استمع إلى الملخص
- تحول الدعم من سلعي إلى مالي يقابل بقلق بين المواطنين حول تأثيره على الاحتياجات الأساسية والخدمات، ومخاوف من زيادة الأعباء المالية وتعقيد الوصول للدعم بسبب نقص البنية التحتية المصرفية.
- وجهات نظر متباينة بين وزيري التجارة الداخلية والمالية حول خطة الدعم المالي، بين التحذير من تضخم جامح والتأكيد على ضرورة إعادة هيكلة الدعم لتوجيهه لمستحقيه وتخفيف عجز الموازنة.
أثار القرار الذي صدر عن رئيس مجلس الوزراء في حكومة النظام السوري، في 25 من الشهر الماضي، والذي طلب فيه من جميع المواطنين المستفيدين من الدعم ضرورة فتح حسابات لهم في المصارف العامة أو الخاصة خلال ثلاثة أشهر ليتم تحويل مبالغ الدعم المالي في سورية إليها، والذي اتبعه باجراء آخر كلف فيه المصارف العامة والخاصة بتمديد الدوام ليتم تسجيل أكبر عدد ممكن من الحسابات، الكثير من الأسئلة لدى المواطنين المتخوفين من أن يكون هذا القرار مقدمة لرفع الدعم عنهم نهائيا، في ظل غياب المنهجية الواضحة التي ستقوم الحكومة من خلالها بتقدير قيمة الدعم وطريقة توزيعه، بالإضافة إلى عدم التأكد من إمكانية فتح ملايين الحسابات خلال هذه الفترة.
وما أن أعلنت حكومة النظام توجهها الرسمي لاعتماد طريقة الدعم المالي بدل السلعي حتى ثارت عاصفة من الأسئلة لدى الشارع السوري، بدأت بالاستفسار عن كيفية تقدير هذا الدعم وكيفية حسابه (موظف أو متقاعد)، وهل سيراعى فيه حجم التضخم المالي الذي يزداد يوما بعد يوم بحيث يضمن المستفيد ألا يتآكل الدعم بعد سنوات قليلة، وهل سيشمل الدعم المالي المواد الغذائية الأساسية (رز سكر وخبز)، أم سيطاول أيضاً المشتقات النفطية (مازوت وبنزين وغاز وطاقة كهربائية)، وهل سيتجاوز هذه الحدود ليصل لخدمات النقل العام والطبابة والتعليم؟
وتعالت التساؤلات أيضاً عما إذا كان الدعم المالي المباشر سيحقق العدالة الاجتماعية ويحسب على عدد أفراد الأسرة أو حجم راتب المستفيد، وهل سيكون الدعم كاملا أم جزئيا أم أنه سيتلاشى تدريجيا، وهل هنالك منظومة لوجستية مهنية أساسا من حيث عدد الصرافات الآلية لتلبية احتياجات ما يقارب الخمسة ملايين مستفيد من الدعم، حيث إن العدد الواجب توفره من الصرافات يجب أن يكون بالآلاف موزعة في كافة المدن وتعمل بطاقتها القصوى، الأمر الذي يعيقه خروج عدد كبير منها عن الخدمة بسبب الأعطال شبه الدائمة أو عدم وجود طاقة كهربائية مشغلة لها.
وتباينت ردود فعل الشارع السوري على تبني الحكومة هذه الطريقة في توزيع الدعم، ولكن من الواضح أن المزاج العام ليس مرتاحا لها، وينظر بقلق لما قد تحمله من عواقب سيئة. وقال مجيد، وهو اسم مستعار لموظف حكومي فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد: "منذ الصباح أبحث عن صراف حتى أقبض راتب شهر. جئت من منطقة ريفية قريبة من دمشق كلفتني أربعة آلاف ليرة". وأضاف: "لو كان الصراف في منطقتي قيد العمل لوفرت هذا المبلغ لعائلتي. الصرافات ليست كافية أصلا في الضواحي القريبة من مركز المدينة، فكيف سيكون الحال في ظل اعتماد هذا الأسلوب الذي سيزيد عدد المتعاملين مع الصرافات. أنا متأكد من أننا سنشاهد طوابير طويلة في كل الأماكن قريباً".
أما مروان، وهو طالب جامعي يدرس العلوم المصرفية، فيرى أن الأمر فيه تحايل ورغبة في سلب المواطن ماله، موضحاً أن "دفع الدعم المالي في سورية بهذه الطريقة وبهذه الظروف يعني طريقة جديدة للحصول على المال من جيب المواطن بشكل تعسفي"، وأشار إلى أن "هناك آلاف الحسابات المالية التي ستفتح الآن وسيتم تحويل المال إليها، وفتح الحساب الواحد يكلف مالا، وهم سيتقاضون مجموع هذه المبالغ مرة واحدة خلال الأشهر الثلاثة القادمة، ولاحقاً ستأخذ الدولة عمولات على كل حركة مالية يقوم بها المواطن وبالتالي المزيد من الأموال وبشكل مستمر".
ومن جملة الآراء الرافضة كان لافتاً موقف وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق عمرو سالم، الذي كان أول من تحدث عن خطة الدولة في اعتماد الدعم المالي بدل السلعي منذ سنوات، حيث نبه في كتابات له على صفحته على الفيسبوك من أن هذه الخطة تعني "تضخما جامحا، وفوضى وكارثة اقتصادية واجتماعية، سيكون إصلاحها شبه مستحيل". وأضاف أن المشروع الأصلي للدعم النقدي ينص على "وضع مبلغ يعوض عن فرق السعر بشكل كامل ويوضع على البطاقة، ولا يمكن صرفه نقداً"، كما تمنى أن يشرح "وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أو السيد رئيس مجلس الوزراء المشروع المعتمد تفصيلياَ على التلفزيون وليس وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، لأن هذه الحسابات ليست من اختصاصه".
وأوضح أن "تأخر المواطنين بالحصول على الدعم النقدي بسبب تأجيل السحب النقدي كل عدة شهور لتجنب ضياع الوقت من زيادة الازدحام الشديد بالمصارف والصرافات سيؤدي لتراكم مليارات الليرات لتستفيد منها المصارف".
أين وزارة المالية؟
وفي زحمة الآراء المتضاربة، والتي تحاول بشكل أو بآخر اطلاق ما يهدئ الشارع السوري، تحدث وزير المالية في حكومة النظام كنان ياغي متأخرا لصحيفة الاقتصادية السورية في الثلاثين من الشهر الفائت قائلاً: "يجب أن يتمثل الهدف الحقيقي من إعادة هيكلة الدعم بتوجيهه لمستحقيه وتحقيق العدالة ودعم الشرائح الأكثر احتياجاً، إضافة إلى تخفيف عجز الموازنة العامة ودعم الإنتاج وتحسين القدرة الشرائية، وبالتالي لا بد من البحث عن آليات جديدة وعادلة لإيصال الدعم لمستحقيه، إذ أصبح الدعم بشكله الحالي يشكل خطراً على الموازنة العامة للدولة، فكلفة ربطة الخبز اليوم تصل إلى 8500 ليرة بسبب رفع سعر كيلوغرام القمح المستلم من الفلاح إلى 5500 ليرة، فيما وصل دعم الكهرباء إلى قرابة 17 تريليونا، وهي خارج الموازنة".