خلال زيارته إلى العاصمة الأميركية واشنطن في الشهر الماضي، لحضور اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين، أكد رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي تطلع القاهرة لاستمرار علاقات التعاون مع صندوق النقد الدولي، من خلال برنامج جديد، يبدأ بعد انتهاء البرنامج الحالي، الذي صاحب حصول مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار.
وقالت الصفحة الرسمية لرئاسة الوزراء المصرية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن مدبولي نقل لكريستالينا جورجييفا، المدير العام الجديد للصندوق، "تطلع مصر لاستمرار علاقات التعاون مع الصندوق خلال الفترة المقبلة، من أجل الحفاظ على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادي، من خلال برنامج جديد للتعاون يركز على تحقيق مستهدفات محددة"!
وكانت مصر قد وقعت اتفاقاً مدته ثلاث سنوات مع الصندوق، في الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، حصلت بمقتضاه على قرض بقيمة 12 مليار دولار، بعد التزامها بإصلاح ماليتها العامة، وتحرير عملتها، وتخفيض الدعم على مراحل، وصولاً إلى إلغائه التام، لخفض العجز في الميزانية وفي ميزان المدفوعات، وهو البرنامج الذي نفذته الحكومة المصرية على مدار ثلاث سنوات، تنتهي الشهر المقبل.
وفي الوقت الذي أعلن فيه الصندوق، في أكثر من مناسبة، إعجابه بـ"النجاح المذهل الذي حققه برنامج الإصلاح الاقتصادي في ظروف لم تكن سهلة"، وأشار إلى استخدامه مصر كنموذج لامع للدول التي طبقت برنامج إصلاح قوي وناجح، عانى ملايين المصريين من انخفاض حاد في قيمة ممتلكاتهم ودخولهم، بعد انهيار الجنيه المصري أمام الدولار، ووصول سعره إلى أقل من 5 سنتات أميركية، في أعقاب التعويم.
وزاد من وطأة ما تحمله المصريون خلال الفترة الماضية، ما أقدمت عليه الدولة المصرية، إرضاء لصندوق النقد الدولي، من رفع للدعم، جزئياً أو كلياً، عن الغاز والكهرباء والبنزين والماء ورغيف العيش، الأمر الذي تسبب في ارتفاع تكلفة كل شيء في مصر، بدءاً من المأكل والمشرب والملبس، إلى المواصلات والسكن والتعليم والعلاج، ومضاعفة أسعارها أضعافاً كثيرة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وتسبب ارتفاع الدين العام المصري، الذي ترتب على الحصول على قرض الصندوق، وقروض أخرى دعمها ونصح بها الصندوق، واستسلمت لها الحكومة المصرية، في ارتفاع نسبة ما تستحوذ عليه تكلفة خدمة الدين من الموازنة العامة للدولة، وهو ما ترتب عليه انخفاض المبالغ المخصصة للتعليم والصحة والبحث العلمي، في مخالفة فجة لما نص عليه الدستور المصري، الأمر الذي ترتب عليه استمرار تراجع مصر في الترتيب العالمي فيما يخص جودة التعليم والعلاج، كما مكتسبات البحث العلمي، التي يحصل عليها المواطنون.
ومع استمرار عمليات النهب للمال العام، واستشراء الفساد في ربوع مصر، وغياب أي آليات للرقابة والمحاسبة (وكأني أتحدث عن الفترات المظلمة التي عانت فيها مصر من فساد حكامها قبل عدة قرون)، اضطرت الحكومة المصرية إلى التوجه نحو بيع العديد من شركاتها، أو حصص فيها، وإلى منح امتيازات ضخمة لمستثمرين سعوديين وإماراتيين، باعتبارهما أكبر مقرضين وداعمين للنظام الحالي، في تملك واستخدام أراضٍ ومشروعات، بصورة تشوبها المجاملة، وتهدد الأمن القومي، وتجهز على ما تبقى من ثروات المصريين.
اقــرأ أيضاً
وفي الوقت الذي يحدث فيه كل ذلك، اعتبر صندوق النقد أن "ما حققته مصر في تطبيقها المتميز للإصلاحات الاقتصادية لم يكن مفيداً لها فقط، وإنما أيضاً فيما يخص مستقبل عمل الصندوق مع دول أخرى"، وهو ما يؤكد أن الصندوق يعتبر حصول مصر على قرضه، وما تبنته من إصلاحات (تحت تهديد السلاح للمواطنين)، شهادة تقدير للصندوق، لا للاقتصاد المصري، كما حاولوا إقناعنا على مدار السنوات الماضية.
