مصرف لبنان يموّل واردات القمح والأدوية والمحروقات بالدولار

01 أكتوبر 2019
محاولات للسيطرة على سعر صرف الليرة (فرانس برس)
+ الخط -
تلقف مصرف لبنان المركزي كرة الأزمة الاقتصادية والنقدية، متدخلاً للمرة الأولى منذ السير في إجراء تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار في التسعينيات، حيث أصدر قراراً الثلاثاء، يتيح تأمين الدولار لمستوردي الأدوية والمحروقات والقمح، من خلال إصدار اعتمادات مستندية عبر المصارف التجارية.

وبموازاة ذلك، أعلنت جمعية المصارف عن تعميم موجه إلى البنوك اللبنانية، يدعو للتعاون مع صغار المقترضين لتسوية قروضهم بالليرة إذا كانت مداخيلهم بالليرة، وذلك بناءً على تمنّ من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. 

وفي حين يُنظر إلى تحرك مصرف لبنان في ما يتعلق بالاعتمادات المستندية، على أنه آلية لامتصاص ارتفاع الطلب على الدولار من السوق، وعلى أنه تدخل يزيح الهلع من أسواق الصرف، ويوقف المضاربات في السوق السوداء، إلا أن هذه الخطوة جوبهت برفض من قبل تجمع مستوردي النفط، الذي انتقد عدم مشاورته قبل إصدار التعميم، معتبراً أن هذا القرار يزيد من الأكلاف على المستوردين.

فيما قالت مصادر "العربي الجديد"، إن إجراءات مصرف لبنان جاءت مشددة من ناحية التدقيق بصحة الاعتمادات وأهدافها من ناحية تأمين السلع الثلاث للاستهلاك المحلي حصراً، إضافة إلى وضع عقوبات تحد من أي تلاعب قد يحصل لقاء الدعم الدولاري للمستوردين.

وفي التفاصيل، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قراراً وسيطاً الثلاثاء، يمكّن المصارف من فتح اعتمادات مستندية مخصصة حصرا لاستيراد المشتقات النفطية (بنزين، مازوت، غاز) أو القمح أو الأدوية، والطلب من مصرف لبنان تأمين قيمة هذه الاعتمادات بالدولار على ان تتقيد بعدد من الشروط.

ونصت الشروط على أن تُفتح لكل عملية موضوع الاعتمادات المستندية حسابات خاصة لدى مصرف لبنان. وأن تودع في كل حساب خاص ولكل اعتماد مستندي على حدة، بتاريخ فتح الاعتماد 15 في المائة من قيمة الاعتماد المستندي المطلوب بالدولار، و100 في المائة من قيمة الاعتماد المستندي المطلوب بالليرة اللبنانية.

غير أنه يمكن للمصرف المعني، بتاريخ إيداعه هذه القيمة، الطلب من مصرف لبنان تحويل ما يوازي هذه القيمة إلى الدولار على أن تبقى في الحساب الخاص المودعة فيه لفترة لا تقل عن ثلاثين يوما، أو لغاية تاريخ الاستحقاق المبين في اتفاقات التمويل الموقعة مع كل عميل أو لغاية تاريخ استحقاق القبولات المصرفية، أيها أبعد.

وأيضاً، تفيد الشروط على أن تُدفع إلى مصرف لبنان عمولة قدرها 0,5 في المائة عن كل عملية. وأن تتأكد على كامل مسؤوليتها من أن الاعتمادات المستندية المشمولة في هذه المادة مخصصة، حصرا لتغطية استيراد السلع المشار اليها اعلاه بهدف الاستهلاك المحلي.

ويدفع مصرف لبنان على المبالغ المبينة في الاعتمادات المودعة في الحسابات الخاصة فائدة وفقا لجدول الفوائد المعمول به لدى مصرف لبنان. ويقوم مصرف لبنان بتأمين قيمة الاعتمادات المستندية موضوع هذه المادة بالدولار الأميركي بتاريخ الاستحقاق. ويُلزم المصرف المخالف بإيداع احتياطي خاص لا ينتج فائدة لدى مصرف لبنان وذلك بما يوازي قيمة المبالغ في الاعتمادات.

ويستورد لبنان بأكثر من مليار دولار من الأدوية سنوياً، وحوالي 4 مليارات دولار من المحروقات، إضافة إلى 130 مليون دولار من القمح، ولفتت مصادر "مصرفية" مطلعة، إلى أن هذه الواردات ليست كلها للاستهلاك المحلي، الذي يحتاج مبلغاً لا يتعدى 3.5 مليارات دولار، سيؤمنها مصرف لبنان للمستوردين.

