تؤكّد عضو مجلس الشورى القطري، ونائب رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، هند المفتاح، أنّ مشاركة المرأة القطرية في الحياة السياسية، لا سيما مجلس الشورى المنتخب مستقبلاً، أمر ضروري لاكتمال مواطنتها من باب تكافؤ الفرص والعدالة. وتقول إن "أزمة حصار قطر زادت من الوعي السياسي بشكل عام لدى المرأة والرجل على حد سواء"
- بين الأمس واليوم، كيف تقرئين واقع المرأة القطرية على الصعد التعليمية والمهنية والحقوقية بشكل عام؟
قطعت قطر منذ التسعينيات شوطاً كبيراً في مجال تطوير قدرات المرأة القطرية التعليمية والمهنية وتمكينها، وبذلت كل السبل الممكنة لإزالة العوائق وتعزيز دورها على المستويات والمجالات كافة. وربّما يُفسر هذا ارتفاع نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة في سوق العمل، والمرتبطة بارتفاع مستوى تحصيلها العلمي. وأكد مؤشّر "إنسبكتور" تفوق وتميز المرأة القطرية الحاصلة على تعليم جامعي بنسبة 36.1 في المائة، لتحتلّ المرتبة الأولى عالمياً، متفوقة بذلك على أميركا وبريطانيا وسنغافورة ودول أخرى.
أمرٌ انعكس إيجاباً في تقلدها مناصب وزارية وقيادية، ودخولها مجالات جديدة كانت حتى عهد قريب حكراً على الرجل، كالسلك الدبلوماسي والعسكري والسياسي والبرلماني. كما أنّ الدولة دعمت تمكين المرأة من خلال إصدار العديد من التشريعات والقوانين المنظمة لعملها، كقانون الموارد البشرية وبعض قوانين الأسرة، ومن خلال إنشاء عدد من المؤسسات الاجتماعية المتخصصة في خدمات الدعم والإرشاد الأسري وتمكينها اقتصادياً.
هذا التطور والتمكين لم يأت من فراغ، بل من حرص القيادة السياسية على النهوض بالمرأة القطرية ودفعها نحو المشاركة الاقتصادية والسياسية، بعدما أثبتت جدارتها وقدراتها. وهذا ما نصّ عليه الدستور القطري، الذي أشار صراحة إلى تساوي المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات، والتركيز على دورها المأمول في تحقيق رؤية قطر الوطنية لعام 2030. كما أشار إلى تمكين المرأة القطرية في استراتيجيّة التنمية الوطنية الأولى 2011 - 2016 والثانية 2017 ـ 2022.
ولحسن حظ المرأة القطرية، فإنها لم تصارع كثيراً لنيل حقوقها الاقتصادية والسياسية كغيرها بحسب المتعارف عليه في تاريخ الحركات النسوية، بل حصلت عليها بملعقة من ذهب بفضل إيمان ودعم القيادة لها.
- ما هي رؤيتك لأوضاع المرأة القطرية بحلول عام 2030 انطلاقاً من واقعها الحالي، والفرص والتحديات التي تواجهها في المدى القريب؟
فلنعد قليلاً إلى التاريخ، إذ لم يكن وضع المرأة القطرية مختلفاً عما كان عليه في مجتمعات أخرى. مرّ بمراحل عدة من التطور المجتمعي حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم. فالمرأة القطرية، كنظيرتها العربية، مرت بمراحل من التمييز المجتمعي المبني تارة على قيود ثقافية متمثلة في موروثات العادات والتقاليد، وتارة على قيود تشريعية وقانونية تمثلت في حق التعليم والعمل وريادة الأعمال وغيرها.