تجاهل الصندوق القبضة الحديدية التي يحكم بها النظام الحالي في مصر، والتعامل غير الآدمي مع كل من يرفض أو ينتقد أو يحاول أن يفهم ما يحدث، واعتبر أن صمت المصريين دليل على نجاحه ونجاح برنامجه وسياسات الحكومة، رغم أنه يعلم جيداً أن ميادين مصر وشوارعها مغلقة أمام المحتجين، ومفتوحة فقط للمواطنين الشرفاء من عبيد الاستقرار وذوي المصالح.
أشاد الصندوق بسياسات الحكومة المصرية، ونسي أن ما بني في مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة من سجون يفوق ما بني من مدارس أو مستشفيات أو مراكز بحث علمي، وأن أحداً من الحكومة أو مجلس النواب أو أي جهاز محاسبي أو رقابي آخر لم يقدم تقييم موضوعي لما حققه برنامج الصندوق، وأن من فعل ذلك واعترض على السياسات المصاحبة من داخل مصر لقي مصيره، ومن خارجها وصف بالعمالة والخيانة.
وفي بقاع أخرى من العالم، رفضت تونس توصيات صندوق النقد فيما يتعلق بأجور موظفي القطاع العام ودعم أسعار الطاقة، وأجلت الحكومة المغربية تعويم عملتها، ودخل المعلمون في الأردن في إضراب من أجل زيادة رواتبهم، وما زالت الجزائر تقاوم رفض الصندوق لسياساتها القائمة على دعم أسعار الطاقة وخدمات التعليم والصحة، وكل ذلك بضغط من الشارع في تلك البلدان، أو مجالسها النيابية الحقيقية.
وفي أميركا اللاتينية، أفلست الأرجنتين بعد أشهر قليلة من اعتماد برنامج الإصلاح الذي قدمه لها الصندوق، وخرج مئات الآلاف في شوارع تشيلي احتجاجاً على رفع أسعار المواصلات العامة بنسبة 3% وخصخصة الخدمات الصحية وانخفاض الأجور، وسادت الاحتجاجات العنيفة في أحياء كثيرة في الإكوادور بعد قيام رئيسها بإلغاء الدعم على الوقود، كجزء من الاتفاق مع صندوق النقد. وشهدت كل من هايتي وبوليفيا مظاهرات مماثلة لأسباب مشابهة.
ويبدو أن الصندوق، الذي فشل فشلاً عظيماً في العديد من البلدان، يلجأ مرة أخرى إلى مصر، من أجل إنقاذ سمعته، وبغض النظر عن مصلحة المصريين في اللجوء إليه، أو الابتعاد عنه، اعتماداً منه على "وهم" نجاح عمليته في مصر، الأمر الذي يحتم علينا أن ننبهه إلى "حقيقة" أنه إذا كانت العملية قد نجحت، فإن المرض قد مات! فليرحموه في موته، بعد أن غابت رحمتهم في حياته.
وقالت الصفحة الرسمية لرئاسة الوزراء المصرية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن مدبولي نقل لكريستالينا جورجييفا، المدير العام الجديد للصندوق، "تطلع مصر لاستمرار علاقات التعاون مع الصندوق خلال الفترة المقبلة، من أجل الحفاظ على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادي، من خلال برنامج جديد للتعاون يركز على تحقيق مستهدفات محددة"!
وكانت مصر قد وقعت اتفاقاً مدته ثلاث سنوات مع الصندوق، في الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، حصلت بمقتضاه على قرض بقيمة 12 مليار دولار، بعد التزامها بإصلاح ماليتها العامة، وتحرير عملتها، وتخفيض الدعم على مراحل، وصولاً إلى إلغائه التام، لخفض العجز في الميزانية وفي ميزان المدفوعات، وهو البرنامج الذي نفذته الحكومة المصرية على مدار ثلاث سنوات، تنتهي الشهر المقبل.
وفي الوقت الذي أعلن فيه الصندوق، في أكثر من مناسبة، إعجابه بـ"النجاح المذهل الذي حققه برنامج الإصلاح الاقتصادي في ظروف لم تكن سهلة"، وأشار إلى استخدامه مصر كنموذج لامع للدول التي طبقت برنامج إصلاح قوي وناجح، عانى ملايين المصريين من انخفاض حاد في قيمة ممتلكاتهم ودخولهم، بعد انهيار الجنيه المصري أمام الدولار، ووصول سعره إلى أقل من 5 سنتات أميركية، في أعقاب التعويم.
