3 سنوات على تعويم الجنيه المصري وقرض الصندوق: الأوضاع تزداد سوءاً

11 نوفمبر 2019
تم رفع أسعار المنتجات البترولية خمس مرات (Getty)
+ الخط -
لم يكن وضع الاقتصاد المصري وعملته الجنيه جيداً قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ولكنه لم يتحسن بعد قرار التعويم وتوقيع اتفاق القرض مع صندوق النقد، بل على العكس فإن الأمور وفقاً للأرقام الرسمية تزداد سوءاً.

وقررت الحكومة المصرية تعويم (تحرير) العملة المحلية في نوفمبر 2016، ليصل سعر الدولار إلى أكثر من 18 جنيهاً مقابل أقل من 9 جنيهات قبل التعويم و7 جنيهات قبل 6 سنوات.

كان قرار تحرير سعر العملة جزءا من برنامج اقتصادي اتفقت عليه مصر مع صندوق النقد الدولي في سبيل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، ولكن في يناير/كانون الثاني من 2017، قال رئيس بعثة مصر في صندوق النقد وقتها، كريس غارفيس، إن قيمة الجنيه المصري انخفضت أكثر من المتوقع بعد تعويم سعر الصرف.

وأشار إلى أن السكان يمكن أن يستفيدوا على المدى الطويل من الإصلاحات والتعويم، لكن الفقراء سيعانون إلى حد كبير.


ورغم وعود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكومته آنذاك بعدم تأثر الفئات محدودة الدخل بما تصفه الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي وخفض قيمة العملة المحلية، إلا أن الواقع جاء عكس ذلك، إذ شهدت مصر موجات غلاء طاحنة ومتتالية، ووصل التضخم إلى مستويات قياسية اقتربت من 35%، قبل أن تعود الحكومة مؤخرا وتصدر بيانات عن انخفاض معدلات التضخم.

انخفاض قيمة العملة

تعرض الجنيه لأكبر خسارة في تاريخه أمام الدولار فقد خلالها نحو 128% من قيمته من قرار التعويم، بعد أن لامست العملة الأميركية 20 جنيها مقابل 8.80 جنيهات رسمياً، كما فقدت العملة المصرية نحو 242% مقارنة بمتوسط الأسعار في عام 2011، حيث لم يتجاوز الدولار خلاله 5.95 جنيهات، ويبلغ سعر الدولار حاليا في المتوسط نحو 16.11 جنيها وسط تقارير عن استمرار تدخل البنك المركزي للحفاظ على سعره الحالي.

وقال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" عقب التعويم، إن "الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التعويم تقدر بنحو تريليوني جنيه (113 مليار دولار)، تمثل فارق عجز الموازنة وفوائد الدين العام، التي قفزت بصورة مخيفة، فضلا عن زيادة الدين العام الخارجي وارتفاع تكلفة استيراد السلع الأساسية، بخلاف تدني القيمة الشرائية للعملة المحلية وانكماش استهلاك المواطنين".

الدخل الشخصي

تأثر الدخل الشخصي للمصريين بقرار التعويم، فظل الدخل شبه ثابت، بينما انخفضت قيمة العملة، فمن كان دخله 2000 جنيه قبل التعويم وبما يعادل (227 دولارا تقريباً) فإنه يعادل حاليا نحو 124 دولاراً، وهو ما أثر لاحقا على القدرة الشرائية والمستوى المعيشي لغالبية المواطنين.

الدين العام

بلغت الديون المحلية لمصر في يناير/كانون الثاني 2011 نحو 962.2 مليار جنيه، بينما وصلت الديون الخارجية إلى 34.9 مليار دولار، غير أنها ارتفعت محلياً إلى 1.23 مليار جنيه خلال فترة حكم المجلس العسكري حتى منتصف 2012 ونحو 34.4 مليار دولار خارجياً.


وخلال تولي الرئيس الراحل محمد مرسي السلطة والتي استمرت عاما قبل الانقلاب العسكري منتصف العام 2013، صعد الدين المحلي إلى نحو 1.8 تريليون جنيه، كما زاد الدين الخارجي بقيمة 8.6 مليارات دولار ليصل إلى 43 مليار دولار.