إلّا أن القراءة التاريخية لمسيرة المرأة القطرية تستدعي التوقف عند بعض الأحداث، بدءاً من إنشاء أول مدرسة للبنات، ثمّ إنشاء العديد من المؤسسات المعنية بالمرأة والأسرة، وإصدار التشريعات الخاصة بها، والتوقف عند بعض الشخصيات الريادية والملهمة، كآمنة محمود الجيدة، رائدة تعليم البنات، والشيخة موزا بنت ناصر، التي مثلت وما زالت تمثل علامة فارقة في تطور تاريخ المرأة القطرية.
تطوّر مسيرة المرأة القطرية، وأخذها منحى تصاعدياً، يستحق ويستوجب التوقف والدراسة والتوثيق، بل وقد يستدعي جهوداً مجتمعية ومؤسساتية في سبيل الحفاظ على مكتسباتها وإنجازاتها على مختلف الأصعدة، وتطويرها بما يتوافق مع أهداف وخصوصية المجتمع القطري، وحمايتها من أي استغلال أو انحراف لها عن مسارها المنشود. ولعلّ نظرة سريعة على مسيرة المرأة القطرية عبر العقدين الماضيين، تؤكد لنا أنها لم تكن أبداً منفصلة عن مجريات مجتمعها، إذ نشطت المرأة القطرية على مسارين متوازيين:
الأول هو مسار التعليم والعمل والمساهمة الاقتصادية في كافة المجالات، بما فيها السياسة الخارجية، والقضاء، والإعلام والوظائف القيادية الإشرافية (مواقع صنع القرار) في القطاعين الحكومي والمختلط، بما يؤكد أن الاستثمار في تعليم المرأة القطرية إنما هو استثمار في رأس المال البشري القطري بل وفي المجتمع بأكمله.
ثانياً مسار المشاركة في توجيه وتشكيل الرأي العام والتأثير على صُنع القرار، الأمر الذي يتضح جلياً من خلال الدور الفعال الذي باتت تلعبه المرأة القطرية، وبالذات المرأة القطرية الشابة، في العمل التطوعي والخيري والمؤسساتي ومؤسسات المجتمع المدني، من خلال دورهن في التأثير والتغيير الإيجابي، من خلال العديد من المبادرات والأنشطة والأطروحات الثقافية والاجتماعية والإعلامية.
وبناء على ما سبق، وفي حال استمرت المرأة القطرية في استغلالها الأمثل لاستثمار الدولة فيها بما يخدم المجتمع القطري، قد تُحقق الكثير.
- ما هي الإضافة التي يُقدّمها تمثيل النساء في مجلس الشورى القطري؟ وهل هناك آفاق أخرى يمكن أن تخترق فيها المرأة القطرية المنظومة القائمة؟
مشاركة المرأة القطرية في الحياة السياسية، لا سيما مجلس الشورى أو البرلمان المنتخب المقبل، أمر ضروري لاكتمال مواطنتها من باب تكافؤ الفرص والعدالة، ولتفعيل دورها المأمول في بناء وخدمة الوطن. ويعد تمثيل المرأة القطرية في مجلس الشورى بلا شك، إضافة مهمة في تاريخ تطور المرأة القطرية. وأعتقد، وعلى الرغم من تأخر هذه الخطوة، أنها أتت في وقتها، فالمجتمع مهيأ نوعاً ما لتقبل مشاركة المرأة السياسية بعدما أثبتت جدارتها وكفاءتها في بعض المجالات، إضافة إلى تهيئة البيئة المؤسساتية والقانونية الداعمة للمرأة العاملة، وإن كانت ما زالت تحتاج إلى المزيد من التطوير.
ولا نخفي سراً حين نؤكد أن أزمة حصار قطر زادت من الوعي السياسي بشكل عام لدى المرأة والرجل على حد سواء، ولا تتمثّل الإضافة فقط في تمثيل المرأة للمرأة وطرح ومناقشة قضايا الأسرة بشكل عام، بل أيضاً في تمثيل المرأة لصوت المواطن والمجتمع بشكل أعم وأشمل.
