العرب فقراء بالنفط ومن دونه ... والسبب الصراعات والسلاح

26 يونيو 2014
معارك العراق أحد أسباب زيادة إنفاق العرب على السلاح
+ الخط -

 
على مدار عقود عدة مضت، انصبّ اهتمام العالم على المنطقة العربية، بسبب ثروتها من النفط، الذي يمثل محوراً مهماً في صناعة الاقتصاد العالمي، ولذلك لم يكن وجود القوى الدولية في معترك نزاعات المنطقة أمراً عبثياً، أو بلا هدف.

 
فالجميع يركز على أهمية استمرار تدفق النفط، بغض النظر على النزاعات السياسية، سواء كانت تلك النزاعات عربية – عربية، أم عربية – أجنبية. حيث تنتج المنطقة العربية 32% من النفط العالمي، ولديها احتياطيات نفطية تمثل 56% من الاحتياطيات العالمية، وذلك حسب بيانات عام 2012 التي أدرجها التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2013.

 

كما يذكر نفس التقرير أن الإنتاج العربي من الغاز يمثل 17.1% من الإنتاج العالمي، ولدى المنطقة العربية نسبة 24.7% من اجمالي الاحتياطيات العالمية من الغاز، وذلك وفقاً لبيانات عام 2012.

 

وفي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، شهدت المنطقة العربية بداية النزاعات البينية، وبين العراق وإيران، مما جعل بعض الباحثين العرب، يكتب عن الواقع العربي المأزوم تحت عناوين مختلفة منها: "النفط العربي... نعمة أم نقمة" و "فقراء بالنفط وبغيره".

 

ولم تأت تلك الكتابات من فراغ، ولكنها أتت من خلال قراءة لواقع التنمية في العالم العربي، فإيرادات النفط تتدفق من هنا وهناك، ولكن بقيت جميع الدول العربية، وعلى رأسها الدول النفطية، سواء الخليجية أم غير الخليجية، في تصنيف الدول النامية.

 

كما أن مشكلات العالم العربي من بطالة وفقر في ازدياد على الرغم من الزيادة المتحققة في عوائد النفط، نظراً لارتفاع أسعاره بالسوق الدولية، فمعدل البطالة في المنطقة العربية بحدود 20 %، كما أن البطالة بين الشباب العربي تفوق نسبة الـ40%، وهي من أعلى معدلات البطالة بين أقاليم العالم.

 

 كما أن الفشل الذي مُني به مشروع التعاون أو التكامل الاقتصادي العربي، برهن على أن عوائد النفط كانت مع غيرها من العوامل التي لم تؤدّ إلى إنجاز حلم التعاون أو التكامل الاقتصادي العربي.

 

تاريخ من النزاعات

 

إلا أن الأمر الأبرز في أداء الدول العربية أن نزاعاتها البينية، أو مع إيران، ساهمت بدور كبير في إهدار عوائد النفط، حيث توجهت نسبة كبيرة من العوائد النفطية إلى شراء السلاح، فمشتريات دول الخليج فقط خلال الفترة 2002 – 2012، تقدر بنحو 700 مليار دولار، أي أن متوسط الشراء السنوي يصل إلى نحو 70 مليار دولار.

 

وإذا أضفنا مشتريات الدول النفطية غير الخليجية مثل ليبيا والجزائر، فسنصل إلى أرقام أعلى من ذلك. ومنذ مغامرات القذافي في الحروب مع دول الجوار، ثم الحرب الإيرانية العراقية (1979 – 1989)، ثم حرب الخليج الثانية 1991، ثم الثالثة 2003، ومشتريات المنطقة من السلاح لا تنقطع.

 

ناهيك عن تكلفة القواعد العسكرية التي أنشئت في دول الخليج، في إطار اتفاقيات أمنية بين تلك الدول وأميركا، وهي تكلفة لا تعرف على وجه الدقة، إلا أن مصدر تمويلها الوحيد هو النفط الخليجي.

 

كما أن النزاع الجزائريّ - المغربيّ - الماليّ، يلقي بدوره على توجيه إنفاق لا بأس به من قبل الجزائر على التسليح، ومن هنا نجد أنه لا توجد دولة نفطية في المنطقة العربية، سواء كانت خليجية أم غير خليجية، إلا متورطة في نزاع مسلح، أو على الأقل يستهلك الإنفاق على التسليح جزءاً لا يستهان به من إيراداتها النفطية.

 

وحسب بيانات معهد استكهولم الدولي لدراسات السلام، فإن حجم إنفاق إيران على التسليح بلغ نسبة 1.8 % من ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2012، بما يعادل 6.2 مليار دولار. وهنا لابد من أن نأخذ تكلفة أخرى للتسليح في إيران لم تدرج في هذه التكلفة، وهي التصنيع المحلي للسلاح في إيران، سواء تمثل في إنتاج الصواريخ أم غيرها من أسلحة تقليدية، وهو ما فشلت فيه دول الخليج وغيرها من الدول العربية على مدار السنوات الماضية. ناهيك عن الإنفاق على برنامج إيران النووي.

 

الإيرادات النفطية

بعيداً عن تقديرات الفورة النفطية الأولى والثانية، التي مثلت نواة الثروات العربية، إلا أن الإحصاءات الحديثة المتوفرة، عبر أرقام رسمية، من خلال التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2013، تبين أن عوائد الصادرات النفطية العربية على مدار الفترة 2008 – 2012 وصلت إلى نحو 2.9 تريليون دولار.

