فيما اعتبر اختياراً متحفظاً لمهمة صعبة، أعلنت الحكومة البريطانية عن اختيار أندرو بايلي، الرئيس التنفيذي لهيئة الانضباط المالي، لرئاسة البنك المركزي الإنكليزي، في واحدة من أصعب فتراته، كونها تشهد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما يتوقع لها من تبعات، سيلعب البنك المركزي بالتأكيد دوراً كبيراً في التعامل معها.
وبعد ثمانية أشهر من البحث الشاق عمن يشغل الوظيفة، يتولى بايلي مهام منصبه الجديد في السادس عشر من مارس/ آذار من العام القادم 2020، خلفاً لمارك كارني، لمدة ثماني سنوات، قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.
وفي حين اعتبره ساجد جاويد، وزير المالية البريطاني، في تصريحات، يوم الجمعة الماضي، الشخص المناسب لقيادة البنك في وقتٍ تتعامل فيه البلاد مع مستقبل وفرص ما بعد الخروج، لم يُعرف عن بايلي من قبل اهتمامه أو تمكنه في موضوعات السياسة النقدية، التي يفترض أن وضعها يمثل المهمة الأولى للبنوك المركزية حول العالم.
لكن بعد وصول المحامي جيرومي باول لرئاسة بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي)، ووصول المحامية والسياسية كريستين لاغارد لرئاسة البنك المركزي الأوروبي، لا يبدو أن هذا الأمر أصبح يمثل أي أهمية.
وامتد عمل بايلي، البالغ من العمر ستين عاماً، في البنك المركزي الإنكليزي لأكثر من ثلاثة عقود، اعتباراً من عام 1985، ترأس خلالها الإدارة التي تزود البنوك الإنكليزية بالبنية التحتية اللازمة لتقديم خدماتها، كما الإدارة المسؤولة عن طباعة البنكنوت في البنك، الأمر الذي منحه شهرة كبيرة في إنكلترا، بسبب طباعة اسمه على كل أوراق البنكنوت التي أصدرها البنك خلال الفترة بين 2004 – 2011، قبل أن يتولى مهام وظيفة السكرتير الخاص لمحافظ البنك، ثم رئيس إدارة التحليل الاقتصادي الدولي به.
وخلال الفترة التي شهدت إرهاصات الأزمة المالية العالمية، في 2007، تولى بايلي، وحتى 2011 المسؤولية عن عمليات البنك الخاصة لمساعدة البنوك الإنكليزية في مواجهة أزمات السيولة التي عانت منها، قبل أن يترأس هيئة التنظيم الحصيف بالبنك، ليترك البنك في 2016 ويترأس هيئة الانضباط المالي، غير الخاضعة لتبعية الحكومة البريطانية، والتي تعد الهيئة الأهم في المملكة المتحدة التي تنظم عمل المؤسسات المالية التي تتعامل مع المواطنين.
ويحكي بايلي عن تلك الفترة ذكرياته، فيقول إنه كان جالساً في مكتبه في أحد الأيام في بدايات الأزمة، ليدخل عليه جون كامينز، مسؤول الخزانة في رويال بنك أوف سكوتلاند، ليقول له "أحتاج مبلغ 25 مليار جنيه إسترليني اليوم. هل يمكنك فعل ذلك"، فيقول بايلي "شعرت أنه سيصاب بأزمة قلبية، وقلت له نعم يمكنني".
وخلال ترأسه لجنة التنظيم الحصيف بالبنك، اعتبر بايلي أحد أهم المسؤولين عن مراقبة أداء 1700 مؤسسة، تشمل بنوكاً وشركات استثمار واتحادات ائتمانية وشركات تأمين.
ويوم اختياره للوظيفة، قال جورج أوزبورن، وزير المالية بالحكومة البريطانية وقتها "لقد بحثنا شرقاً وغرباً عمن يمكنه شغل هذه الوظيفة الهامة، فلم نجد أفضل من بايلي، الذي قاد مبادرات البنك المركزي لمساعدة البنوك الإنكليزية وقت الأزمة المالية العالمية، ثم أعد أُطُر العمل المنظمة لعمل البنوك في الفترة التي تلتها". وأكد أوزبورن أن بايلي هو "الأكثر احتراماً والأكثر خبرة والأفضل تأهيلاً في العالم لشغل هذا المنصب".
ورغم الثقة والتقدير اللذين يحظى بهما من زملائه وأغلب العاملين في الحكومة البريطانية، تعرضت هيئة الانضباط المالي خلال رئاسته لهجوم شديد أكثر من مرة، كان أهمها بسبب تساهلها تجاه الطريقة التي تعامل بها رويال بنك أوف سكوتلاند، أحد أكبر البنوك في المملكة المتحدة، والذي تعرض لمشاكل كبيرة خلال الأزمة المالية العالمية، مع عملائه من الشركات الصغيرة، بعد انتهاء الأزمة، حيث تسبب في أضرار بالغة للكثيرين منها، وهو ما اعترف به بايلي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكاد يتسبب في خروجه من المنافسة على الترشح لرئاسة البنك المركزي.
وسيكون بايلي، الحاصل على شهادة جامعية في التاريخ، ودكتوراه في التاريخ الاقتصادي من كلية كوين، بجامعة كامبريدج الإنكليزية العريقة، المحافظ الرقم 121 لثالث أقدم بنك مركزي في العالم، والذي تم تأسيسه عام 1694، ليصبح نموذجاً تحتذي به أغلب البنوك المركزية الحديثة حول العالم.