وضع التحذير الأميركي، للسفن المارة في الشرق الأوسط، من "احتمال اتخاذ إيران إجراء ضد المصالح البحرية الأميركية"، دول الخليج العربي في مأزق كبير، مع تصاعد القلق من إمكانية عزل نفطها عن المشترين حول العالم، لاسيما في ظل عدم توفر ممرات بديلة لمعظم الدول، بينما البدائل المتوفرة للبعض رهينة صراعات مسلحة في دول مجاورة أو لا يسمح سوى بتصدير كميات محدودة.
ويبدو أن السوق الأوروبية بدأت تتحوط مما هو قادم، فقد كشفت تقارير دولية لتتبع حركة السفن عن توجه غير مسبوق لناقلات النفط الفارغة من أوروبا، نحو الولايات المتحدة، التي تحولت لمصدر للخام، في ظل طفرة النفط الصخري المتدفق.
ووفق وكالة أسوشييتدبرس، أصدرت الإدارة البحرية الأميركية، أمس الثلاثاء، تحذيراً للسفن التي تسلك الممرات المائية، التي تعتبر حيوية لإمدادات الطاقة العالمية، جراء تزايد التهديدات الإيرانية المتكررة بالانتقام لاغتيال القائد العسكري البارز قاسم سليماني في غارة أميركية استهدفته في العراق فجر الجمعة الماضي.
ومقابل التهديدات الإيرانية، توعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأحد الماضي، برد قاس في حال تعرض الجنود أو المنشآت الأميركية في المنطقة لهجمات، مهدداً بضرب 52 موقعا إيرانيا، من بينها مواقع تراثية، بشكل قوي وسريع.
ويعد إغلاق مضيق هرمز، في الخليج العربي، أحد السيناريوهات التي قد تلجأ إليها طهران كإحدى أدوات الرد على اغتيال سليماني، عبر تعطيل الإمدادات النفطية من دول الخليج إلى العالم، بينما يعد أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن.
وبلغ معدل التدفق اليومي للنفط في المضيق 21 مليون برميل يومياً في 2018، ما يعادل 21 في المائة من استهلاك السوائل البترولية على مستوى العالم، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وسبق أن جرى استهداف ناقلات للنفط بواسطة ألغام العام الماضي، وألقت واشنطن باللوم فيها على طهران التي أنكرت مسؤوليتها. كما احتجزت إيران خلال الفترة ذاتها، ناقلات نفط حول مضيق هرمز الحيوي.
وكلما اشتد التوتر في مضيق هرمز، خاصة بين إيران والولايات المتحدة، كلما وجدت دول الخليج نفسها في مأزق إيجاد بدائل لتجارتها البحرية مع العالم، فالصادرات النفطية تعد المصدر الأساسي أو شبه الوحيد لإيرادات دول الخليج بلا منازع.
وإذا كانت بلدان كالسعودية وسلطنة عُمان والإمارات، لديها بدائل بفضل تمتعها بشواطئ ومرافئ بعيدة عن هرمز على البحر الأحمر بالنسبة للسعودية وبحر العرب بالنسبة إلى عُمان، فإن بلدانا أخرى كالكويت وقطر والعراق لا تتمتع بأية ممرات بحرية بديلة.
كما أن الممرات البديلة لا تسعف الدول التي تتمتع بها في تصدير كامل نفطها. فيوجد لدى السعودية والإمارات خطوط أنابيب يمكنها شحن النفط الخام خارج الخليج، ونهاية عام 2018 بلغ إجمالي طاقة أنابيب النفط الخام المتاحة من البلدين مجتمعين 6.5 ملايين برميل يومياً وهو ما يتجاوز قليلا نصف صادراتهما اليومية البالغة نحو 11.2 مليون برميل.
ولا تنبع أهمية مضيق هرمز من تصدير النفط الخليجي وحسب، وإنما أيضا دخول البضائع المختلفة إلى دول الخليج والتي تتعلق بالاستهلاك اليومي وغيره.
ويقول عدنان الرميح الخبير النفطي لـ"العربي الجديد": "كان بمقدور دول الخليج استخدام طريقة المخزون الاستراتيجي، لمواجهة مثل هذا المأزق، كأن تحتفظ الكويت مثلا بمخزون في اليابان، أو استخدام ناقلات عملاقة كخزانات مؤقتة لأي طارئ.
