سورية 2018... تهجير وأزمات معيشية ونزيف بشري

26 ديسمبر 2018
معاناة في مخيمات إدلب (الأناضول)
+ الخط -

مرت سنة 2018 على السوريين، كشقيقاتها السبع السابقة، شاهدة على معاناة إنسانية قد تكون الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، إذ عصف بهم الجوع والتهجير والخوف والموت، مع غياب الأمل بالسنة الجديدة

استقبل كثير من السوريين سنة 2018 وهم هاربون من ويلات العمليات العسكرية في مثلث الموت في المنطقة الجنوبية، في حين كان مئات الآلاف ينزحون من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة باتجاه ريف إدلب الشمالي، ويفترشون العراء تحت المطر وفي ظلّ البرد والجوع. نزح كذلك، في نهاية العام عشرات الآلاف من ريف إدلب الجنوبي الشرقي جراء القصف المكثف لقوات النظام، بالرغم من الاتفاق الروسي - التركي على وقف إطلاق النار، وإقامة منطقة عازلة تفصل بين مناطق سيطرة الفصائل المسلحة المعارضة والإسلامية، والقوات النظامية، إذ لم يلتزم النظام بالاتفاق مكرراً خروقاته.

تهجير
شهد أهل الغوطة الشرقية في الأشهر الأولى من السنة، أسابيع قاسية جداً، فالتصعيد العسكري ارتفع سريعاً، والحصار اشتد يوماً بعد آخر، فلم يعد من يستطيعون الخروج من الأقبية، يجدون ما يؤكل أو يشرب، في ظل غياب الرعاية الصحية، فأعلنها الناشطون والمجالس المحلية منطقة منكوبة، إذ طال أمد القصف والحصار، وسجل كثير من قصص الموت جوعاً وقصفاً عدا عن النقص في الرعاية الصحية، قبل أن يُهجّر عشرات الآلاف من أهلها إلى الشمال السوري في مارس/ آذار 2018، ليكملوا قصة معاناتهم في المخيمات التي ينقصها كثير من مقومات الحياة، ولا يتوافر فيها السكن المنزلي أو العمل.

تكرر مشهد الغوطة الشرقية من حصار وتجويع فتهجير عام 2018، في العديد من المناطق منها جنوب دمشق والقلمون الشرقي وضمير، ثم ريف حمص الشمالي ودرعا والقنيطرة. ولم يكن حال أكثر من 600 ألف مدني في منطقة عفرين أفضل، جراء المعارك، التي دارت بين الفصائل المسلحة والقوات التركية من جهة والفصائل الكردية من جهة أخرى، ما تسبب بموجات نزوح كبيرة من بلداتهم ومدنهم.




في حوض اليرموك بريف درعا، جنوبي سورية، اتخذ تنظيم "داعش" من عشرات آلاف المدنيين كدرع بشري، قبل أن يسيطر النظام وروسيا على المنطقة، من دون معرفة مصير مقاتلي التنظيم، الذين قيل إنّهم نُقلوا إلى شرق السويداء، في وقت فُرضت على مناطق سيطرة المعارضة تسوية، تم بموجبها تهجير عشرات الآلاف ممن رفض تلك التسوية إلى الشمال السوري.

لم يقتصر الوضع على التهجير إذ غرقت المخيمات وتحولت إلى مستنقعات طينية، بالإضافة إلى السيول والبحيرات التي تشكلت في المدن السورية، وعلى رأسها العاصمة دمشق. ولم تغب معاناة مئات آلاف النازحين المقيمين بالمخيمات، من نقص المواد الغذائية والطبية والمياه والخدمات العامة والفقر والبطالة، إلى جانب الأحوال الجوية، وعلى رأسها مخيم الركبان في البادية السورية على الحدود السورية - الأردنية، حيث يعيش أكثر من 45 ألف مدني في ظروف سيئة، في ظل انقطاع المساعدات الإنسانية حيناً ومياه الشرب أحياناً، بالإضافة إلى انعدام شبه كلي للرعاية الصحية، ما تسبب في وقوع عشرات الوفيات بعضها بسبب الجوع.

