الفوضى السياسية تضرب الإسترليني

06 يوليو 2016
بريطانيون يحتجون رفضا للخروج من الاتحاد الأوروبي (Getty)
+ الخط -
إلى أين يتجه الإسترليني؟ سؤال مهم يشغل بال المستثمرين في أنحاء العالم، خاصة المستثمرين العرب الذين استثمروا بكثافة خلال السنوات المقبلة في بريطانيا. رغم كل التهويل والتخويف، الذي سبق الاستفتاء، والذي قدر مستويات دنيا للإسترليني، وربما حدوث كارثة اقتصادية عالمية، في حال التصويت لصالح الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي، فإن ما حدث كان متواضعاً مقارنة بالتقديرات.
التوقعات المتشائمة لم يتحقق منها الكثير حتى الآن، رغم بقاء المخاطر على الاقتصاد العالمي والأوروبي ومستقبل الإسترليني. وحسب الآراء التي اطلعت "العربي الجديد" عليها، فإن معظم المتعاملين والخبراء في سوق الصرف العالمي، يستبعدون انخفاض الإسترليني إلى أقل من 1.20، ناهيك عن مستويات 1.15 دولار، خلال الصيف الجاري. ويلاحظ أن التوقعات السالبة التي أدلى بها محافظ المركزي البريطاني مارك كارني حول الصعوبات التي تواجه الاقتصاد البريطاني قد أدت إلى إنخفاض الاسترليني أمس إلى أقل من 1.30دولاراً لأول مرة منذ الاستفتاء المشؤوم الذي أخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 
وكان محافظ بنك إنكلترا المركزي، مارك كارني، قد قال يوم الخميس إن الآفاق الاقتصادية تدهورت ومن المرجح أن يضطر البنك إلى اتخاذ المزيد من إجراءات التحفيز خلال الصيف الجاري. وتوقع خبراء أن يدخل الاقتصاد البريطاني مرحلة من الركود خلال العام الجاري، رغم الإجراءات العديدة التي يتخذها بنك إنكلترا في الوقت الراهن لمساعدة النمو الاقتصادي، ودعم الإسترليني واستقرار السياسات النقدية.
وفي هذا الصدد، قال النائب السابق لمحافظ بنك إنكلترا، البنك المركزي البريطاني، جون غييف في تصريحات تلفزيونية، أن الخطوات التي اتخذها بنك إنكلترا حتى الآن ساهمت إلى حد ما في استقرار الإسترليني. وكان بنك إنكلترا قد خفض كفاية رأس المال للبنوك البريطانية، كما أعلن عن نيته خفض نسبة الفائدة خلال الشهور المقبلة.
ويقول نائب محافظ البنك المركزي البريطاني السابق، أن البنوك التجارية البريطانية لديها سيولة كافية ومستقرة، ولديها رساميل الآن أفضل من عام أزمة المال في العام 2008. وأشار في هذا الصدد إلى المخاوف التي تنتاب السوق من نقص في حجم الإقراض المقدم للأعمال التجارية.
ورأى غييف، في تعليقات تلفزيونية أمس، أن مشكلة الإسترليني حالياً تتلخص في حال عدم اليقين السياسي، وهو ما يدفع المستثمرين الأجانب إلى التردد في دخول السوق، ويؤثر حقيقة في سعر صرف الإسترليني. ويذكر أن المستثمر العالمي والملياردير، جورج سورس، قد توقع أن ينخفض الإسترليني في حال التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي إلى 1.15 دولار، فيما توقع متشائمون آخرون أن ينخفض الإسترليني إلى أقل من 1.10 دولار. ولكن، وحسب خبراء، فإن انخفاض سعر صرف الإسترليني بنسبة 10%، يعد ممتازاً مقارنة بالمخاطر والتوقعات السابقة. ويرى العديد من الخبراء أن الإسترليني حافظ، حتى الآن، على مستويات معقولة في ظل الاضطراب السياسي وشبه الفراغ، الذي تركته استقالة ديفيد كاميرون والفوضى التي ضربت بأطنابها في الأحزاب السياسية، وتنصل الساسة من مسؤولياتهم في لحظات حرجة تمر بها بريطانيا.

