تعيش بنوك غزة في قلب أزمة بسبب الانقسام الفلسطيني وتبعاته الاقتصادية والمالية، آخرها كما تشير معطيات سياسية، تأخر صرف راتب مارس/ آذار الماضي لقرابة 58 ألف موظف حكومي، يتقاضونها من الحكومة؛ التي صرفت رواتب موظفيها بالضفة الغربية، في الأسبوع الأول من الشهر الحالي.
واضطرت البنوك في القطاع، قبل نحو أسبوعين، لإغلاق أجهزة الصراف الآلي بصفائح حديدية وأقفال لفترة وجيزة، تجنبا لتلف قد تتعرض له من موظفين عموميين غاضبين، تأخرت رواتبهم.
ويعني تأخر صرف الرواتب التي لم يصدر بشأنها تصريح حكومي رسمي، أن المقترضين سيواجهون صعوبات في سداد أقساط الديون البنكية المستحقة عليهم، وسط تخوفات مصرفية وشعبية من طول أمد الأزمة.
ويبلغ إجمالي ودائع العملاء في بنوك غزة 1.1 مليار دولار تشكل نسبتها 10% من إجمالي ودائع القطاع المصرفي ككل، وفق أرقام منشورة على موقع سلطة النقد الفلسطينية، بينما تبلغ قيمة القروض غير المستحقة في غزة 991 مليون دولار، تشكل نسبتها 12.2 % من إجمالي القروض الممنوحة من القطاع المصرفي الفلسطيني.
وتشكل نسبة القروض إلى الودائع في بنوك قطاع غزة 88.4 %، أي أن 88.4 % من الودائع في بنوك غزة مقدمة على شكل قروض.
ويبلغ عدد البنوك في قطاع غزة 9 من أصل 15 عاملة في فلسطين، وتشرف عليها سلطة النقد الفلسطينية (بمثابة البنك المركزي)، ويملك الغزيون في تلك البنوك ودائع ويحصلون على قروض، لكن أداء البنوك هناك ينمو بوتيرة أقل من الضفة الغربية، بفعل الحصار الذي دخل عامه الـ 12.
وتملك البنوك في فلسطين، ملاءة مالية مطمئنة، بإجمالي ودائع تبلغ 11.2 مليار دولار، وموجودات تجاوزت 13.8 مليار دولار.
وبحال أي تصعيد إضافي بين المنقسمَيْن، فإن ذلك سيصعب من استعادة البنوك العاملة في القطاع لأقساط قروضها في موعدها، وقد يتجاوز ذلك إلى بدء انكماش في الودائع البنكية لحاجة العملاء إلى السيولة.
ويعتمد اقتصاد قطاع غزة (يعيش فيه مليونا نسمة) وقطاعاته التجارية والمصرفية والعقارية وغيرها، على رواتب الموظفين العموميين، التي تعد "رمانة القبان" للسيولة المالية في أسواق القطاع.
وكانت القيادة الفلسطينية قد نفذت في مايو/ أيار 2017، ضغوطات على غزة باقتطاع 30 % من رواتب الموظفين العموميين، ما أفقد أسواق غزة قرابة 20 مليون دولار شهرياً، مما اضطر سلطة النقد الفلسطينية، لإصدار تعليمات تطلب فيها من البنوك، خفض قيمة اقتطاع الأقساط المستحقة بما يتناسب من قيمة الرواتب المصروفة، دون فرض رسوم أو فوائد إضافية على المقترضين.
لكن الفرضية التي قد تؤثر سلبا بشكل أكبر من الضغوط السابقة، في حال تعثر جهود رأب صدع حركتي فتح وحماس، ستكون بتجميد العمليات المصرفية ووقف التحويلات النقدية من وإلى قطاع غزة، حينها، ستكون البنوك العاملة في غزة أمام خيارين، إما تحمل خسائر الانقسام الواقعة عليها نتيجة هبوط حاد محتمل في العمليات البنكية والبقاء في سوق غزة، أو التفكير في مغادرة سوق غير مجدية مادياً بالنسبة لها.
إذا قرت البنوك العاملة في غزة، المغادرة، فلن تكون قادرة على الانسحاب مباشرة في حال زادت الضغوط على حركة حماس لتسليم قطاع غزة دفعة واحدة، لوجود قروض لصالحها على عشرات آلاف المقترضين الغزيين.
حتى اليوم، لم تصدر رسميا أية أوامر بتنفيذ ضغوط نقدية ومصرفية على غزة، لا من جانب الرئاسة أو الحكومة أو سلطة النقد، وهي إجراءات إن تمت، قد تضيق الحلقة أكثر على السكان والبنوك معا.
(الأناضول، العربي الجديد)