الاستفتاء البريطاني يهدد حي المال والإسترليني

25 فبراير 2016
يعد حي المال البريطاني من أهم المراكز المالية عالميا(Getty)
+ الخط -
يعد حي المال البريطاني واستقلالية النظام المصرفي في البلاد مربط الفرس الحقيقي في علاقة بريطانيا بأوروبا، فالبريطانيون تاريخياً لا يحبون أوروبا، ويرغبون في الاحتفاظ بتميزهم الثقافي والمصرفي بعيداً عن باريس وبرلين وغيرها من العواصم الأوروبية، لكن المصالح تحتم عليهم الارتباط بالاتحاد الأوروبي. ولذلك يرى كثيرون أن بريطانيا خارج أوروبا ستكون ضعيفة سياسياً واقتصادياً، وبالتالي ولابد لها من تقديم تنازلات للحفاظ على موقعها المؤثر عالمياً وعلاقاتها الخاصة مع واشنطن. 
ورغم معارضي الاتحاد الأوروبي من شخصيات سياسية نافذة مثل عمدة لندن، البرلماني بحزب المحافظين بوريس جونسون، يرى خبراء أن البريطانيين سيختارون في الاستفتاء الذي سيجرى في 23 يونيو/ حزيران المقبل التصويت لصالح البقاء في أوروبا. وتشير الاستفتاءات أن إحتمال التصويت ضد البقاء في أوروبا لايتجاوز نسبة 30% . ولكن هذه النسبة رغم ضآلتها تثير الفزع لدى رجالات الاستثمار.
وحتى الآن تواصل بريطانيا عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ولكنها ليست عضواً في منطقة اليورو، وبالتالي فبريطانيا تفضل استمرارها في الوحدة السياسية والدفاعية مع أوروبا، لكنها ترفض التقيد بالوحدة المالية والنقدية.
وتتركز مخاوف بريطانيا على مركزها المالي وإحتمالات تحجيم المفوضية الأوروبية لحي المال البريطاني، الذي يعد أحد أهم قطاعات النشاط الاقتصادي والمالي في بريطانيا، وبالتالي فهي ترغب في استثناء الحي المال ومصارفه من قوانين الوحدة المصرفية الأوروبية التي ستدخل قريباً حيز التطبيق.

أهم المراكز المالية

يعد حي المال البريطاني من أهم المراكز المالية في العالم، وتقدم في مرات كثيرة في التصنيفات العالمية على حي "وول ستريت" في نيويورك، رغم الثقل الكبير للاقتصاد الأميركي مقارنة بالاقتصاد البريطاني.
وحي المال الذي تبلغ مساحته ميلاً مربعاً، والواقع في منطقة "بانك" بالقرب من بنك إنجلترا " البنك المركزي" وسط لندن، يؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد البريطاني والنشاط المالي العالمي. فهو يستضيف حوالى 250 مصرفاً أجنبياً، كما يدير ثروات مالية تقدر بنحو 5.4 ترليونات دولار ويساهم بنحو 10% من الناتج المحلي البريطاني المقدر بـ 2988 مليار دولار و12% من الدخل الذي تحصله الخزينة البريطانية من الضرائب، كما يوفر ما يقرب من 400 ألف وظيفة من وظائف الدخل المتوسط والكبير للبريطانيين.
وحسب إحصائيات "سيتي يوكيه"، فإن الصفقات المالية التي ينفذها حي المال البريطاني تقدر بحوالي 2.7 ترليون دولار يومياً، وتتم يومياً المتاجرة في 70% من السندات العالمية و20% من الأسهم العالمية المسجلة في البورصة البريطانية.
وبالتالي يمكن القول إن "حي المال البريطاني" يعد إلى حد كبير دولة داخل بريطانيا، لها خصوصيتها من حيث الإجراءات والقوانين والتشريعات المالية التي تحميها. وتجد المصارف العالمية وشركات المال والاستثمار في لندن من الحرية والمرونة ما لا تجده في مدن العالم الأخرى، وبالتالي فهي تفضل البقاء في لندن. ولكن في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن هذا الموقع سيهدد، كما ستكون هنالك تداعيات أخرى على صعيد التجارة وسعر صرف الإسترليني.

