تلاميذ سوريون... تركيا تدمج اللاجئين في مدارسها

10 أكتوبر 2017
ويُطرح السؤال حول المستقبل (فولكان كاشيك/ الأناضول)
+ الخط -

قبل نحو ثلاثة أسابيع، انطلق العام الدراسي الجديد في تركيا الذي يُعَدّ مفصلياً بالنسبة إلى التلاميذ السوريين اللاجئين في البلاد إذ سوف يُدمَجون قريباً في النظام التعليمي التركي.

من المتوقّع أن تشهد العملية التعليمية الخاصة بالتلاميذ السوريين اللاجئين في تركيا، تغييرات كبيرة خلال العامَين المقبلَين، مع بدء التطبيق الفعلي لمشروع دعم دمج الأطفال السوريين في النظام التعليمي التركي الممول من قبل الاتحاد الأوروبي، ومن شأن ذلك المشروع أن يرفع نسبة التحاق هؤلاء الأطفال بالمدارس التركية وإنهاء عمل المدارس التي تعتمد المناهج السورية المعدّلة أو مراكز التعليم المؤقّت بحسب ما تطلق عليها وزارة التعليم التركية. وعلى الرغم من أنّ ذلك سوف يخفّف الأعباء على العائلات السورية، لجهة مجانية التعليم والاعتراف بالشهادات، فإنّه يثير قلق سوريين كثيرين يعملون في المجال التعليمي.

وكان اللاجئون السوريون في تركيا قد اعتمدوا في تعليم أبنائهم خلال الأعوام الماضية على المدارس السورية التي يتولى التعليم فيها مدرّسون سوريون وفق المنهاج السوري المعدّل باللغة العربية، قبل أن يُصار إلى ربطها في وقت لاحق بوزارة التعليم التركية تحت اسم مراكز التعليم المؤقت. يُذكر أنّ تلك المراكز أُلزِمَت بتعليم 15 ساعة إجبارية من اللغة التركية بالإضافة إلى المنهاج السوري. ويشير تقرير المديرية العامة للتعليم المستمر التابعة لوزارة التعليم التركية والمشرفة على المشروع، إلى أنّ تركيا تضم 432 مركز تعليم مؤقت.

وتفيد المديرية أنّ الاتحاد الأوروبي سوف يغطي المشروع الذي تبلغ تكلفته 300 مليون يورو لمدّة عامَين، والذي يشمل 23 ولاية تقع بمعظمها جنوبيّ البلاد بالإضافة إلى إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة التي تشهد ارتفاعاً في نسب اللاجئين السوريين.



تغييرات جذرية

إلى ذلك وبحسب أرقام وزارة التعليم التركية الصادرة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، فإنّ عدد الأطفال السوريين في تركيا (5 أعوام - 18 عاماً) بلغ 877 ألفاً و629 طفلاً، وهو ما يمثّل نحو 31 في المائة من عموم اللاجئين السوريين في البلاد، من بينهم 499 ألفاً و531 طفلاً فقط التحقوا بالمدارس. وفي حين التحق بالمدارس النظامية التركية 174 ألفاً و97 طفلاً، يتعلم 325 ألفاً و452 تلميذاً في مراكز التعليم المؤقت.

في السياق، أصدرت الوزارة أخيراً، قراراً يقضي بتسجيل جميع الأطفال السوريين الذين سوف يلتحقون بالمدارس، في الصف الأول ابتدائي أو ما قبله، مباشرة في المدارس الرسمية التركية، على أن يُصار إلى تكثيف تعليم اللغة التركية في الصفوف الأخرى. إلى ذلك، يُنقل التلاميذ السوريون في العام الدراسي المقبل إلى المدارس التركية الرسمية وتُغلَق مراكز التعليم المؤقت.

وفي سبيل ذلك، فتحت الحكومة التركية باب التوظيف أمام ألفَين و300 مدرّس لغة تركية ومرشد تربوي بصورة مؤقتة، لتعليم اللغة التركية. كذلك عيّنت 100 مدرّس تركي من خرّيجي كليات اللغة العربية أو الشريعة لتعليم اللغة العربية بصورة مؤقتة ولعقود لمدّة عام واحد، قبل أن تخضعهم في أغسطس/ آب الماضي لدورة تدريبية لمدّة عشرة أيام حول كيفية إدارة عملية تعليم اللغة التركية للتلاميذ السوريين وتقديم الدعم الاجتماعي والنفسي لهم. أمّا وزارة التعليم التركية فقد راجعت المناهج التي يقدّمها معهد يونس إمرة لتعليم اللغة التركية، حتى تُعتمَد في مراكز التعليم المؤقت.




وفي إطار المشروع كذلك، أطلقت مديرية التعليم المستمر خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، برنامج التعليم التعويضي في سبع ولايات تُسجَّل فيها كثافة في اللاجئين السوريين، وهي أورفة وعنتاب وكيليس (كلّز) ومرسين وهاتاي وقونيا وإسطنبول. واستمرّ البرنامج 80 يوماً أي نحو 480 ساعة، وشمل أطفالاً (13 - 17 عاماً) تسرّبوا من المدارس لأسباب مختلفة. وقد جرى تحديد مستوى هؤلاء التلاميذ بحسب فحص معياري، على أن يلتحقوا بالصفوف المناسبة لعمرهم بعد الانتهاء من التعليم التعويضي الذي يرتكز على مناهج معدّلة وضعت بالتعاون ما بين منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ووزارة التعليم التركية. يُذكر أنّ أعوام الدراسة تختصر من 12 عاماً إلى أربعة أعوام، يحصل بعدها التلميذ على شهادة ثانوية معترف بها محلياً ودولياً.