لعل المرأة القطرية تواجه بعض التحديات، مثل التوفيق بين الأسرة والعمل، والبيئة المؤسساتية الداعمة، وعدالة التوظيف، وفرص التدريب والتطوير المهني، وحواجز السقف الزجاجي في الوظائف القيادية والسياسية، ما يؤثر في الاستغلال والتوظيف الأمثل لعوائد استثمار تعليم الكفاءات النسائية القطرية، وتهيئة المرأة نفسها للمجتمع الديمقراطي والانتخابات المقبلة.
ولعلّ التحدي الأكبر الذي يواجه صُناع القرار في قطر لا يتمثل فقط في إصدار التشريعات وتعديل القوانين المساهمة في تمكين المرأة القطرية، بما في ذلك قوانين وتشريعات عادلة للانتخابات المقبلة، ولا يتمثل في استحداث وإنشاء المؤسسات المُنفذة والداعمة لذلك، بل قد يتمثل في التوظيف والاستغلال الأمثل للمرأة نفسها من ناحية، والتطبيق الفعلي المؤسساتي لتشريعاتها وقوانينها وفقاً لآلية ومتابعة واضحة وسليمة وعادلة، وهو ما شملته استراتيجية قطر 2017 - 2021 من مبادرات تشريعية وقانونية ومؤسساتية وإعلامية ومجتمعية، تضمن للمرأة القطرية أن تكون مُصانة الحقوق بعيداً عن أي تشويه أو انحراف أو استغلال أو تعطيل أو إهمال.
وأعتقد أن العملية الانتخابية المقبلة في حد ذاتها، وما تتضمنه من أنشطة وفعاليات وتجربة للمرة الأولى وحشد مجتمعي ومشاركة من قبل مؤسسات المجتمع، تعد أفضل مدرسة لتدريب وتهيئة المرأة القطرية على الممارسة السياسية للديمقراطية، حتى وإن أدت إلى عدم فوز المرشحات في دورتها الأولى، فهي كفيلة بدخولها الدورة الثانية بحكمة وخبرة أكثر نضجاً.
- ما المشاريع التي تعملين عليها في مجلس الشورى، وهل هناك تعاون مع الزميلات في المجلس؟
نعمل في مجلس الشورى كفريق واحد، رجالاً ونساء، في مناقشة مشاريع القوانين وطرح أي مشاريع أو قضايا للدراسة، تهم المواطن والمجتمع سواء من خلال جلسات مجلس الشورى الرسمية أو من خلال اللجان المختلفة أو حتى من خلال الطرح الجماعي. لكن بالتأكيد، هناك بعض القضايا التي أتشارك فيها مع أخواتي عضوات المجلس، تحديداً تلك المتعلقة بالمرأة والطفل والأسرة وذوي الإعاقة.
- من خلال موقعك الوطني، وقربك من قضايا المرأة وقضايا الطلاب في الوقت نفسه، كيف يؤثر الحصار على هاتين الشريحتين تحديداً؟
بالفعل، أكثر الشرائح تضرراً من حصار قطر هما المرأة والطلبة، فمن تداعيات الحصار الظالم على قطر التأثير السلبي في العلاقات الاجتماعية بين مواطني مجلس التعاون، سواء تلك الناتجة من الامتداد القبلي أو النسب والمصاهرة مما ساهم بشكل مباشر في تشتيت وتفكيك النسيج الاجتماعي بشكل عام.
أثّر حصار قطر بشكل مباشر على المرأة، وبالذات المتزوجة أو الأم لأبناء من دول الحصار، فبعد فرض قوانين التأشيرة على القطريين وتعقيد زيارة مواطني دول الحصار لقطر والعكس، واجه أبناء الأم القطرية -المطلقة والأرملة - الكثير من التحديات القانونية المتمثلة في استخراج أو تجديد وثائقهم الرسمية، الأمر الذي أثر على حقوقهم في التعليم والصحة والعمل بل وحتى ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي.
