مشاعر لا تشيخ

01 فبراير 2016
غالباً ما كانت تسترجع ذكرياتها (أولغا ماتسيفا/فرانس برس)
+ الخط -
كانت الساعة تُقارب الثانية عشرة ليلاً حين رنّ هاتف المنزل. ارتعبت. خشيت أن يحمل المتصل خبراً سيئاً عن أهلي أو أصدقائي. رفعت السماعة بقلق وكان صوتها مخنوقاً وحزيناً. قالت: "مهنّد رح يتجوز عسمر".

هذا ما يحدث دائماً حين تفوّت قريبتي إحدى حلقات مسلسلها التركي المفضّل لديها، حتى أنني صرت أحفظ عن ظهر قلب أحداثه تحسباً لأي سؤال منها قد يباغتني. بعد دقائق من الصمت المطلق، وجدت نفسي مدفوعة لمسايرتها وطمأنتها بأنه لا داعي للخوف. "مهند مضطر يعمل هيك. ما عنده حل تاني". للوهلة الأولى، شعرت بسخافة الحوار، لكن ما لبثت أن تمالكت نفسي وصرت أتحدث بجدية، حين لمست قلق العالم في صوتها. "كلّ الرجال هيك". أجابتني بغضب. صوتها كان حزيناً، كما لو أنها المغدورة.

أقفلت الخط، وصارت الأفكار تغزل في رأسي. تذكرت قصتها التي كانت مضرب مثل في العائلة. تجسست على أفكارها. "لا بد من أنها تحن إلى حبها القديم الذي فشل". تزوجت المسكينة من دون حب، بعد علاقة ملتهبة طواها الزمن. أحبت خالد وأحبّها، ثم تزوج بأخرى. خالد ابن بيك، وقريبتي ريفيّة بسيطة. كان هذا كافياً لأن تنتهي قصتها. الحب مثل كل الأشياء الجميلة في الحياة، تقتله الأعراف والتقاليد. انتهت قصة الحبيبين بعدما غادر خالد القرية وانقطعت أخباره. يومها، أوصدت قريبتي قلبها على ذكراه وتزوجت ابن عمها بطلب من والدتها.

تحبّ قريبتي البطلة سمر. تنتظر أحداث قصّتها بشغف. سمر تذكرها بنفسها. لطالما رددت على مسامعنا أنها كانت تشبهها في صباها. ذات يوم، كانت تفرم الطماطم وعيناها مسمرتان على الشاشة. كأن الشاشة تأكل عينيها وقلبها. وكنتُ أراقب تقلصات وجهها بحذر. أحسست بارتعاش يديها ونبضات قلبها المتسارعة. "لا بد من أن العلاقة بين البطلين لم تكن على ما يرام"، قلت في نفسي. علا صوتها. تيقنت حينها أننا لن نأكل التبولة اليوم، لأن عشيقة البطل الأخرى قد عادت من رحلتها. كانت قريبتي تعقد حاجبيها وتصرخ استنكاراً، كما لو أن حريقاً ألمّ بروحها. تلعن البطل وزوجها كمن ينتقم لحكايته. أنظر إليها بحزن: "لا بد من أن الماضي قد أطل عليها".

ذات يوم، وبينما كنا نشرب القهوة، أخبرتني بأنها غالباً ما كانت تسترجع ذكرياتها مع خالد، وبأنها ما زالت تحتفظ بشريط كاسيت لعبد الحليم كان قد أهداها إياه تحت شجرة الزنزلخت. أخبرتني بأنها في فترات زواجها الأولى، كانت تبكي من الخوف كلّ ليلة، خشية أن يعرف زوجها بقصتها مع خالد التي لم تفارقها يوماً. تخبرني عن زوجها الذي لم يعرف أن يحبها ويحميها ويحترمها. ربما لا يمكن للأحاسيس أن تشيخ أبداً.

اقرأ أيضاً: خيرية التي تنتظر رشدي أباظة
المساهمون