أكثر ما ميز عام 2018 في ليبيا انتهاكات حقوق الإنسان، في أكثر من مجال وفي مناسبات عديدة، بعضها يرتبط بالأزمة المستمرة في البلاد منذ سنوات
شهد عام 2018 في ليبيا العديد من الأحداث المرتبطة بالحياة اليومية للسكان، التي لم تغب عنها انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في أكثر من مجال، وخصوصاً مع استمرار الحرب في البلاد، واقتراب الذكرى الثامنة للثورة التي انطلقت في فبراير/ شباط 2011.
صحياً، ومع انهيار المؤسسات الطبّية في كثير من الحالات، لجأ المواطنون إلى الطبّ البديل المعروف بـ"طبّ العرب". وشهد عام 2018 أزمة في الأدوية التي انتشر جزء منها، بالرغم من انتهاء صلاحيته. كذلك، خلت غالبية المستشفيات من الكوادر الطبّية الضرورية، بالترافق مع ارتفاع تكاليف المستشفيات الخاصّة. أما المستشفيات الحكومية التي استمرت في العمل فافتقرت إلى كثير من لوازم العلاج، فاضطر المواطن لشرائها قبل الدخول إلى الطبيب الذي يشترط توفير القفازات التي سيضعها في يديه لعلاج المريض، فضلاً عن الحقن، وأغطية الأسرّة. وامتدت أزمة الصحة إلى اضطلاع أهالي أكثر من منطقة بدور عام في انتظار الوعود الحكومية، تمثل في علاج كثير من النواقص، عبر جمع تبرعات لحفر الآبار لبعض المستشفيات مثلاً، وتوفير مولدات كهرباء لها، بل صيانة مباني المراكز الطبّية في القرى والأرياف، وتكوين فرق أهلية للحراسة.
على الرغم من ذلك، عانت مدن عديدة من تفشي أمراض وحالات طبّية لم يجدوا حلولاً لها، بسبب عدم توافر علاجاتها وأمصالها. وذلك من قبيل الخطر الذي هدد حياة أهالي مدينة أوباري وخصوصاً أطفالها، بسبب لسعات العقارب. كذلك، انتشرت أمراض تسبب بها غرق عدة مدن في المياه الآسنة وأنقاض المباني. وهو ما تعانيه سرت مثلاً التي يطلق أهلها على هذه الأزمة تسمية "الموت البطيء"، إذ ما زالت المدينة مهددة بالجثث المتحللة، والأنقاض وركام المباني المدمرة من جراء حرب "البنيان المرصوص" على تنظيم "داعش" قبل سنتين فيها.
لامست "العربي الجديد" جراح الليبيين، في تنامي مؤثرات الأزمة على حياتهم اليومية، فرصدت كيف يواجهون أزمة نقص السيولة، والبدائل التي اضطر إليها المواطن في البحث عن عمل، إذ مارس بعض المواطنين مهناً وأعمالاً موازية، بالإضافة إلى وظائفهم الحكومية. كذلك، اضطرت ربات منازل إلى اتخاذ أعمال إضافية في بيوتهن لمواجهة متطلبات الحياة اليومية.
تزايد الفقر عام 2018 في ليبيا، من جراء الحروب والانقسامات الحكومية وحالات النزوح التي خلفتها النزاعات، وغياب القانون والرقابة الذي حدا بسكان المناطق الحدودية للعيش على التهريب، حتى بدت تلك المدن والمناطق متمردة وخارج سلطة الدولة الغائبة.
وتسبب غياب الدولة في انهيار كبير في مؤسساتها الحكومية، وهو ما استغله المتنفذون فيها لتمرير مصالحهم، ما تسبب في انتشار الفساد في أغلب مؤسسات الدولة، بل طاول مؤسسات هامة ومسؤولين وصل فسادهم إلى حدّ التورط في سرقات كبيرة تأثرت بسببها مناحي الحياة. من ذلك غياب الكتب عن عدد من المدارس الحكومية، بالرغم من تأكيد وزارة التعليم إرسالها شحنات من الكتب، إذ أكد مراقبو الإدارات في المناطق عدم تسلمها، ليتضح لاحقاً أنها ذهبت إلى مكابس ورق، فبيعت لأغراض أخرى غير مدرسية، وضاعت الجهة المسؤولة عن هذا الفساد.