ومراراً، هددت إيران بتعطيل شحنات النفط عبر مضيق هرمز، ما يحدث تداعيات صادمة سواء للدول المصدرة أو المستوردة، لاسيما في آسيا التي تعد السوق الأكبر لنفط الخليج.
ويرى عبدالله الكندري، الخبير في قطاع النفط، أن البديل المتاح للعراق حال تطور الصراع هو خط الأنابيب الممتد من إقليم كردستان إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، لكن طاقة التصدير عبر هذا الخط لا تكاد تذكر بجانب صادرات النفط التي تجري أغلبها من ميناء البصرة على الخليج العربي جنوب البلاد.
وبينما تحدثت السعودية خلال الفترة الماضية عن خيارات لتصدير النفط عبر منافذ بديلة لمضيق هرمز، خاصة في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها ناقلاتها النفطية العام الماضي، إلا أن وكالة بلومبيرغ الأميركية، قالت في تقرير نشرته في يوليو/تموز الماضي، إن هناك مخاطر ستواجه السعودية، إذا استخدمت البحر الأحمر لتصدير نفطها بدلاً من الخليج أو مضيق هرمز.
وذكرت الوكالة، أن تصدير النفط عبر البحر الأحمر بدلاً من الخليج قد يبدو للوهلة الأولى خياراً جذاباً، إلا أن التصدير عبر البحر الأحمر له مخاطر. وتعكف السعودية، التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، على مشروع توسعة لخط أنابيب "بترولاين" الذي يمتد من حقول النفط في شرق المملكة إلى موانئها المطلة على البحر الأحمر، ومشروع التوسعة يهدف لزيادة سعة الأنبوب من 5 ملايين برميل يومياً إلى 7 ملايين برميل.
وتوقعت مصادر سعودية آنذاك، أن تنتهي المملكة من مشروع التوسعة في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلا أن تقريراً مالياً لشركة أرامكو أظهر أن الانتهاء من الأعمال سيكون بعد 4 سنوات.
وقالت "بلومبيرغ" إن التصدير عبر أنبوب النفط هذا وعبر البحر الأحمر، وتحديداً عبر مضيق باب المندب، أو كما يوصف "بوابة الدموع"، ليس خياراً آمناً للسعودية، موضحة أن أنبوب النفط من الممكن أن يتعرض لهجمات بطائرات مسيرة، مثلما تعرض في مايو/ أيار الماضي، حينما نفذت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن هجوماً بطائرات مسيرة على منشآت في الأنبوب.
كذلك أشارت الوكالة إلى أن مضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، محفوف بالمخاطر مثل مضيق هرمز، مشيرة إلى أن ناقلتي نفط سعوديتين تعرضتا لهجوم في مضيق باب المندب في 2018، ما دفع السعودية لوقف تصدير خامها عبر هذا المضيق المطل على اليمن.
وتبقى البدائل المطروحة رهينة لتطورات التوتر العسكري في منطقة الخليج، إضافة إلى أنها مكلفة جداً ويأخذ تنفيذ بعضها سنوات.
وفي ظل مأزق الخليج لتصدير نفطه، أفادت مصادر بالشحن البحري وبيانات من شركة "ريفينتيف إيكون" العالمية، أمس الثلاثاء، بأن أسطولا من ناقلات النفط تبحر خاوية من أوروبا والبحر المتوسط باتجاه ساحل الخليج الأميركي لنقل الخام.
وأضافت المصادر أن ثماني ناقلات، وهو عدد مرتفع على نحو غير عادي، تبحر في المحيط الأطلسي صوب الولايات المتحدة وتبلغ طاقتها الاستيعابية مجتمعة 5.6 ملايين برميل من النفط.
وسجلت صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام مستوى قياسيا مرتفعا عند 4.46 ملايين برميل يومياً، في الأسبوع المنتهي في السابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية مع استمرار منتجي النفط الصخري في تسليم كميات من الخام تزيد عما يمكن أن تستهلكه مصافي التكرير الأميركية.