وقبل قرار التعويم في نوفمبر 2016 بلغ إجمالي الدين المحلي بنهاية سبتمبر/أيلول 2016 وفق بيانات البنك المركزي نحو 2.7 تريليون جنيه، بينما قفزت الديون الخارجية إلى نحو 61 مليار دولار، ارتفعت بعد التعويم بـ6 أشهر إلى 79 مليار دولار.

وكشف البنك المركزي المصري، أوائل نوفمبر 2019، عن ارتفاع رصيد الدين الخارجي المستحق على مصر إلى 108.7 مليارات دولار بنهاية يونيو/حزيران 2019، بزيادة قدرها 16.1 ملياراً مقارنة بنهاية يونيو 2018.


وكشفت بيانات صادرة عن البنك المركزي، في سبتمبر/أيلول الماضي، أن الدين المحلي (الداخلي) قفز على أساس سنوي، في مارس/آذار 2019، إلى 4.204 تريليونات جنيه (256.2 مليار دولار تقريبا).

رفع أسعار الوقود 

أقدمت الحكومة على رفع أسعار الوقود بنسب كبيرة، بعد إبرام اتفاقها مع صندوق النقد مباشرة، جاءت الأولى في نوفمبر 2016، بنسب تراوحت ما بين 30% و47%، والثانية في 30 يونيو 2017 بنسب تصل إلى 55%.

في الخامس من يوليو/تموز 2019، رفع النظام الحاكم في مصر أسعار الوقود وغاز البوتاغاز بنسب تتراوح ما بين 16% و30%.


إجمالا، تم رفع أسعار المنتجات البترولية خمس مرات في خمس سنوات بين عامي 2014 و2019، بنسبة إجمالية وصلت إلى 520%، بالمقارنة بأسعار 2013، حيث زاد سعر اللتر من السولار، وهو الأكثر استخدامًا، من 90 قرشا إلى 6.75 جنيهات، بنسبة 650%.

وزاد سعر اللتر من بنزين 80 أوكتين، وهو ما يطلق عليه وقود الفقراء، من 80 قرشا للتر إلى 6.75 جنيهات، بنسبة 740%.

وزاد سعر اللتر من بنزين 92 أوكتين من 1.85 جنيه إلى 8 جنيهات، بنسبة 330%. وزاد سعر أسطوانة البوتاغاز المعدة للاستهلاك المنزلي من 8 جنيهات إلى 65 جنيها، بنسبة أكثر من 700%. 

أسعار المياه

ارتفعت أسعار مياه الشرب للمواطنين في كافة الشرائح، ولعل أهمها الشريحة الثانية والتي ارتفعت من 32 قرشا للمتر المكعب في 2013 إلى 165 قرشا في 2019، والشريحة الثالثة من 45 قرشا إلى 227 قرشا.

الكهرباء:

رفعت الحكومة أسعار الكهرباء عدة مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة، كان آخرها منتصف العام الجاري، ما فاقم الأعباء المعيشية للمواطنين.

وتراوحت الزيادات في شرائح استخدام الكهرباء المنزلية بين ثلاثة في المائة، للشريحة الاستهلاكية بين 651 إلى ألف كيلوواط شهريا، و38.8 في المائة للشريحة من صفر حتى 200 كيلوواط، وهي من بين الشرائح الأكثر استخداما في المنازل المصرية.

وتعد الشريحة الأولى الأكثر تضرراً من الزيادات المتوالية، ولا سيما أنها ارتفعت من 5 قروش في يوليو/ تموز 2013 إلى 30 قرشاً وفق الزيادة الجديدة، فيما تأتي الشريحة الرابعة في المرتبة الثانية للشرائح الأكثر تضرراً، لارتفاع سعر الاستهلاك فيها من 17.5 قرشاً إلى 82 قرشاً، بزيادة نسبتها 369%، ثم الشريحة الخامسة التي بلغت نسبة الزيادة عليها 270%، بعد أن ارتفع سعر الكيلوواط فيها من 27 قرشاً إلى 100 قرش.

