العرب الغائبون عن الصراع التكنولوجي الصيني الأميركي

17 يونيو 2019
تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم (Getty)
+ الخط -

تتعدد صور الصراع الاقتصادي الصيني الأميركي، فلا زال العالم يتحسب للنتائج السلبية للحرب التجارية بين البلدين. ومؤخراً، توقّع البنك الدولي أن يتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.6% بسبب تلك الحرب، وأن ذلك سيلقي بظلال سلبية على أداء الاقتصاديات المختلفة.

وبطبيعة الحال، ستكون الاقتصاديات العربية متضررة من تباطؤ معدل نمو الاقتصاد العالمي، بسبب ما سينتج عن ذلك من تراجع الطلب على النفط، الذي يعد المحرك الرئيس للاقتصاديات النفطية العربية، كما سيعود بآثار سلبية على دولة مصر، بسبب تراجع حركة الملاحة في قناة السويس.

ومنذ أسابيع مضت، انتقل الصراع الصيني الأميركي إلى دائرة الاتصالات والتقنية، حيث هددت أميركا بحجب تكنولوجيا شركة غوغل عن أكبر الشركات الصينية "هواوي"، بزعم استخدام المخابرات الصينية لهذه التكنولوجيا. وأدى ذلك إلى حالة هلع في الأسواق التي تنتشر فيها منتجات "هواوي".

وكانت الخطوة الأميركية أبلغ رسالة للعالم بأن من يملك التكنولوجيا يملك العالم، وأن العبرة ليست بامتلاك الورش والمواد الخاصة والصناعات التقليدية. والرسالة هذه المرة لم تكن للدول أو الجامعات ومراكز البحوث، لكنها وصلت إلى الرجل العادي الذي يمتلك هاتفا قد يتحول إلى قطعة من البلاستك بلا قيمة.

النزاع في عالم تكنولوجيا الاتصالات بين البلدين مستمر منذ فترة، لكنه خرج إلى العلن في عهد الرئيس الأميركي الحالي ترامب الذي منع، في شهر مارس 2018، صفقة استحواذ شركة "برودكوم" الصينية، تتخذ من سنغافورة مقرًا لها، على شركة "كوالكوم" الأميركية مقابل 117 مليار دولار، حيث اعتبر العرض الصيني أكبر صفقة في مجال التكنولوجيا.

وعزا ترامب قراره إلى أسباب تتعلق بالأمن القومي، لأن اللجنة الفنية التي اعتمد عليها ترامب في قراره رأت أن الصين قد تمنع الأموال الخاصة بالبحوث والتطوير عن الشركة الأميركية بعد الاستحواذ عليها، مما يمنح الشركة الصينية فرصة للسيطرة على مجال المعلومات للجيل القادم من الموبايل.

إلا أن الصين أعلنت مؤخرًا أنها منحت تراخيص تشغيل الجيل الخامس لشركات محلية مملوكة للدولة، وتوقعت أن تقود شبكة (G5) العالم في مجال المعلومات. وهنا يكمن الخلاف الصيني الأميركي، ليس الجانب التجاري والمالي وحصص الأسواق فقط، ولكنه الجانب المعلوماتي.

من يسيطر على المعلومات؟ هذا هو مجال الصراع، فكل من الصين وأميركا يسعيان للسيطرة على المعلومات، ومن خلالها يقودان العالم في مجالات شتى. يعرفان تطلعات الأفراد والمجتمعات، ويحللان رغباتهم وتطلعاتهم، ويحددان لهم ماذا يستهلكون وماذا يحبون وماذا يكرهون، إنهما من خلال المعلومات يشكلان العقول، ويوجهان المال ومختلف الطاقات.

يظن البعض أن الحرب الدائرة بين الصين وأميركا في مجالات مختلفة شأن لا ناقة لنا فيه نحن العرب ولا جمل، بل قد يدعو البعض بالدعاء المشهور "اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بين أيديهم سالمين".

والحقيقة أن هذه الحرب لنا فيها نوق وجمال كثيرة، حيث إن العرب يستوردون كافة نظمهم المعلوماتية في كافة المجالات، مما يجعلهم معرّضين لحالة من الانكشاف المعلوماتي، سواء في المجال التعليمي أو الصحي أو العسكري أو الجوي أو البحري، وغيرها.

قد يبرر البعض برامج الموبايل والإنترنت المجانية في مجال الاتصالات وتبادل المعلومات، بعوائد الإعلانات، وقد يكون ذلك صحيحًا، لكن الأهم منه ذلك الكنز المعلوماتي الذي يقع تحت من يسيطرون على تلك الشبكات، من خلال الحصول على أدق التفاصيل لحياة الشعوب وأدق تفاصيل إدارات الدول، من خلال ما يتم تداوله من معلومات.