 

حيث كانت قيمة الصادرات النفطية العربية في عام 2008 نحو 623 مليار دولار، وتراجعت قيمة هذه الصادرات في عامي 2009 و2010 بسبب التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية، حيث كانت الحصيلة في العامين على التوالي 369 مليار دولار و471 مليار دولار، إلا أن عام 2011 عاود تحقيق حصيلة مرتفع للصادرات النفطية العربية بقيمة 667 مليار دولار، وكذلك عام 2012 بلغت هذه الحصيلة 719 مليار دولار.

 

وإذا ما تحدثنا عن إيران، فإن إيراداتها النفطية كانت في عام 2011 نحو 70 مليار دولار، وانخفضت إلى نحو 44 مليار دولار في عام 2012 بسبب العقوبات الاقتصادية، إلا أن تطورات المفاوضات بين إيران والاتحاد الأوروبي والمعروفة بـ (5+1)، أدت إلى عودة الصادرات النفطية الإيرانية لمسارها الطبيعي، ومن المتوقع أن تعاود إيران تحقيق إيراداتها النفطية بنهاية عام 2014 لما كان عليه الوضع في عام 2011.

 

مزيد من النزاعات

 

يلقي عام 2014، بظلال كئيبة على النزاعات العربية، سواء في شكل نزاعات داخلية، أم تحسبات لنشوب نزاعات بينية، ففي ليبيا وسورية والعراق ولبنان، هناك نزاعات محلية تتورط فيها قوى إقليمية، وهو ما سمّاه البعض "الحرب بالوكالة".

 

فالدعم الإيراني في سورية ولبنان، ومؤخراً في العراق، لا يخفى على أحد، كما أن دور السعودية والإمارات في دعم المعارضة السورية وكذلك الجيش الحكومي في لبنان، معلن ومعروف أيضاً. إلا أن أحداث العراق التي تكثفت خلال الأيام الماضية، أعادت إلى الأذهان الصراع الإيراني الخليجي في المنطقة بشكل مكشوف.

 

فثمة تخوفات خليجية من أن تمتد إليها الثورات العربية، أو الواقع العراقي الجديد، وكذلك إيران تخشي من تغير المعادلة في العراق لتنقلب ضدها، ولذلك الحضور الإيراني الخليجي، بشكل مباشر أو غير مباشر سوف يزيد من الإنفاق على التسليح، مما يعني مزيداً من تبديد الموارد النفطية العائدة للطرفين.

 

تحسّر المواطن

في ظل تلك السيناريوهات السلبية للإنفاق على التسلح من أجل إدارة نزاعات محلية، أو بين الدول العربية وبعضها البعض، أو بين بعض الدول العربية وإيران، نجد أن مواطن تلك الدول لا يزال يلهث وراء سراب تحسّن الأوضاع الاقتصادية.

 

فبعد ثماني سنوات عجاف على المواطن الإيراني الذي تجرع البطالة ومعدلات تضخم ناهزت معدل 40% في عهد أحمدي نجاد، تطلع ذلك المواطن إلى وضع اقتصادي أفضل بعد عقد مفاوضات (5+1)، إلا أن أحداث العراق الأخيرة، من شأنها أن تقلب المعادلة الإقليمية في التصور الإيراني، بالعراق وسورية، مما يعني أن توريط إيران في العراق، يفقد مواطنيها الأمل في تحسن ظروفهم الاقتصادية، التي كانوا يتوقعونها بزيادة العوائد النفطية خلال الفترة القادمة.

 

ولا يعدّ المواطن السعودي وأشقاءَه في الدول الخليجية بمنأى من الوضع الإيراني، فالسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، تصل تقديرات الفقر بها لنحو 30%، وكذلك التضخم الذي يلهب ظهور المواطنين بباقي دول الخليج، فضلاً عن بقاء معدلات البطالة مرتفعة.

 

إن تحذيرات المؤسسات الدولية لدولة الإمارات العربية حول مخاوف تجدد أزمتها المالية التي وقعت في عام 2009، تشير إلى هشاشة التجربة التنموية هناك، لاعتمادها على قطاع واحد هو القطاع العقاري، مما يدلل على أن مشروعات واستراتيجيات التنوع الاقتصادي التي أعلن عن تبنيها من قبل دول مجلس التعاون الخليجي منذ التسعينات لم تؤت ثمارها بعد.

 

مستقبل مظلم

لا تلوح في الأفق أية بادرة لتوقف النزاعات الداخلية للدول العربية في الأجل القصير، كما أن تدخل الدول الإقليمية، تركيا وإيران، فيما يسمى بـ"الحرب بالوكالة" لا يزال قائماً، على قدم وساق.

 

كما أن القوى الدولية، تراقب الموقف وتديره في إطار استفادتها من توريد السلاح لدول المنطقة، وكذلك استمرار معادلة تبديد عوائد النفط، أو إعادته مرة أخرى ليستثمر في خارج المنطقة، لتستفيد من ثماره الدول المستوردة للنفط، سواء كانت هذه الدول غربية، أم آسيوية، أم أميركا.


إن الترسيخ لبناء ديكتاتوريات جديدة في دول الربيع العربي، أو دعم ما هو قائم من ديكتاتوريات في باقي الدول العربية الأخرى، من شأنه أن يغيب المساءلة من قبل البرلمان، ويوجِد شعوراً بضرورة وقف هذه النزاعات وحلها في إطار سلمي، لكي ينعم المواطن العربي بعوائد النفط، ويشعر بأن نفط المنطقة نعمة لا نقمة.

 

دلالات
المساهمون