ويعد انخفاض سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، سلاحاً ذا حدين، فهو يلعب دوراً إيجابياً بالنسبة للصادرات وبالنسبة للمستثمرين الأجانب، الذين يشترون موجودات بريطانية، حيث سيجدون هذه الموجودات أصبحت رخيصة بنسبة 10 % على الأقل قبل الاستفتاء البريطاني الذي أخرج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي. أما على الصعيد السلبي، فإن هبوط الإسترليني واحتمالات هبوطه إلى أدنى من مستواه الحالي، فهو مضر بالنسبة إلى القوى الشرائية للمواطنين البريطانيين الذين يرغبون في قضاء الإجازات والسفر خارج بريطانيا في هذا الصيف، حيث أنهم سيجدون أسعار الإيجارات والخدمات والطعام في الدول الأوروبية أو الدول التي تتعامل بالدولار، أغلى مما كانت عليه قبل الاستفتاء، كما أن المتسوقين في الأسواق البريطانية، سيجدون أسعار البضائع المستوردة التي يشترونها في المتاجر البريطانية، أغلى مما كانت عليه قبل الاستفتاء.
أما بالنسبة للمستثمرين العرب، الذين استثمروا بكثافة في العقارات البريطانية، خاصة المستثمرين الأفراد الذين يرغب بعضهم في بيع مسكنه البريطاني، وبقية المستثمرين الأجانب، فإن هبوط سعر صرف الإسترليني سيمنعهم من بيع موجوداتهم البريطانية، لأنه سيعني عملياً خسارتهم بنسبة 10%، وهي نسبة هبوط العملة البريطانية، منذ ظهور نتيجة الاستفتاء. كما أن عدم استقرار العملة البريطانية وتفاعلات عدم اليقين سيعني، عملياً، تردد المستثمرين الأجانب في دخول السوق البريطانية في الوقت الراهن. ويرى خبراء أن جفاف التدفقات الاستثمارية في الوقت الراهن سيضر تدريجياً بالنمو الاقتصادي البريطاني وسيقلل من جاذبية سندات الخزينة البريطانية.
وهبط الاسترليني 1.5% إلى 1.2798 دولار في الاسواق الآسيوية قبل أن يتعافى إلى 1.2833 دولار في التعاملات الصباحية.
ويعد الإسترليني من العملات القوية، والتي حافظت على الاستقرار، مقارنة باليورو وحتى الدولار طوال العقود الماضية، وهو ما أدى عملياً إلى أن تصبح عملة الملاذ الآمن في أوروبا، إلى جانب الفرنك السويسري. وحسب خبراء، فإن جميع الأزمات، التي مر بها اليورو واقتصادات منطقة اليورو، انتهت إلى زيادة التدفقات في حي المال البريطاني. وذلك ابتداء من أزمة ديون اليورو إلى أزمة اليونان، التي استمرت حتى العام الماضي. وكلمة الإسترليني مشتقة من الكلمة الألمانية "ستير ـ Ster"، والتي تعني بالألمانية القوة والثبات. وقد حافظ الإسترليني على قوته طوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر وحتى العقود الأولى من القرن العشرين، وكان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى يساوي 5 دولارات. وهو في ذلك الوقت كان عملة الاحتياط العالمية والعملة الأقوى، مستفيداً من قوة الإمبراطورية البريطانية الممتدة في 20% من دول العالم. ولكنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية أزيح من مكانته العالمية بواسطة الدولار، حيث ورثت أميركا عملياً الإمبراطورية البريطانية، وأصبح الدولار عملة الاحتياط العالمية.
ورغم حلول الدولار مكان الجنيه الإسترليني، وتقلص حجم الاقتصاد البريطاني مع تقلص الإمبراطورية، إلا أن وهج الإسترليني لم ينطفئ حتى في لحظات اضطراب الاقتصاد العالمي. وهذه هي المرة الأولى التي يهبط فيها الإسترليني بنسبة 10 % في ظرف أسبوع واحد منذ أكثر من ثلاثة عقود. وفي أولى بوادر متاعب الاقتصاد البريطاني، أظهر مسح نشرت نتائجه أمس أن حالة الضبابية التي سبقت الاستفتاء أدت إلى تباطؤ نمو قطاع الخدمات في يونيو/حزيران الماضي إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات.

المساهمون