وطاول الاختراق منظومة التعليم، إذ انتشرت مدارس تنتمي إلى التيار السلفي، ما كشف عن محاولات مدعومة من دولة عربية للتمدد في البلاد عبر تكوين جيل محلي ينتمي إلى تلك الدولة فكرياً، حتى بات الأهالي يتخوفون من تعليم أبنائهم، لا في تلك المدارس فقط بل في كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم أيضاً التي اشتهرت بها ليبيا، تخوفاً من انحراف أطفالهم واتجاههم إلى تيارات متطرفة.
ولم تقتصر محاولات التيارات الدينية الوافدة عند حدّ التعليم، بل اتجهت إلى تفريغ البلاد من عمقها التاريخي. فالسلفيون أباحوا المتاجرة بالآثار وبيعها، على أساس فتاوى دينية شجعت المتاجرين بالآثار على العمل أكثر في هذا القطاع غير القانوني. وتلك الفتاوى تستند إلى "حرمة التصوير وصناعة التماثيل في الإسلام" بحسب أستاذ الدراسات الإسلامية، محمد كريم، الذي استدرك: "على الرغم من الجدال الفقهي حول المسألة، فإنها خلافية ولا يوجد إجماع حولها بين الفقهاء".
وبالعودة إلى الخردة، خصوصاً المعادن المستخرجة من ركام الأبنية، والتجهيزات المنزلية والصناعية المستعملة شأن الأجهزة المطبخية وغيرها، وهي ثروة وطنية في ليبيا، شجع التسيّب مليشيات على المتاجرة بها من خلال المنافذ الرسمية، كالموانئ والمعابر البرية. كذلك، حلّت مليشيات نفسها لتبيع عتادها، بسبب الأموال الطائلة التي تجنيها من تحويل الدبابات والمدافع والأسلحة الصغيرة إلى خردة.
وقد أدى الفساد والتغاضي الرسمي بمليشيات من خارج البلاد، إلى اقتحام الأراضي الليبية لإقامة معسكرات من أجل التنقيب عن الذهب، في مناطق الجنوب تحت عين حكومات دول الجوار، التي يمكنها منع تلك المليشيات من التسرب عبر الحدود. من وجوه الفساد الأخرى، خلق طرق قانونية لتهريب البشر عبر مكاتب استجلاب العمالة، بدلاً من تهريبهم من بلادهم إلى ليبيا عبر الحدود.
على صعيد آخر، حصلت "العربي الجديد" على شهادات من شبان ليبيين عاشوا تجارب الهجرة عبر البحر، أكد بعضهم نية الهجرة مجدداً مهما فشلت المساعي الأولى. كذلك، رصدت حالات وفاة بين المهاجرين الليبيين. ومن المهاجرين إلى المهجّرين، أخذت معاناة تاورغاء أبعاداً تجاوزت الشأن المحلي إلى الدولي، لتنتهي مأساة مهجّري المدينة التي استمرت سبع سنوات بالسماح لهم بالعودة إليها، لكنّ ذلك جعلهم يكتشفون أزمة أخرى، إذ تحولت تاورغاء إلى مدينة أشباح بمبانيها المدمرة وبنيتها التحتية المعطلة.
وبرزت في عام 2018 أيضاً تأثيرات حالة الانفلات الأمني على قضايا مختلفة، منها حالات الخطف والإخفاء القسري والاعتقال. فقد خطف مئات الليبيين على أساس هويتهم والمنطقة والعائلة التي ينتمون إليها. وطلب الخاطفون فدىً مالية لإطلاق سراحهم، علماً أنّ أرواح كثيرين من بينهم راحت هدراً، وهرب الجاني بجريمته. كذلك، أزهقت أرواح عشرات الليبيين داخل سجون سرّية، منها ما يخضع لسلطة مليشيات، ومنها ما يخضع لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. ومن بين المعتقلين الضحايا أطفال ونساء.
انتحار الأطفال والشباب
الأزمة الليبية أدت إلى زيادة الآثار النفسية السلبية التي حدت بمراهقين إلى الانتحار، وخصوصاً شرق البلاد. وتهربت جهات رسمية من ذلك، بل ردّت سبب انتحار الأطفال والشباب، إلى لعبة إلكترونية اسمها "شارلي" قالت إنّ "أصلها شيطان مكسيكي كما تروي الأساطير، وفيها تستحضر روحه ببعض الكلمات باللغة الإنكليزية".