أما بالنسبة للطلبة، فقد عايشت وشاهدت الكثير من الطلبة القطريين المتضررين من الحصار الغاشم، والذي تمثّل إما في طردهم من الجامعات التي كانوا يدرسون بها في دول الحصار، علماً أن بعضهم كان في المراحل النهائية ولم يتبق له إلا أشهر أو أسابيع للتخرج، أو في شكل صعوبة أو استحالة استخراج وثائقهم الجامعية الرسمية. كما عايشت وسمعت عن حالات لطلبة من دول الحصار يدرسون في الجامعات القطرية، وقد أجبروا على ترك دراستهم على الرغم من أن بعضهم كان في المراحل الأخيرة.
- كيف توفقين حالياً بين المسؤوليات الأكاديمية ومجلس الشورى؟
بشكل عام، التوفيق بين المسؤوليات لا يتطلب إلا مهارة وفن إدارة الوقت والتنظيم. اعتدت شخصياً على ذلك منذ فترة، وكيّفت نفسي على إحداث التوازن المطلوب بين أسرتي وعملي. لكن مع زيادة الأعباء الإدارية والأكاديمية والتزامات مجلس الشورى، أجد نفسي أحياناً غارقة في بحر المسؤوليات والمهام المطلوب إنجازها في وقت ما وبمعايير معينة، ولا أخفي سراً أن هذا أثر سلباً على تأخر إنجاز مشاريعي البحثية وحتى واجباتي وحياتي الاجتماعية.
- بالانتقال إلى الشأن الأكاديمي، كيف يساهم معهد الدوحة للدراسات العليا في تحقيق التقدّم على المستوى القطري خصوصاً؟ وما حجم مساهمته في إمداد الإدارة القطرية بالكفاءات؟
إنشاء معهد الدوحة جاء تجسيداً لرؤية قطر الوطنية حتى عام 2030 وخريطة طريقها، وتحديداً المساهمة في بناء رأس المال البشري المنشود لنهضة وتطوير البلاد في المجالات الأكاديمية والبحثية والمهنية، واستجابة لرؤية الأمير لأهمية دور النخبة الثقافية والمهنية في التنمية البشرية.
منذ إطلاق المعهد، تم قبول 155 طالباً وطالبة في عام 2015، و233 في عام 2016، و254 في عام 2017. وتخرج الفوج الأول من المعهد في يونيو/ حزيران في عام 2017، وبلغ عدد المتخرجين 101، ووصلت نسبة الطلاب القطريين إلى أكثر من 40 في المائة من طلاب المعهد. ويخطّط المعهد لأن يراوح العدد الإجمالي للطلاب الملتحقين به خلال الأعوام المقبلة ما بين 350 و400، مع السعي إلى تقديم برامج دراسية على مستوى شهادة الدكتوراه.
ويؤدّي معهد الدوحة للدراسات العليا دوراً في عملية التأهيل الأكاديمي والبحثي لمنتسبي بعض مؤسسات المجتمع المدني، في مجالات العمل الاجتماعي والعمل الإنساني وإدارة النزاع، لا سيما مركز الامتياز للتعليم التنفيذي في المعهد الذي يمكن اعتباره منارة متميزة لناحية جودة التدريب والاستشارات الإدارية.
سيرة ذاتية
هند المفتاح هي نائب الرئيس للشؤون الإدارية والمالية في معهد الدوحة للدراسات العليا، وقد عُيّنت عضواً في مجلس الشورى القطري، بموجب أمر أميري صدر بتاريخ 9 نوفمبر/ تشرين الثاني في عام 2017. حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة إكستر في بريطانيا في عام 2004، بتخصص رأس المال البشري في دولة قطر، وأصدرت عدداً من الأبحاث والدراسات التي نشرت في مجلات علمية متخصصة. كما شغلت مناصب إدارية عدة.