بالثانويات ممّن هم في أعمار أكبر بكثير من تلاميذها، لأسباب مختلفة، منها تربوية وأخرى تعليمية، فقط للحصول على موافقة إقامة. يُذكر أنّ متوسّط سنّ الملتحقين بالثانويات هو 16 عاماً، وليس 20، وهؤلاء الذين كانوا قبل ثلاثة أعوام يصنّون "أطفالاً"، من المهاجرين القصر، تخطّوا اليوم 18 عاماً، أي أنّهم صاروا بالغين. وقد عبّر بعض من الأهالي السويديين في رسائل قرّاء وجّهوها إلى الصحافة، عن خشية من "تكدّس الثانويات التي تقبل هؤلاء التلاميذ بشباب يكبرون أبناءنا الصغار سناً".

الانتقاد الذي يوجَّه إلى يسار الوسط لم يقتصر على المستوى السياسي، فقد ذهبت الشرطة السويدية كذلك إلى التعبير عن قلقها من "منح هؤلاء الشباب إقامات من دون التحقق من هوياتهم الحقيقية، إذ إنّ ذلك يُعَدّ خطراً على السويد"، بحسب ما نقل التلفزيون السويدي عن ضباط شرطة في يوليو/ تموز الماضي. ووفقاً لإحصاءات مصلحة الهجرة السويدية، فإنّ صفر في المائة من طالبي اللجوء الأفعان القصّر قدّموا أوراقاً تثبت هوياتهم وأسماءهم وأعمارهم. كذلك، وجدت المصلحة أنّ نسبة 49 في المائة من هؤلاء عاشوا في إيران لمدّة لا تقلّ عن 10 أعوام، ونحو خمسة في المائة منهم عاشوا في باكستان 13 عاماً كمتوسّط، وليس في أفغانستان. وقد واجهت حكومة استوكهولم صعوبات مع السفارة الإيرانية التي ترفض استصدار وثائق سفر حتى لمواطنيها المطلوب ترحيلهم، من دون شهادة ميلاد أو جواز سفر قديم أو هوية. بالتالي، فقد واجهت صعوبات أكبر لإقناع طهران باستقبال المرفوضين من الأفغان.



من جهة أخرى، أشار تقرير نشرته صحيفة "إنفارمسيون" الدنماركية إلى أنّ "بعضاً من الأفغان الذين لم يُرسَلوا إلى سورية ويهربوا منها، هربوا من إيران لأنّ أهلهم كانوا يفاوضون لإرساله إلى القتال مع النظام السوري عبر مطارَي بيروت ودمشق". هذا ما نقلته الصحيفة عن الباحث في المركز الدنماركي لحقوق الإنسان مالك سبيتز، في حين أنّ الصحيفة ذاتها نقلت عن الباحثة من أصل أفغاني كثيرة بيرواني أنّ "أكثر الصغار الأفغان الذين تحدثت معهم أكدوا لي أنّ القوات الإيرانية تحاول تجنيدهم للقتال مع النظام السوري".
المساهمون