أزمات
بالتزامن مع معاناة المهجرين السوريين إلى الشمال، جراء عدم الاستقرار والضيق المادي والخوف من المستقبل المجهول، عانى من بقي في مناطق سيطرة النظام من بطء في إعادة الخدمات، ومن التسويات التي سرعان ما اكتشفوا أنّها خديعة لا غير، إذ استؤنفت سياسة الاعتقالات المستمرة حتى اليوم، والتي استهدفت قيادات مدنية وعسكرية وناشطين سابقين.

كذلك، سجل في عام 2018 إصدار النظام أحد أخطر القوانين وهو المعروف بالقانون رقم 10 الذي يسمح للنظام بإعادة تنظيم أي منطقة سكنية، مفسحاً أمام المالكين فترة زمنية محددة لتقديم ما يثبت ملكياتهم، وإلاّ يخسرونها. ويفرض القانون على من يثبت ملكيته أن يشارك بحصته السهمية ضمن شركة مساهمة مكونة من المالكين في المنطقة، ويكون رأسمالها 11 ألف سهم، ليخصص لها محضر للبناء، الذي يشيد على نفقتهم الخاصة.

استقبال الأطفال والنساء المحررين في السويداء (فرانس برس) 













وودع السوريون عام 2018 كما استقبلوه، في ظل انقطاع الكهرباء ساعات طويلة عنهم، ليصل انقطاع التغذية في بعض المناطق إلى 10 ساعات يومياً بحجة إجراء أعمال صيانة، بالإضافة إلى أزمة غاز الطهو، ما جعل سعر أسطوانة الغاز يرتفع في بعض المناطق كمدينة حلب من 2700 ليرة سورية (5.24 دولارات أميركية) إلى 6800 ليرة (13.20 دولاراً).

ولم تغب الرقة عن الواجهة، بالرغم من طرد تنظيم "داعش" منها على يد قوات سورية الديمقراطية "قسد"، إذ توالى اكتشاف المقابر الجماعية، التي انتشلت منها مئات الجثث، بالتزامن مع حوادث انفجار مخلفات التنظيم، في حين واجه من عاد إليها غياب الدعم وإعادة الإعمار، فعاش جزء كبير منهم في ظل حطام منازلهم.

عفو كاذب
كذلك، تواصل نزيف الشبان السوريين هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية إلى خارج البلاد، بعدما تحول السفر إلى طوق النجاة الوحيد لهم، في وقت يزداد عدد الممتنعين عن الخدمة العسكرية، والذين لم يحالفهم الحظ بالخروج من البلاد، ليحاصروا في منازلهم أو بلداتهم أو مدنهم، ومنهم من مضى عليه سنوات وهو يعاني من تبعات موقفه، في وقت تواصل فيه فصل الموظفين الممتنعين عن الخدمة العسكرية من عملهم في مؤسسات الدولة.




أصدر النظام عفواً خاصاً عن الفارين والمتخلفين عن الخدمة، بالإضافة إلى طي صفحة 800 ألف دعوة احتياط لشبان برتب صف ضابط ومجندين، في النصف الثاني من السنة، لكن لم تمضِ أيام حتى طُلبوا مجدداً، بالإضافة إلى قوائم إضافية. وهو ما اعتبره السوريون واحدة من أكبر عمليات الخداع والاحتيال، التي مارسها النظام بحقهم، إذ تورط كثير من الشبان بالعودة إلى سورية لزيارة أهلهم فعلقوا داخلها، أو دفعوا مبالغ مالية للحصول على جواز سفر وموافقة سفر.

حياتياً، لم يعش السوريون في هذا العام، أجواء رمضانية مختلفة عن السنوات السابقة، وهي حال الأعياد الفاقد للفرحة أيضاً. فرقتهم الحرب بين قتيل ومعتقل ونازح ومهجر ولاجئ، كما أتت على أعمالهم وأرزاقهم فأصابتهم بفقر مدقع وعوز شديد.

