تشكيك في أرقام المجلس العسكري السوداني

19 اغسطس 2019
إنجازات تأمين الوقود والخبز تتنافى مع الواقع(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
استبق المجلس العسكري الانتقالي السوداني قرار انتهاء حكمه بالتزامن مع تسلّم رئيس الوزراء الجديد موقعه، غداً الثلاثاء، بوثيقة "جردة حساب" للإجراءات الاقتصادية التي قام بها خلال الفترة الماضية ومنذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير.

ووصف خبراء اقتصاد تقرير المجلس العسكري بأنه غير واقعي، باعتبار أن فترة حكم المجلس لم تشهد تحسناً في أوضاع المواطنين المعيشية بل تدهورت مؤشرات الاقتصاد، وسط ارتفاع أسعار جميع المستلزمات المعيشية. في حين اعتبر البعض أن تقاطعات "الدولة العميقة" حدت كثيراً من تنفيذ بعض الإجراءات.

وأشار تقرير اللجنة الاقتصادية التابعة للمجلس العسكري الانتقالي، إلى توفير خمس بواخر غازولين وباخرتي بنزين وثلاث بواخر غاز طبخ بالإضافة إلى باخرتي مازوت للكهرباء، وذلك في الفترة من الثالث عشر من إبريل/ نيسان الماضي وحتى السابع عشر من أغسطس/ آب.

ووصف التقرير ما قامت به اللجنة الاقتصادية إنجازاً، نظراً للتحديات التي كانت تقف عائقا أمامها. وبين التقرير سداد مبلغ 57.5 مليون دولار للتجهيز للصيانة وشراء قطع الغيار اللازمة لمصفاة النفط، وسداد نسبة من مخصصات الأدوية في الإمدادات الطبية منذ إبريل بحوالي 39 في المائة وارتفعت إلى 88 في المائة في أغسطس الحالي، كما تم توفير كامل الاحتياجات من المحاليل الوريدية والخاصة بأمراض الدم وغسيل الكلي والمحاليل المنقذة للحياة.

وأشار التقرير إلى سداد ديون شركات الأدوية بقيمة 32 مليون يورو التي كانت متراكمة منذ العام 2016، وبعدها واصلت الشركات التوريد وتوفير الأدوية.

إلا أن الخبير الاقتصادي محمد التوم قال لـ"العربي الجديد"، إنه وفقا للمعطيات فإن الذي قامت به اللجنة قليل مقارنة بحجم الأموال التي تدفقت من بعض الدول في شكل معونات وأخرى دخلت إلى البنك المركزي. وأضاف أنه كان على اللجنة أن تشير إلى مصادر تلك الأموال.

واعتبر الناشط السياسي معتز الجبير في حديث مع "العربي الجديد"، أن تقرير المجلس العسكري يتعارض مع الواقع الذي يعيشه المواطن من غلاء أسعار وانعدام وقود وكهرباء، في حين أن وزارة المالية تقول إنها ظلت تصرف من بنود موازنتها على كل الخدمات، ومن بينها الوقود والأدوية.

وطالب الجبير بتقرير يرقى إلى الحقيقة، خاصة أن معظم أعضاء المجلس العسكري هم الآن في سدة الفترة الانتقالية، ما يتطلب تقارير شفافة في ظل حساسية المرحلة المقبلة. وأضاف "الذي نريده هو إحصاء بمعلومات حقيقية وليس أرقاماً عامة. كما أن هنالك حلقات كثيرة مفقودة، مثل الصرف على البنى التحتية ودقيق الخبز ورحلات السفر التي قام بها أعضاء المجلس العسكري إلى عدد من الدول".

ولفت إلى "افتقاد التقرير إلى الأموال التي تم الحصول عليها بعد محاولات تهريبها إلى دول الجوار أو تلك التي تعود إلى مسؤولين سابقين وتم حجزها، خاصة التي وجدت بمنزل الرئيس المخلوع عمر البشير".

وقال الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي إن الاقتصاد السوداني يعد الوحيد في العالم الذي تم استنزافه بحروب وسياسات خاطئة منذ العام 1955 وأدخلت طوال الأعوام الماضية أنماط جديدة لإدارة الاقتصاد لا تفيد الشعب السوداني، وأضاف "لا نريد تقارير معممة كما في السابق. تكرار التجربة السابقة غير محمود".

وشرح أن إدخال سياسة تحرير الاقتصاد نفذها قليلو المعرفة بالاقتصاد ظلوا يتحكمون فيه بأفكار خاطئة تم من خلالها تفكيك البنى التحتية وحل نحو 254 مشروعاً مع الاستغناء عن شركات منتجة بحجة تحرير الاقتصاد.

واقترح الدكتور إبراهيم أحمد البدوي، وهو مرشح محتمل لتولى حقيبة المالية، برنامجاً تنموياً عشرياً في الفترة بين عامي 2020 و2030. واشتمل برنامجه الذي دفع به إلى المسؤولين على ثلاثة محاور متلاحقة، تتمثل في برنامج المائتي يوم الإسعافي لتثبيت الاقتصاد الكلي وإعادة هيكلة الموازنة وملاحقة الفساد وتصفية التراكم الرأسمالي غير الشرعي لحقبة "حكومة الإنقاذ" في إطار النظم القانونية المرعية، واعتماد الخطة الاقتصادية العشرية للنمو المستدام والتحولات الهيكلية للاقتصاد، بجانب الاستراتيجية العشرية لمكافحة الفقر وتحقيق أهداف التنمية الأممية المستدامة.

ويهدف البرنامج المنشود، كما يقول البدوي، إلى تحقيق نمو سريع ومستدام في إطار برنامج محكم للتحول الهيكلي للاقتصاد يساهم في بناء السلام وتوفير الفرص المتكافئة للتحرر من ربقة الفقر والتهميش.

وطالب البدوي باعتماد متوسط نمو سنوي خلال العشرية الأولى بمعدل 10 في المائة، وهو ما يؤدي إلى مضاعفة حجم الناتج المحلي بما يقارب ثلاث مرات وبما يمكن من خفض نسبة الفقر بحوالي 70 في المائة وإنجاز معظم أهداف التنمية الأممية المستدامة الأخرى بحلول العام 2030، وإحداث تحولات هيكلية عميقة لتحديث الاقتصاد السوداني تستند إلى عمالة شابة عالية الإنتاجية، ذات أقطاب نمو متعددة قطاعياً وجغرافياً، فضلاً عن مقابلة التحديات المتعلقة بتصميمه وتمويله وإنفاذه.

ويشدد البدوي على ضرورة إزالة التشوهات الاقتصادية المرتبطة بتعاظم الاحتكار والتربح غير المشروع وغيرها من الممارسات الفاسدة التي أثقلت كاهل الاقتصاد وعطلت قدرته الكامنة على النمو.
المساهمون