كيف تردّ بكين على حرب ترامب المرتقبة؟

19 يوليو 2024
ترامب ونائب الرئيس الصيني في البيت الأبيض/ 4 إبريل 2019 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **التعريفات الجمركية وتأثيرها على الاقتصاد الصيني**: تراهن بكين على تأثير سياسات ترامب الاقتصادية والخارجية على التحالف الغربي. دراسة مصرف يو بي أس تشير إلى أن التعريفات الجمركية قد تخفض معدل النمو السنوي للصين بأكثر من النصف. الصين قد تلجأ إلى استراتيجيات انتقامية تستهدف الصناعات ذات الأهمية السياسية لترامب.

- **السياسات الخارجية وتأثيرها على التحالف الغربي**: تعهد ترامب بوقف الحرب الأوكرانية وسحب الدعم المالي والعسكري، وفرض تعريفة جمركية على الواردات من أوروبا، مما قد يؤدي إلى إضعاف التحالف الغربي، وهو ما يصب في مصلحة بكين.

- **تايوان وسياسة الصين الواحدة**: ترامب أشار إلى أن تايوان يجب أن تدفع للولايات المتحدة مقابل الدفاع عنها، مما يثير تساؤلات حول دعم واشنطن للجزيرة. قد تضغط إدارة ترامب على تحويل شركات صناعة الرقائق المتقدمة من تايوان إلى الولايات المتحدة.

تراهن بكين على ارتدادات سياسات المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب الاقتصادية والخارجية على التحالف الغربي، خاصة على أوروبا وتايوان ودول جنوب شرقي آسيا التي تعتمد على الولايات المتحدة في حمايتها العسكرية وتربطها علاقات قوية بالاقتصاد الأميركي وتجارته الخارجية، لكنها تتخوف من احتمال حدوث تقارب بين واشنطن وموسكو خلال فترة رئاسته، كما تقلق من الخسائر التي تسببها التعريفة الجمركية للتجارة الصينية والنمو الاقتصادي.

ويرى مصرف يو بي أس السويسري في دراسة نشرت يوم 16 يوليو/ تموز الجاري، أن من شأن التعريفات الجمركية الجديدة التي ينوي ترامب تطبيقها على صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم أن تؤدي إلى انخفاض معدل النمو السنوي للصين بأكثر من النصف، ما يسلط الضوء على المخاطر التي تواجه بكين إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض.

وفي التقييم الصيني الحالي، وفق خبراء صينيين، ستشهد ولاية ترامب الثانية على الأرجح موقفًا أميركيًا أكثر صرامة بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين، مما يؤدي إلى مزيد من الانفصال بين الاقتصادين. وحتى الآن، طرح ترامب تعريفات جمركية بنسبة 60% أو أعلى على جميع البضائع الصينية ورسوماً جمركية شاملة بنسبة 10% على البضائع من جميع دول المنشأ، كجزء من خطاب حملته الانتخابية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وتعهد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بوقف الحرب الأوكرانية في 24 ساعة فقط. وهو ما يعني أنه سيسحب الدعم المالي والعسكري الأميركي من أوكرانيا، كما أنه يخطط لفرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على الواردات من أوروبا. وبالتالي ربما تقود سياسات ترامب إلى تفكيك التحالف الغربي الذي تقوده واشنطن في أوكرانيا، أو إضعاف التنسيق على أفضل الأحوال. وإذا حدث ذلك، فإنه يصب في مصلحة بكين التي تعد لتقوية اقتصادها تجارياً وتدويل عملتها اليوان عبر تعزيز نفوذ مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي.

التعريفة الجمركية

معروف عن ترامب أنه ينظر للصين على أنها المهدد الأكبر لمكانة "القوة العظمى" التي تحتلها أميركا منذ الحرب العالمية الثانية، وبالتالي سوف يسعى بكل الوسائل لعرقلة التقدم الصيني خلال فترة رئاسته الثانية. وكانت وزارة التجارة الصينية قد وصفت الحرب التجارية في ظل الولاية الأولى لترامب بأنها "أكبر حرب تجارية في تاريخ الاقتصاد العالمي".

وفي فترة رئاسته الأولى، فرض ترامب في 22 مارس/آذار 2018 تعريفات القسم 301 على منتجات صينية بقيمة 60 مليار دولار لإجبار حكومة بكين على تغيير "ممارساتها التجارية" التي يرى أنها غير عادلة، وذلك وفقاً لتقرير بمعهد بيترسون للدراسات الاقتصادية كتبه الخبير ديفيد ستين بيرغ من جامعة هوبكنز.

وفي 6 يوليو 2018، تم فرض تعريفة إضافية بنسبة 25%على منتجات صينية بقيمة 34 مليار دولار. وردّت وزارة التجارة الصينية في نفس اليوم بفرض تعريفة بنسبة 25% على منتجات أميركية بقيمة 34 مليار دولار، بما في ذلك فول الصويا، وهو من أهم الصادرات الزراعية الأميركية التي تستوردها الصين.

ويقول تقرير بمعهد بروكنغز في 26 مايو/ أيار الماضي: "كما يتضح أيضًا من ولاية ترامب الأولى، فإن الصين لا تملك القدرة على الردّ على التعريفات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة بنفس القوة، لأسباب أهمها أن الصين تحتاج إلى واردات أشباه الموصلات أو الشرائح الذكية، وبالتالي لن تتمكن من معاقبة وارداتها".