اعتقالات ومجزرة
في ملف المعتقلين، كشف النظام في النصف الثاني من عام 2018 عن مصير آلاف المعتقلين، ممن فارقوا الحياة في معتقلاته، عبر تعميم أسمائهم على دوائر السجل المدني، بالرغم من مرور سنوات على مقتل بعضهم، من دون الكشف عن أسباب الوفاة أو مكان دفنهم، أو تسليم ذويهم الجثامين.

واصل النظام حملات اعتقاله للشباب في مناطق المصالحات، إما على خلفية نشاطاتهم السابقة، أو لسوقهم إلى الخدمة ضمن قواته العسكرية، كما تواصلت عمليات الاعتقال في مناطق سيطرته، خصوصاً بحق الممتنعين عن الخدمة.

الأمطار أغرقت الطرقات والمخيمات (عامر الحموي/ فرانس برس) 












في محافظة السويداء، جنوب سورية، ارتكب تنظيم "داعش" في يوليو/ تموز مجزرة بحق مدنيين في عدد من القرى الشرقية المحاذية للبادية، راح ضحيتها أكثر من 260 قتيلاً ومئات الجرحى، كما خطف 30 شخصاً غالبيتهم من الأطفال والنساء، أعدم منهم التنظيم شاباً وفتاتين، وماتت امرأة مسنة لأسباب صحية، ومات طفلان خلال عملية استعادة المخطوفين، الذين غابوا عن عائلاتهم نحو ثلاثة أشهر.

وسجلت غالبية المناطق السورية ارتفاعاً في معدلات الجريمة، من قتل وخطف بقصد الفدية وتجارة في المواد المخدرة والسلاح، في ظل حالة من الفلتان الأمني. وتتهم الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، من قبل سوريين يقيمون في مناطق سيطرتها أنّها الراعي الرئيس للفلتان، في حين يجري تحميل تنظيم "هيئة تحرير الشام" وبعض الفصائل المتشددة والفصائل المسلحة غير المنضبطة والعصابات، المسؤولية في مناطق المعارضة.

تدهور الصحة والتعليم
أخذت قضية أعضاء منظمة الدفاع المدني "الخوذ البيضاء"، التي كانت تعمل على مساعدة المدنيين بعد عمليات القصف وتساعد في إسعاف الجرحى في مناطق المعارضة، والتي يتهمها النظام وحلفاؤه أنّها منظمة إرهابية، حيزاً من الاهتمام الدولي، جراء حصار المئات من أفرادها في الجنوب السوري إثر سيطرة النظام على مناطق المعارضة في درعا والقنيطرة. جرى بعدها نقل أكثر من 400 شخص منهم عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الأردن في أغسطس/ آب، ثم إلى بريطانيا وألمانيا وكندا ليتم توطينهم فيها. لكن، بقي منهم عشرات العناصر عالقين في المناطق الخاضعة للنظام، وسط تقارير تفيد أنّهم يتعرضون للاعتقال بالرغم من تسوية أوضاعهم لدى النظام.

وسجل في نهاية 2018 وفاة طفلين، في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام السوري، نتيجة الإصابة بفيروس "أتش 1 إن 1" مع تسجيل عدة إصابات بالمرض في المدينة، وهي المرة الأولى في سورية منذ عام 2016. كذلك، سجل ارتفاع في عدد المصابين بالإيدز إلى أكثر من ألف إصابة بحسب تقرير رسمي.

وواجه جزء كبير من السوريين هذا العام مشكلة انتشار الصيدليات غير المرخصة، والدواء الفاسد ومنتهي الصلاحية، خصوصاً في ريف دير الزور الخاضع لسيطرة "قسد".




من جهتهم، نال التلاميذ والطلاب حصتهم من المأساة السورية، ففي حين طاول الحرمان من متابعة التعليم عشرات الآلاف من أبناء الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وريف حمص الشمالي ودرعا والقنيطرة ودير الزور، عانى تلاميذ من اختلاف المناهج في مناطق شرق الفرات، التي تسيطر عليها "قسد" ومناطق شمال سورية التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" في أجزاء من إدلب، وفصائل "درع الفرات" المدعومة من تركيا، إذ لا اعتراف رسمياً بشهادات مؤسسات التعليم هناك.