وحسب محللين " هنالك مخاوف من أن تضغط دول الاتحاد الأوروبي على المصارف والشركات المالية بحي المال، من حيث فرض رسوم وضرائب على صفقاتها الأوروبية".
ولا يستبعد مصرفيون أن تنفذ أوروبا في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إجراءات تمنع المصارف والشركات المالية من تنفيذ صفقات باليورو. وهي إجراءات شبيهة بالإجراءات العقابية التي تفرضها أميركا على المصارف، حينما تحظر دولة مالياً. فأميركا مثلاً حرمت البنوك العالمية من الصفقات الدولارية وعاقبت تلك التي تعاملت بالدولار في صفقات كوبية وإيرانية خلال الأعوام الماضية. وبالتالي، فهنالك احتمال أن تنفذ أوروبا إجراءات شبيهة ضد بريطانيا.
ويلاحظ أن جزءاً كبيراً من الصفقات المالية التي تنفذها مصارف وشركات حي المال البريطاني تخص دولا في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. وبالتالي هنالك مخاطر أن يقود التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي إلى تضييق الخناق على مركز لندن المالي.
ولم يعد سراً أن فرنسا ستكون سعيدة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأن ذلك سيتيح لفرنسا هيمنتها على السياسة الأوروبية وبالتالي تقوية علاقاتها مع أميركا، بعد أن تقل أهمية بريطانيا السياسية وتفقد موقعها في أوروبا.
وفي هذا الصدد قالت صحيفة الفيغارو الفرنسية قبل يومين أن "فرنسا ستكون سعيدة بمغادرة بريطانيا لأوروبا".
أما على الصعيد الألماني، فلا يخفى على أحد أن فرانكفورت تطمع في أن تصبح المركز المالي المهم في أوروبا وتأخذ تدريجياً مكانة لندن كمركز مالي عالمي. ويعتقد الألمان أنهم يملكون الثقل الاقتصادي، كما تستضيف مدينة فرانكفورت مقر المصرف المركزي الأوروبي.

منطق الاستثنائية

تسعى بريطانيا إلى البقاء في عضوية الاتحاد الأوروبي والتمتع بالوضع الاستثنائي على الصعيد المالي والمصرفي وكذلك الاحتفاظ باستقلالية السياسات المالية وسياسات الموازنة. لكن دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا، ترى ضرورة عدم استثناء بريطانيا من السياسات المالية والمصرفية ويجب أن تكون هنالك قوانين موحدة لكل دول الاتحاد الأوروبي.
ولشرح ذلك يجب، أن نفهم الفرق بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، فالاتحاد الأوروبي هو مظلة الاتحاد السياسي والدفاعي والاقتصادي العريض بين الدول الأوروبية البالغ عددها 28 دولة.

أما منطقة اليورو، فهي منطقة الوحدة النقدية، أي العملة الأوروبية الواحدة "يورو". وهذه المنطقة تضم 19 دولة، وبريطانيا و8 دول أخرى ليست جزءاً منها. وتعكف المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي على تنفيذ إجراءات خاصة بالوحدة النقدية المثالية، والتي تعني وحدة مصرفية، أي أن تكون المصارف التجارية في دول الاتحاد الأوروبي خاضعة جميعاً لجهة اشرافية واحدة هي "البنك المركزي الأوروبي" الذي يوجد مقره في بروكسل.
وحتى الآن، تمكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال مفاوضاته يوم الجمعة الماضي في بروكسل مع المفوض الأوروبي، من الحصول على استثناء لبريطانيا في نقطتين، وهما:
الأول: إعفاء بريطانيا من تحمل نفقات إنقاذ اقتصاديات منطقة اليورو، كما حدث خلال العام الماضي في حزمة إنقاذ اليونان من الإفلاس. وتحتجّ بريطانيا في ذلك بقولها إنها ليست عضواً في اليورو.
والثاني: أن لا تستخدم مساهمة بريطانيا في البنك المركزي الأوروبي في إنقاذ عملة اليورو، حينما تتعرض لأزمات.
لكن المعارضين في البرلمان البريطاني للصفقة التي توصل إليها كاميرون مع بروكسل، وعلى رأسهم عمدة لندن، يرون أن هذه الصفقة غير كافية لحماية استقلالية النظام المصرفي والمالي البريطاني، وبالتالي يجب رفضها والتصويت ضد بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
ونبه محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، في إفاداته أمام لجنة الخزانة بالبرلمان البريطاني إلى مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بقوله "هنالك حركة ملحوظة في خروج الأموال من بريطانيا منذ إعلان الاستفتاء في يونيو/حزيران المقبل". وانخفض سعر صرف الإسترليني  أمس إلى أقل من 139 دولار في التعاملات ولأول مرة.
ومن المتوقع تواصل حالة عدم اليقين التي تسيطر على المستثمرين الأجانب في بريطانيا على سعر صرف الإسترليني خلال الشهور المقبلة حتى نهاية الاستفتاء. وحسب إفادات مسؤولي بنك إنجلترا أمام لجنة البرلمان فإن هنالك حركة ملحوظة للتحويلات من الجنيه الإسترليني إلى الفرنك السويسري واليورو والدولار الأميركي.
يذكر أن الإسترليني انخفض الثلاثاء من أعلى مستوياته البالغة 1.7165 دولار في بداية يوليو/ تموز العام 2014 إلى 1.39 دولار  ، وهو أقل مستوياته منذ 7 سنوات، لكن حالة عدم اليقين لا تنسحب فقط على الإسترليني وإنما تطاول الحركة العقارية في العاصمة التجارية، حيث تتوقف حالياً بعض الصفقات الكبرى بانتظار الاستفتاء.


اقرأ أيضا: الجنيه الإسترليني بأدنى مستوياته في سبع سنوات أمام الدولار
المساهمون