عون ومحاولة تبييض وجه النظام اللبناني

08 نوفمبر 2019
اللبنانيون تظاهروا ضد الفساد والفقر (حسين بيضون -العربي الجديد)
+ الخط -


هل كان الرئيس اللبناني ميشال عون في حاجة إلى حراك شعبي لفتح ملفات الفساد العفنة في البلاد، والإعلان عن معالجة إرث عشرات السنين من الجرائم المالية والنهب وتهريب مليارات الدولارات، وإحالة 17 ملفاً تتعلق بالفساد إلى جهات التحقيق، قائلا إنه لن يستثني أحدا من المتورطين، سواء كانوا مسؤولين سابقين أو حاليين.

وهل كان عون في حاجة إلى انتفاضة شاملة ليزيل الركام عن عشرات من قضايا الفساد الكبرى ومنها تلك التي شهدتها البلاد في الفترة من العام 2006 وحتى 2008، وتتعلق باختفاء 11 مليار دولار وقت أن كان فؤاد السنيورة وزير المالية السابق يشغل منصب رئيس الحكومة، ولا أحد يعرف مصير هذا المبلغ الضخم حتى اللحظة؟

وهل الرئيس اللبناني، الذي أهتم فجأة بقضة الفساد، كان بحاجة إلى ثورة ليتحدث عن العمل على اجتثاث هذا الداء ووضع حد للهدر والفوضى في إدارات الدولة ومؤسساتها.

إذا كان عون جاداً في فتح هذا الملف العفن، فلتتبنى حكومته والبرلمان قراراً برفع السرية عن الحسابات المصرفية لزعماء لبنان وزوجات وأسر قيادات شهيرة قيل إنها تمتلك مليارات الدولارات في البنوك حصلت عليها عن طريق الرشى والنهب وغسل الأموال والمساعدات والمنح الخارجية مقابل تبني بعض المواقف السياسية التي ربما كانت ضد الصالح العام للدولة ولصالح مصالح طائفية ضيقة.

إذا كان الرئيس اللبناني جاداً في فتح ملف الفساد، فليفتح ملف المساعدات الخليجية الضخمة التي تلقاها لبنان في فترات الثمانينيات والتسعينيات، خاصة من السعودية، وتقدر بعشرات المليارات من الدولارات، ولم تصل إلى رجل الشارع ولم تنعكس على مؤشرات الاقتصاد بل ربما تم تحويلها مباشرة إلى حسابات شخصيات نافذة في الدولة في بنوك فرنسية وسويسرية وأوروبية.

هل يجرؤ عون مثلاً على إعطاء تعليمات لمصرف لبنان المركزي لفتح الملفات المتعلقة بتورط بعض رؤساء ومدراء البنوك وقيادات أعمال بارزين في عمليات غسل أموال، وتقديم قيادات مصرفية تسهيلات بنكية لتجار أسلحة ومخدرات متورطين في جرائم مالية، أو المساعدة في تهريب أموال ومقدرات البلاد إلى الخارج طوال الثلاثين عاماً الأخيرة.

وهل يجرؤ على إلزام البنك المركزي بالكشف عن أسماء الشخصيات التي هربت أموالا ضخمة إلى الخارج عقب اندلاع الانتفاضة الشعبية الحالية؟ والكشف كذلك عن أسماء كبار التجار والمستوردين الذيت استفادوا من سياسة تثبيت سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار لسنوات طويلة؟

على الثوار اللبنانيين مواصلة الضغط على النظام الحاكم للكشف عن كل قضايا فساد النخب السياسية وجنرالات الحرب الأهلية والطائفية وإطلاق حملة حقيقية لمكافحة الفساد المستشري في لبنان، وإعادة فتح ملفات مطار بيروت الدولي والنفق الخاص بالمطار ومرفأ بيروت والكهرباء وبواخر الطاقة وفساد المحروقات والاتصالات والمستشفيات العامة والوظائف الوهمية.

مطلوب حملة مكافحة فساد حقيقية، ليس بهدف تبييض النظام الحاكم والنخبة الفاسدة، أو بهدف امتصاص غضب الشباب الثائر في الشوارع، لكن بهدف استرداد ثروات البلاد المنهوبة والتوزيع العادل للثروة القائمة.

وبعدها سيكتشف اللبنانيون أن بلادهم كانت تعوم على مليارات الدولارات، لكن هذه الأموال ذهبت لصالح طبقة قليلة ونخبة تتاجر بملف الطائفية والمحاصصة، أما بقية الشعب فترزح تحت نير الفقر والبطالة والضرائب والرسوم والأوضاع المعيشية الصعبة.
المساهمون