وإذا ما علمنا حجم إنفاق الدول على البحث والتطوير، الذي يشمل ضمن ما يشمل مجال إنتاج تكنولوجيا المعلومات، نجد الإجابة على تساؤل لماذا هذه الحرب بين الصين وأميركا على تكنولوجيا الاتصالات.

وحسب قاعدة معلومات البنك الدولي، تبلغ قيمة الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج على مستوى العالم 2.23% لعام 2017، والذي بلغ فيه الناتج العالمي 80 تريليون دولار.

بينما كانت أميركا الدولة رقم واحد وفق هذا المؤشر على مستوى العالم، وهي صاحبة أكبر ناتج محلي على مستوى العالم بنفس العام بنحو 19.4 تريليون دولار، وبلغت قيمة إنفاقها على البحث والتطوير 2.74% من الناتج، أي أعلى من المتوسط العالمي.

بينما تأتي غريمتها الصين في مرتبة تالية، حيث تبين الأرقام أن الناتج المحلي للصين كان بحدود 12.3 تريليونا، وأن إنفاقها على البحث والتطوير كان 2.11% من الناتج.

ومن هنا نجد أن حرص أميركا على منع الصين من الاستحواذ على إحدى شركاتها الكبرى، ليس لأسباب معلوماتية وأمور تتعلق بالأمن القومي فقط، لكن كذلك بسبب التكلفة المالية التي تتكبدها أميركا، سواء على صعيد موازنات قطاعها الخاص، أو الدولة الأميركية.

إذا كان البحث والتطوير فرع عن أصل وهو التعليم نفسه، والعالم العربي يعاني من فقر في الجانب التعليمي، فكان من الطبيعي أن تكون نسبة الإنفاق على البحث والتطوير متدنية. فوفق بيانات 2017، بلغ الناتج المحلي الإجمالي العربي 2.5 تريليون دولار، أي ما يعادل نسبة 20% من الناتج الصيني و12.8% من الناتج الأميركي.

وبلغت نسبة الإنفاق على البحث والتطوير في العالم العربي 0.56% من الناتج لعام 2017، بينما إسرائيل التي يدّعي العرب عداوتها منذ ما يزيد عن 7 عقود، تنفق 4.25% من ناتجها المحلي على البحث والتطوير.

وتكشف هذه النسب للإنفاق خريطة الاهتمامات العربية، حيث ينفق غيرهم على البحث والتطوير، وينفقون هم على شراء السلاح ليقتل بعضهم بعضًا.

لكن حالة الفقر العربي في مجال التعليم والبحث العلمي، لم تمنع من وجود جهود مبذولة هنا وهناك، ولكنها مبعثرة على مستوى القطر العربي الواحد، أو على المستوى العربي، فلا توجد مشروعات لتوحيد هذه الجهود وتنميتها والبناء عليها، لعدم وجود كيان وطني أو قومي ينهض بالعرب معلوماتيًا وتكنولوجيًا.

فعقلية متخذ القرار بعيدة عن أجندة التنمية، واستيراد التكنولوجيا وقواعد المعلومات أفضل وأسرع عنده من بنائها أو توطينها، لذلك تفر الكوادر العربية إلى أميركا وأوروبا لتجد البيئة المناسبة للاستفادة منها.

في ظل مثل هذه الأزمات، تسعى الدول إلى الاستفادة منها، فقد تقترب من أحد أطراف الصراع وتتبنى تكنولوجيته، لكي تكون طرفًا في المعادلة العلمية، وحلقة في سلسلة العولمة. لكن الواقع العربي يعكس حالة من الغياب عن ساحة الصراع، والاكتفاء بانتظار نتائجه، وهم يعلنون بلسان حالهم، أن أسواقنا جاهزة لمنتجات من سيحسم الصراع.

ومثل هذه القضايا الصراعية لا تعرف المعارك الصفرية، ولكن المنافسة تجعل التقدم التكنولوجي على أشده، ولا يستفيد منه المتفرجون إلا في مراحله النهائية عندما يصبح منتجًا تجاريًا في الأسواق، وحتى هذه المرحلة تأتي متأخرة، بعد أن ينعم منتجو التكنولوجيا بثمار جهودهم.

الشيء الوحيد الذي قد يدفع العرب إلى الاهتمام بالنظم المعلوماتية وإمكانية توظيفها هو صراعاتهم البينية، وإصرار نظم الحكم في الدولة العربية على سحق شعوبها، وتوظيف الشبكات المعلوماتية ووسائل الاتصال في التجسس والتنصت على الأفراد والأحزاب، والتنسيق الأمني بين وزارات الحكومات العربية المعنية بسحق الشعوب.

المساهمون