ويتواجد في لبنان 15 مطحنة، تنتج حوالي 50 ألف طن من الطحين للأفران شهرياً، ووفق تصريح نزار شبارو، صاحب مطحنة، لـ "العربي الجديد"، يستورد لبنان قمحاً بحوالي 11 مليون دولار شهرياً، لتلبية حاجة السوق، التي شهدت زيادة في الطلب على الخبز العربي بعد ارتفاع عدد اللاجئين السوريين في لبنان، ما دفعها إلى توسعة أعمالها، وانطلاق معركة قاسية من المضاربات فيما بينها. واعتبر شبارو أن تعميم مصرف لبنان سيتيح الدولار لاستيراد القمح، ويزيل عقبة من أمام المطاحن.

من جهتها، لفتت الخبيرة النفطية دانيا عون، إلى أنه كان من المفترض أن تتم مناقشة التعميم مع تجمع شركات النفط قبل صدوره عن مصرف لبنان، وهذا ما لم يحدث، لافتة إلى أن الشركات تعترض على عدد من نقاط التعميم، التي ترفع أكلاف الاستيراد.

وفي حين قرأ عدد من المحللين الاقتصاديين تعميم مصرف لبنان، على أنه سيخلق سعرين لصرف الدولار في السوق، واحد مخصص لتصدير السلع الثلاث الأساسية، وآخر سيعتمد على سعر الصرف في السوق لتأمين استيراد السلع الأخرى، إلا أن المصرفي تنال الصباح أكد لـ "العربي الجديد"، أن مصرف لبنان سيؤمن لمستوردي الأدوية والقمح والمحروقات الدولار، في حين سيعتمد المستوردون الآخرون على المصارف التي ستبيعهم الدولار أيضاً بالسعر الرسمي.

وشرح الصباح أن عددا من الصرافين استغلوا ضعف الدولار في يد مستوردي النفط، وخلقوا بلبلة في السوق رافعين سعر الدولار إلى أكثر من 1600 ليرة. واعتبر أنه بعد تطمينات مصرف لبنان وتعميمه الأخير، عاد سعر الدولار أمس إلى 1530 ليرة (السعر الرسمي 1507 ليرات). وأضاف: "لعبة الصرافين انفضحت بعد هذا التعميم".

وقال الصباح إن لبنان لديه محنة اقتصادية، وعجزا في ميزان المدفوعات والموازنة، وفي حين أن مصرف لبنان يحاول التعامل مع هذه المحنة، لكن لا يوجد حل إلا باستفاقة الطبقة السياسية، لكي تقوم بوقف الإنفاق غير المجدي، وتحديث الإدارة وتطهيرها، وتخفيف أعبائها في الموازنة.

ورداً على سؤال حول الثروات التي كونتها المصارف منذ التسعينيات حتى اليوم، في ما يتعلق بأسعار الفائدة على سندات الخزينة وصولاً إلى الهندسات المالية التي قام بها مصرف لبنان، رد الصباح أن مردود القطاع المصرفي نسبة إلى رأسماله، لا يتعدى اليوم الـ 10 في المائة من دون احتساب المخاطر، في حين يرتفع إلى ما بين 15 إلى 20 في المائة في الدول الأخرى. أما بالنسبة إلى الهندسات المالية، فإن مردوها دخل إلى ميزانيات المصارف كأرقام فقط، بحيث لا يمكن التصرف فيها، وكانت بمثابة مساعدة لمصرف لبنان لزيادة موجوداته بالعملات الصعبة.

وأثار تعميم مصرف لبنان أيضاً حفيظة الصناعيين، وقال منير البساط، رئيس العلاقات الخارجية في جمعية الصناعيين لـ "العربي الجديد"، إن مشكلة الدولار تنعكس بنسب متفاوتة على القطاع الصناعي، ففي حين أنها لا تطاول الصناعات التي تعتمد على المواد الأولية المحلية، وفي حين أن الصناعات التصديرية قادرة على تأمين الدولار.

إلا أن المصانع التي تعتمد على المواد الأولية المستوردة تعاني من الضغوط على سعر الصرف في السوق الموازية، مع استبعاد الرجوع إلى السعر الرسمي. ولفت إلى محاولات إدخال عدد من الصناعات إلى السلع المشمولة بالتعميم، خوفاً من إغلاق المصانع.

واعتبر أنه يوجد مشكلة في عمليات الهندسات المالية والتعاميم التي تسحب السيولة من السوق، والتي توجه المصارف للاستثمار في السندات وشهادات الإيداع بدلاً من ضخها في قطاعات الإنتاج خاصة الصناعية منها.

وقال رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، لـ "العربي الجديد" إن القطاع ينتظر آثار تعميم مصرف لبنان الذي يتوقع أن تكون إيجابية، خاصة أن أخذ مصرف لبنان على عاتقه تأمين الدولار للقطاعات الثلاثة، الأدوية والقمح والمحروقات، يعني أن الطلب سيتراجع على الدولار وسيتوافر أكثر للمستوردين الآخرين.

ولفت إلى أن واردات المواد الغذائية بين 3 إلى 4 مليارات دولار، ولا تزال المصارف تؤمن الدولار للاستيراد وفق السعر الرسمي.



المساهمون