ويشير المدرّس عارف إيتيكلي في السياق، إلى أنّ وزارة التعليم عمدت إلى تكثيف تعليم اللغة التركية للتلاميذ السوريين. يضيف أنّه "في إطار مشروع دعم دمج الأطفال السوريين في نظام التعليم التركي، استمرّ تعليم اللغة التركية في مدرسة توران الابتدائية على سبيل المثال، خلال الصيف، عبر وسائل مبتكرة تفاعلية مع التلاميذ، تمهيداً لإدخالهم إلى نظام التعليم التركي".

من جهته، يقول مدير التعليم في ولاية إسطنبول، عمر فاروق يلكنجي، إنّه "كانت ثمّة حاجة إلى مدرّسين سوريين لتعليم الأطفال إلى حين إجراء عملية الدمج النهائية. وقد تألّفت، في العام الماضي، لجنة تختار من المدرّسين ذوي الكفاءة". يضيف أنّه "كان من المفترض أن يتلقى المدرّسون السوريون رواتب يومية، لكنّ منظمة "يونيسف" تدخّلت وقدّمت رواتب شهرية لهم بقيمة 260 دولاراً أميركياً". ويشير إلى أنّه "تمكنا، في العام الماضي، من خلال 73 مركز تعليم مؤقت من الوصول إلى 43 ألفاً و780 طفلاً سورياً في إسطنبول، ونسعى إلى استيعاب نحو 75 ألف طفل في العام الجاري".



قلق على التلاميذ

وبحسب أرقام وزارة التعليم التركية، فإنّ 13 ألفاً و178 مدرّساً سورياً يتولّون مهمة التدريس في مراكز التعليم المؤقت. من هؤلاء المدرّسة فاطمة (من حلب) التي تعبّر عن قلقها الكبير من المستقبل، على الرغم من أنّها كانت من بين الذين طُلب منهم تقديم أوراقهم الثبوتية للحصول على الجنسية التركية. تقول فاطمة إنّه "في طبيعة الحال، نفعل ما بوسعنا لدمج التلاميذ السوريين وتعليمهم، لكنّ هذا العام قد يكون آخر عام لنا في العمل كمدرّسين. من المتوقّع أن تُغلَق في العام المقبل مراكز التعليم المؤقت، وعندها لا أعرف ماذا أفعل".

إلى ذلك، تعبّر فاطمة عن قلقها على مستقبل الأطفال السوريين الذين سوف يندمجون في نظام التعليم التركي. وتقول إنّ "ما يجري اليوم أفضل بكثير من الحال في السابق، عندما كانت المدارس السورية تبحث دائماً عن مصادر تمويل، فيما كانت العائلات تلاقي صعوبات كبيرة في إرسال أبنائها إلى المدرسة وتأمين مصاريفها بالإضافة إلى ضمان الاعتراف بالشهادة للالتحاق بالجامعات. لكنّ الأمر ليس بهذه البساطة، ففي العام المقبل سوف يُنقل جميع الأطفال السوريين إلى النظام التعليمي التركي، بالتالي لن تعود اللغة العربية اللغة التي يحصل من خلالها التلميذ السوري على المعرفة، بل سوف يتعلّمها في حال التحق بمدارس الإمام الخطيب كلغة أجنبية يدرّسها أتراك. كذلك، لن يعرف الأطفال السوريون وفق المناهج التركية أيّ شيء عن بلادهم وتفاصيلها، بل سوف يحفظون النشيد الوطني التركي بدلاً من السوري. وكلّ هذا سوف يجعل العودة أمراً شبه مستحيل وسوف يجعل الاندماج في النظام التعليمي السوري أمراً صعباً للغاية في حال العودة، ونحن نتكلم عن أكثر من 800 ألف طفل".

تجدر الإشارة إلى أنّ الأطفال السوريين يعانون في بعض الأحيان من التمييز العنصري في المدارس، سواء من قبل التلاميذ أو من قبل بعض المدرّسين الرافضين وجود السوريين في بلادهم. في السياق، يخبر أحمد: "قصدت إسطنبول قبل أربعة أعوام، وسجّلت ابني معتز في مدرسة تركية رسمية. لكنّه كان يعود باكياً لأنّ الأطفال الآخرين كانوا ينادونه باستمرار إمّا السوري أو اللاجئ، احتقاراً. وعندما حاولت تقديم شكوى، عاملني مدرّسه بنوع من الاستهزاء، وطلب منّي نقله إلى صفّ آخر".

في سياق متصل، وبعدما راحت تتوسّع مدارس الإمام الخطيب (مدارس شرعية) في تركيا - وهو ما أثار جدالاً اجتماعياً حول علمانية التعليم التركي - راحت مديريات التعليم التركية عموماً توجّه التلاميذ السوريين إلى تلك المدارس الإعدادية والثانوية (لا تضمّ مرحلة ابتدائية) التي تدرّس المنهاج التركي بالإضافة إلى مواد من القرآن واللغة العربية والتفسير والفقه. كذلك سمحت خلال السنوات الأخيرة لخرّيجيها بالالتحاق بكل فروع الجامعات. وتقول نجوى التي التحقت بمدارس الإمام الخطيب في الصف الأول ثانوي إنّ "الأمر في البداية كان قاسياً جداً. فدروس الفيزياء والكيمياء والرياضيات كانت كلها باللغة التركية. لم أكن أفهم الكثير وكنت أعود إلى المنزل باكية. لكن مع مرور الوقت، تحسّنت الأمور وصارت لي صديقات". وتشير نجوى إلى أنّها قرّرت الالتحاق بتلك المدارس "لسبب رئيسي، وهو أنّني جيّدة في اللغة العربية وأودّ الاستمرار في تعلّمها وتعلم القرآن والتفسير".

المساهمون