أسعار النقل

ارتفعت أسعار جميع وسائل النقل منذ يوليو 2013، لكن معدل الزيادة ونسبتها تضاعف بعد قرار التعويم في نوفمبر 2016، حيث ارتفع سعر تذكرة مترو الأنفاق في البداية من جنيها واحدا لكافة المحطات إلى جنيهين، ثم لاحقا بعد التعويم تم تقسيمها إلى شرائح تبدأ من جنيهين وصولا إلى 7 جنيهات، كما تم فصل تذكرة الخط الثالث عن باقي خطوط المترو.

وفي 13 يونيو الماضي، أعلنت وزارة النقل المصرية رفع سعر تذكرة مترو الأنفاق لمستخدمي الخط الثالث، من 3 جنيهات إلى 5 جنيهات لكل 9 محطات، ومن 5 جنيهات إلى 7 جنيهات لكل 16 محطة، ومن 7 جنيهات إلى 10 جنيهات لكل 25 محطة، وذلك بالتزامن مع افتتاح المرحلة الرابعة للخط الثالث من المترو.

والشهر الماضي مهد وزير النقل كامل الوزير لزيادات جديدة في أسعار تذاكر المترو بدعوى الخسائر التي يحققها.



امتدت زيادات الأسعار إلى وسائل النقل العام، والتي شهدت أكثر من زيادة بداية من أغسطس /آب 2017، حيث تم رفع قيمة التذكرة 50 قرشًا، والثانية كانت في يونيو الماضي، حيث تم رفع تذكرة الأتوبيسات من جنيه ونصف إلى جنيهين، وخطوط أخرى من جنيهين ونصف إلى ثلاثة جنيهات، وأخرى تبلغ مسافة 40 كيلو من أربعة جنيهات إلى خمسة.

ارتفاع الأسعار

امتدت موجة الغلاء في جميع مناحي حياة المصريين، بعد تعويم الجنيه ليصل إلى غالبية السلع والخدمات تقريبا، سواء أساسية أو كمالية وذلك لأن مصر تستورد تقريبا 60% من احتياجاتها الغذائية، كما أن المواد المستوردة تدخل في مكونات كثير من السلع.

في نوفمبر 2016، رفعت الحكومة أسعار السكر رسمياً، ولم يفلت القطاع الزراعي من تداعيات التعويم، إذ واجه عدة أزمات، ومنها رفع الحكومة سعر الأسمدة بنسبة 50%، من 2000 إلى 3000 جنيه، عقب التعويم مباشرة، ثم رفعت الحكومة أسعار الأسمدة مرة أخرى بنسبة 8%، لتتفاقم معاناة المزارعين الذين تتخطى أعدادهم 15 مليونا، بحسب الإحصائيات الرسمية.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع التضخم في العام التالي للتعويم إلى معدلات تاريخية شارفت على 34%، إلا أن الحكومة أكدت بعد ذلك ومنذ العام 2018 بدء تراجع المعدل وصولا إلى 2.4 في المائة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقابل 17.5 بالمائة في نفس الشهر من العام 2018، ينما تكشف الأرقام الحقيقية التي رصدتها "العربي الجديد" ارتفاعاً كبيراً في معدل تضخم العديد من البنود الأساسية المكونة لمؤشر أسعار المستهلكين.


وبعيدا عن أرقام التضخم فإن المحصلة النهائية هي غلاء الأسعار لكل الخدمات والسلع يقابله ركود كبير لتراجع القدرة الشرائية للمصريين نظرا للأوضاع المعيشية التي يواجهونها.

معدلات الفقر
:

أدى ارتفاع الأسعار وتراجع العملة المحلية وثبات الدخل تقريبا، إلى ارتفاع معدلات الفقر في مصر، وأعلن "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" في مصر (رسمي) في يوليو 2019، ارتفاع معدل الفقر في البلاد خلال العام المالي 2017-2018 إلى 32.5 في المائة، مقابل 27.8 في المائة خلال العام المالي 2015-2016، فضلاً عن ارتفاع نسبة المواطنين القابعين تحت خط الفقر إلى 6.2 في المائة مقابل 5.3 في المائة، بما يمثل أكثر من 6 ملايين مصري.

وقال البنك الدولي في تقرير له مايو/أيار الماضي إن "30% من المصريين تحت خط الفقر، وأن 60% إما فقراء أو عرضة له كما أن عدم المساواة آخذ في الازدياد".