أما العامل الثاني فهو حجم الصادرات الأميركية إلى الصين التي لم تتجاوز147 مليار دولار في العام الماضي 2023، مقارنة بواردات الولايات المتحدة من الصين التي بلغت 427 مليار دولار. وتحدد هذه الحقيقة البسيطة أن الصين ليس لديها نفس القدر من النفوذ التجاري على أميركا لفرض الرسوم الجمركية على الصادرات الأميركية إلى الصين. كما أن بكين تحتاج بشدة إلى بعض السلع التي تصدرها الولايات المتحدة إلى الصين، مثل رقائق أشباه الموصلات المتطورة، لذا فإن فرض الرسوم الجمركية عليها، حتى لأغراض انتقامية، ليس في مصلحة الصين.
لكن كيف ستتصرف الصين مع التعريفة الجمركية الضخمة على صادراتها الأميركية في حال فاز ترامب؟

في السابق، تجنبت الصين التصعيد التجاري ضد واشنطن، لكنها اضطرت إلى الضغط على أميركا عبر فرض العقوبات على الصادرات الزراعية. وأدت معاقبة بكين للصادرات الأميركية الزراعية إلى إجبار ترامب على توجيه عشرات الملايين من الدولارات من الإعانات للمزارعين الأميركيين والذين يعتمدون بشكل كبير على الطلب الصيني على منتجاتهم.

وفي عهد الرئيس الحالي جو بايدن، ومباشرة بعدما كشفت الولايات المتحدة عن أحدث الإجراءات العقابية على الصين، وعدت وزارة التجارة الصينية بأن "الصين ستتخذ تدابير حازمة للدفاع عن حقوقها ومصالحها". وفي التاسع عشر من مايو/أيار، بدأت وزارة التجارة والصناعة تحقيقاً لمكافحة الإغراق في الصادرات الأميركية وتناولت منتجات مثل بوليمر البولي أوكسي ميثيلين، وهي المادة المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية والسيارات. كما تدرس الصين أيضًا فرض تعريفة بنسبة 25% على بعض صادرات السيارات الأميركية.

ويرى محللون أن بعض التعريفات الانتقامية التي ستفرضها الصين في المستقبل ستكون أكثر ضرراً على المستوى السياسي مقارنة بحجمها الاقتصادي. وعلى الرغم من أن القيمة الإجمالية لأي تعريفات جديدة من الصين قد لا تكون كبيرة كما كانت في الجولات السابقة، فمن المرجح أن تختار الصين المنتجات بشكل استراتيجي لتحقيق أقصى قدر من التأثير السياسي على ترامب في مناطق نفوذه السياسي.

ووفق تقرير بروكغنز، اختارت الصين في عام 2018 التعريفات الانتقامية بعناية، لاستهداف السلع والمنتجات في المقاطعات التي تدعم الجمهوريين. وكان هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة لمناطق الكونغرس التي كان من المرجح أن تواجه سباقات متقاربة في الانتخابات النصفية. وتبين أن هذه الاستراتيجية فعالة. وكما يظهر العديد من الدراسات، فإن المناطق التي استهدفتها التعريفات الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين كانت أكثر عرضة لمعاقبة الجمهوريين على الآثار السلبية التي خلفتها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

ويتوقع تقرير بروكغنز أن تستهدف الصين بتعريفاتها الانتقامية الصناعات ذات الأهمية السياسية للرئيس ترامب. ويرى خبراء أن الصين قد تلجأ إلى تصدير منتجاتها عبر دول ثالثة، ليست من الدول التي تفرض عليها الولايات المتحدة رسوماً جمركية مرتفعة.

تايوان وسياسة الصين الواحدة

ربما تكون الجائزة الكبرى لبكين في فترة ترامب المقبلة، في حال فوزه، تمكين بكين من تنفيذ سياسة "الصين الواحدة" التي تعني ضم هونغ كونغ وتايوان إلى الصين. ويقول ترامب إن تايوان يجب أن تدفع للولايات المتحدة مقابل الدفاع لأنها "لا تعطينا أي شيء" في لقاء مع وكالة بلومبيرغ يوم الثلاثاء. وأثارت المقابلة تساؤلات حول دعم واشنطن للجزيرة في حالة فوزه بالانتخابات الأميركية. ولا يستبعد خبراء أن تضغط إدارة ترامب في حال فوزه على تحويل شركات صناعة الرقائق المتقدمة من تايوان إلى الولايات المتحدة وترك الجزيرة خالية من صناعة الرقائق الذكية لبكين، حيث إن أهمية الجزيرة للولايات المتحدة تتمثل في صناعة الرقائق الذكية.

وفي عقيدة الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، فإن تايوان مقاطعة، وتعهد بضمها، رافضاً استخدام القوة العسكرية. ولا تعترف الولايات المتحدة رسميًا بتايوان، لكنها الشريك الأمني الأكثر أهمية لها. وتأتي أهمية تايوان من كونها قلعة الشرائح الإلكترونية في العالم، حيث تنتج أكثر من 90% من الرقائق الأكثر تقدمًا في العالم، معظمها من خلال شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات المحدودة (TSMC)، أكبر منتج في العالم ومورد رئيسي لشركتي Apple وNvidia. وتنفق شركة TSMC المليارات لبناء مصانع جديدة في الخارج، بما في ذلك 65 مليار دولار لبناء ثلاثة مصانع في ولاية أريزونا الأميركية، على الرغم من أنها تقول إن معظم التصنيع سيبقى في تايوان.

المساهمون