انكماش الاقتصاد يفاقم البطالة في الجزائر

13 اغسطس 2019
تراجع فرص التوظيف رغم الإجراءات الحكومية (Getty)
+ الخط -
زاد امتداد الأزمة المالية في الجزائر للسنة الرابعة، من انكماش الاقتصاد، بفعل تراجع مداخيل البلاد من بيع النفط إلى أكثر من الثلثين، ما أدى إلى تجميد العديد من المشاريع وتجميد عمليات التوظيف في القطاعين العمومي والخاص، وضع ألقى بظلاله على البطالة في البلاد، التي باتت تؤشر بالأحمر.

وحسب الإحصائيات التي نشرها الديوان الجزائري للإحصائيات، فإن نسبة البطالة ارتفعت الى ما فوق عتبة 12.5في المائة شهر يوليو/ تموز الماضي، مقابل 9.5 في المائة في إبريل/نيسان، ما يمثل 3 في المائة ارتفاعا للبطالة في 3 أشهر، وهي أرقام تناقض الخطاب الرسمي الذي يقر بانتعاش سوق الشغل.

وتترجم نسبة البطالة التي كشف عنها الديوان الجزائري للإحصائيات عدد العاطلين عن العمل البالغ 2.5 مليون شخص، في حين بلغ عدد السكان الناشطين أي الذين بلغوا سن العمل والمتوفرين في سوق العمل سواء كانوا حاصلين على عمل أو عاطلين في إبريل/نيسان الماضي نحو12.2 مليون شخص مقابل 11.932 مليونا عند مطلع السنة.

وبلغ عدد الجزائريين العاملين 10 ملايين شخص في يوليو/ تموز، منهم أكثر من 8 ملايين رجل ما يعادل81.1 في المائة وأكثر من مليوني امرأة أي 18.9 في المائة.

والملاحظ حسب عملية المسح التي قام بها الديوان الجزائري للإحصائيات فإن نسبة البطالة ارتفعت عند الرجال إلى 10 في المائة مقابل 9 في المائة شهر إبريل/ نيسان الماضي، في حين بقيت هذه النسبة مستقرة تقريبا عند النساء عند 16.5 في المائة.

ولا يزال القطاع الخاص أكثر تشغيلا في البلاد، حيث يُشغل 6.33 ملايين عامل أي 58 في المائة مقابل 4.56 ملايين شخص ما يعادل 42 في المائة من السكان العاملين، وحسب التقسيم الجغرافي يشتغل 7.33 ملايين شخص في الأوساط الحضرية مقابل 3.56 ملايين في الأوساط الريفية.

وحسب القطاعات تتصدر التجارة والخدمات أكبر المشغلين في الجزائر بـ 61.7 في المائة من الساكنة النشيطة، يليها قطاع البناء والأشغال العمومية بـ 16.6 في المائة والصناعة بـ13 في المائة ثم أخيرا الفلاحة بـ 8.7 في المائة.

وكثيرا ما يشكك المراقبون للشؤون الاقتصادية في أرقام البطالة التي تعلن عنها الحكومة الجزائرية عن طريق هيئاتها المختلفة، لأنها حسب الكثير لا تتطابق مع الواقع، فيكفي أن تتجول في كبريات المدن وحتى في القرى لتقف على حجم شبح البطالة الذي خيم على البلاد.

وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي جمال نور الدين لـ "العربي الجديد" إن "أرقام البطالة في الجزائر دائما تكون سياسية أكثر منها واقعية، كما أن طريقة احتسابها من طرف ديوان الإحصائيات تشوبها الكثير من نقاط الظل المبهمة، فمثلا يعتبر الديوان "غير بطال" كل شخص اشتغل ولو ليومٍ واحدٍ في السنة، أي أن المعلومات غير دقيقة، كما لا يحتسب الديوان النساء المقيمات في البيت والمؤهلات للعمل".

وقلما غادرت البطالة واجهة الأحداث في الجزائر في العقدين الأخيرين، وظلت ورقة سياسية تستعملها الحكومة من جهة والمعارضة من جهة أخرى، فيما يجمع المراقبون على أن الأسباب الحقيقية وراء انتشارها مرتبطة بأمور عدة منها السياسي والاقتصادي وحتى البيداغوجي والتكوين في الجامعات.

وحسب المستشار الاقتصادي والمالي المستقل بلخير عمر الحاج فإن البطالة في الجزائر مردها إلى 3 أسباب رئيسية "أولها حجم القطاع الإنتاجي في البلاد، فالجزائر تحوز على 700 ألف شركة صغيرة ومتوسطة و500 شركة كبرى، في حين بلد كالجزائر يحتاج إلى 1.5 مليون شركة صغيرة ومتوسطة و5 ألاف شركة كبرى لكي نمتص على الأقل 75 في المائة من البطالة.

وأضاف: منذ أربعة عقود والحكومات المتعاقبة تسعى لتشجيع الاقتصاد خارج المحروقات، لكنها فضلت التركيز على البنى التحتية عوض تشجيع الاستثمارات الإنتاجية، ففي السنوات الـ14 الماضية شكلت المشاريع في قطاع الصناعة 12 في المائة من جل المشاريع المسجلة عند الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار.

وعن السبب الثاني لتفاقم البطالة في الجزائر يقول نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" إنه يكمن "في اختلال العلاقة بين التكوين الجامعي والمهني ومتطلبات سوق الشغل، فالجهاز التكويني عرف العديد من التحولات التي لم يكن لها علاقة مع سوق التشغيل، حيث تم التركيز على العلوم الإنسانية في حين تدير لها سوق التشغيل ظهرها، هناك قطاعات تعرف طلبا كبيرا على اليد العاملة لكن الجامعات ومراكز التكوين لم تنجح في تلبية هذا الطلب المتزايد مثل الزراعة والأشغال العمومية".

أما السبب الأخير فيلخصه عمر الحاج في طريقة علاج مشكل البطالة، "ففي كل مرة نحاول فيها حل مشكل البطالة، نقع في نفس الخطأ وهو محاولة حل المشاكل بطريقة منعزلة دون الإلمام بكافة جوانب مشكل البطالة".

من جانبه يتوقع الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للحكومة الجزائرية عبد الرحمان مبتول أن "تشهد الأشهر القادمة ارتفاع البطالة أكثر لسببين، الأول متعلق بتواصل انكماش الاقتصاد، والثاني دخول الشركات التي يملكها رجال الأعمال المسجونين في دوامة الجمود بسبب التجميد التحفظي لأرصدتها البنكية".
المساهمون