وزاد من وطأة ما تحمله المصريون خلال الفترة الماضية، ما أقدمت عليه الدولة المصرية، إرضاء لصندوق النقد الدولي، من رفع للدعم، جزئياً أو كلياً، عن الغاز والكهرباء والبنزين والماء ورغيف العيش، الأمر الذي تسبب في ارتفاع تكلفة كل شيء في مصر، بدءاً من المأكل والمشرب والملبس، إلى المواصلات والسكن والتعليم والعلاج، ومضاعفة أسعارها أضعافاً كثيرة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وتسبب ارتفاع الدين العام المصري، الذي ترتب على الحصول على قرض الصندوق، وقروض أخرى دعمها ونصح بها الصندوق، واستسلمت لها الحكومة المصرية، في ارتفاع نسبة ما تستحوذ عليه تكلفة خدمة الدين من الموازنة العامة للدولة، وهو ما ترتب عليه انخفاض المبالغ المخصصة للتعليم والصحة والبحث العلمي، في مخالفة فجة لما نص عليه الدستور المصري، الأمر الذي ترتب عليه استمرار تراجع مصر في الترتيب العالمي فيما يخص جودة التعليم والعلاج، كما مكتسبات البحث العلمي، التي يحصل عليها المواطنون.
ومع استمرار عمليات النهب للمال العام، واستشراء الفساد في ربوع مصر، وغياب أي آليات للرقابة والمحاسبة (وكأني أتحدث عن الفترات المظلمة التي عانت فيها مصر من فساد حكامها قبل عدة قرون)، اضطرت الحكومة المصرية إلى التوجه نحو بيع العديد من شركاتها، أو حصص فيها، وإلى منح امتيازات ضخمة لمستثمرين سعوديين وإماراتيين، باعتبارهما أكبر مقرضين وداعمين للنظام الحالي، في تملك واستخدام أراضٍ ومشروعات، بصورة تشوبها المجاملة، وتهدد الأمن القومي، وتجهز على ما تبقى من ثروات المصريين.
وفي الوقت الذي يحدث فيه كل ذلك، اعتبر صندوق النقد أن "ما حققته مصر في تطبيقها المتميز للإصلاحات الاقتصادية لم يكن مفيداً لها فقط، وإنما أيضاً فيما يخص مستقبل عمل الصندوق مع دول أخرى"، وهو ما يؤكد أن الصندوق يعتبر حصول مصر على قرضه، وما تبنته من إصلاحات (تحت تهديد السلاح للمواطنين)، شهادة تقدير للصندوق، لا للاقتصاد المصري، كما حاولوا إقناعنا على مدار السنوات الماضية.
أشاد الصندوق بسياسات الحكومة المصرية، ونسي أن ما بني في مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة من سجون يفوق ما بني من مدارس أو مستشفيات أو مراكز بحث علمي، وأن أحداً من الحكومة أو مجلس النواب أو أي جهاز محاسبي أو رقابي آخر لم يقدم تقييم موضوعي لما حققه برنامج الصندوق، وأن من فعل ذلك واعترض على السياسات المصاحبة من داخل مصر لقي مصيره، ومن خارجها وصف بالعمالة والخيانة.
وفي بقاع أخرى من العالم، رفضت تونس توصيات صندوق النقد فيما يتعلق بأجور موظفي القطاع العام ودعم أسعار الطاقة، وأجلت الحكومة المغربية تعويم عملتها، ودخل المعلمون في الأردن في إضراب من أجل زيادة رواتبهم، وما زالت الجزائر تقاوم رفض الصندوق لسياساتها القائمة على دعم أسعار الطاقة وخدمات التعليم والصحة، وكل ذلك بضغط من الشارع في تلك البلدان، أو مجالسها النيابية الحقيقية.
وفي أميركا اللاتينية، أفلست الأرجنتين بعد أشهر قليلة من اعتماد برنامج الإصلاح الذي قدمه لها الصندوق، وخرج مئات الآلاف في شوارع تشيلي احتجاجاً على رفع أسعار المواصلات العامة بنسبة 3% وخصخصة الخدمات الصحية وانخفاض الأجور، وسادت الاحتجاجات العنيفة في أحياء كثيرة في الإكوادور بعد قيام رئيسها بإلغاء الدعم على الوقود، كجزء من الاتفاق مع صندوق النقد. وشهدت كل من هايتي وبوليفيا مظاهرات مماثلة لأسباب مشابهة.
ويبدو أن الصندوق، الذي فشل فشلاً عظيماً في العديد من البلدان، يلجأ مرة أخرى إلى مصر، من أجل إنقاذ سمعته، وبغض النظر عن مصلحة المصريين في اللجوء إليه، أو الابتعاد عنه، اعتماداً منه على "وهم" نجاح عمليته في مصر، الأمر الذي يحتم علينا أن ننبهه إلى "حقيقة" أنه إذا كانت العملية قد نجحت، فإن المرض قد مات! فليرحموه في موته، بعد أن غابت رحمتهم في حياته.