نجحت حكومة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأولى، في تمرير مخطط عملها الخماسي 2020-2024 بالبرلمان، بأخف الأضرار، مستغلة التفكك السياسي الذي يعيشه البرلمان منذ بداية الحراك الشعبي قبل سنة، ما أدى بالمعارضة إلى تجميد نشاطها، واكتفاء "أحزاب السلطة" في عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، بلعب دور المشاهد فقط.
لكن الامتحان الحقيقي بالنسبة إلى رئيس الوزراء عبد العزيز جراد وحكومته، يتمثل بإيجاد الموارد المالية الكافية لتمويل مخطط عملها، في وقت تعيش فيه الجزائر "عجزاً مركباً" في مختلف الأصعدة.
واختلفت القراءات والتوقعات حول ميزانية ورقة طريق الحكومة الجزائرية، إلا أن مصادر مطلعة وبرلمانيين، أكدوا لـ"العربي الجديد" أن ميزانية الخطة الحكومية رُسِمَت لتحرير الاقتصاد من عائدات النفط، من خلال دعم الصناعات الثقيلة والصغيرة، والزراعة والسياحة، مع الإبقاء على الطابع الاجتماعي للدولة، أي الاحتفاظ بسياسة الدعم المباشر للأسعار والخدمات، ما يفاقم الإنفاق خلال سنوات الخطة الخمس.
وحسب عضو اللجنة المالية والاقتصادية في البرلمان الجزائري، هواري تيغيرسي، فإن "الحكومة تحدثت في عرضها لمخطط عملها على اللجنة، عن توقعات بأن تصل فاتورة البرنامج الخماسي إلى نحو 270 مليار دولار، أي بزيادة بـ 10 مليارات دولار على المخطط الأخير 2014-2019 (العهدة الرئاسية الرابعة لبوتفليقة)، إذ كانت فاتورة المخطط 260 مليار دولار".
وأضاف تيغيرسي لـ"العربي الجديد" أن "الميزانية يمكن أن ترتفع بالنظر إلى عدة متغيرات، منها سعر الدينار الذي لا يزال يفقد بريقه أمام الدولار، دون أن ننسى المشاريع المعطلة الموروثة عن النظام السابق، أي إننا أمام اقتصاد ريعي معطل واستهلاكي يحتاج لأموال كبيرة لتحريكه".
وكانت الحكومة قد رفعت سقف تحدياتها وتعهداتها في برنامج عملها الذي صدّق عليه البرلمان الجزائري في 12 فبراير/شباط الحالي، سواء السياسية أو الاقتصادية وحتى الاجتماعية، من خلال مراجعة السياسة المالية، وانتهاج سياسة شد الحزام، مع تبني خطة الحكومات السابقة المتعلقة بالانتقال من الدعم العام للأسعار والخدمات، إلى الدعم الموجه للطبقات الهشة، من أجل إحداث عدالة اجتماعية.
وتمرّ عملية الانتقال عبر الإبقاء على الدعم بشكله الحالي، إلى حين إحصاء أصحاب الحق في الاستفادة من الدعم، وتعهدت الحكومة ببناء مليون مسكن في المخطط الخماسي 2020-2024.
وبقصد حماية احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الذي يشهد تبخراً متسارعاً في الأشهر الأخيرة هوى به إلى 62 مليار دولار، تعتزم الحكومة إحداث توازن في كفتي الميزان التجاري، من خلال كبح الواردات، ودعم الصادرات خارج النفط.
وفي ما يتعلق بجيوب المواطنين المنهكة، تعهدت حكومة جراد برفع الأجر الوطني الأدنى، بما يضمن للجزائريين الدخل اللائق، بالموازاة مع إلغاء الضريبة على الدخل الإجمالي على أصحاب الرواتب التي تساوي أو تقلّ عن 30 ألف دينار (250 دولاراً).
وفي ظل شحّ الموارد المالية، ستجبر حكومة جراد على السير بخطى ثابتة نحو التوجه إلى الاستدانة الخارجية، لمواجهة ارتفاع الإنفاق الداخلي المتوقع في السنوات الخمس القادمة، في وقت يستنزف فيه احتياطي الصرف بسرعة فاقت التوقعات، جراء تواصل تهاوي عائدات النفط للسنة السادسة على التوالي، تبخر زاد في سرعته ارتفاع العجز المالي في الموازنة والخزينة وحتى في الميزان التجاري.
وحسب مراقبين، ستجد الحكومة نفسها أمام امتحان صعب، هو إقناع الجزائريين بالعودة إلى الاستدانة الخارجية بعد 16 سنة من القطيعة معها، في وقت يعيش فيه الشارع حراكاً غير مسبوق يطوي عامه الأول في 22 فبراير/ شباط الحالي، ويُطالب بتغيير النظام ومحاسبة رموز الفساد.
وقال نائب برلماني عن حركة مجتمع السلم (التيار الإسلامي)، أحمد شريفي، إن "مخطط عمل الحكومة لم يشر إلى طريقة التمويل، فالحكومة تركت كل الأبواب مفتوحة بخصوص هذا المحور، سواء بحشد الموارد الداخلية أو اللجوء إلى التمويل التقليدي الخارجي أو غير التقليدي من طريق جلب استثمارات".
وأضاف النائب شريفي لـ"العربي الجديد" أن "موازنة 2020 رفعت القيود عن الاستدانة الخارجية، وحصرتها فقط في تمويل المشاريع الكبرى، وبالتالي وارد جداً أن تطلق الجزائر مناقصات دولية لتمويل المشاريع الكبرى، لكن أن تستدين الجزائر من أجل الإنفاق وليس الاستثمار، فهذا انتحار لا ننصح به".
من جانبه، أكد عضو لجنة المالية في البرلمان، والخبير الاقتصادي، نصر الدين عوينات، أن "الحكومة أمام الوضعية المالية التي تعيشها الجزائر وما ينتظرها من تحديات اقتصادية وسياسية، لم تعد عودتها إلى الاستدانة الخارجية من المحظورات والممنوعات في خطابها، وهذا ما لمسناه في كلام رئيس الحكومة، الذي تعهد ألا تكون الاستدانة من الخارج الخيار الأول، بل تكون عند الضرورة، فالحكومة عازمة على رفع التحصيل الضريبي، وحشد الأموال النائمة والمتداولة في الاقتصاد الموازي".
وأضاف عوينات لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة تملك ورقة أخرى يمكن أن تلعبها عند الضرورة، وهي ورقة طباعة النقود ضمن ما يُعرف بالتمويل غير التقليدي، ورسمياً هذه الورقة مجمدة، لكن بحكم القانون هي لا تزال مطروحة، ولم تُلغَ ما دام قانون القرض والنقد لسنة 2017 لم يعدل".
وتتزايد المخاوف في الجزائر من التآكل السريع لاحتياطي النقد الأجنبي واتساع العجز في بلد يعتمد نمطاً تقشفياً منذ 5 سنوات، فآخر الأرقام الحكومية الرسمية كشفت عن خسارة احتياطي الصرف لـ 10 مليارات دولار خلال 10 أشهر فقط، حيث هوى الاحتياطي إلى 62.2 مليار دولار مع نهاية يناير/ كانون الثاني 2020، مقابل 72.6 مليار دولار في شهر إبريل/ نيسان 2019، فيما بلغ احتياطي العملة 79.88 مليار دولار في نهاية سنة 2018.
وتتوقع حكومة تبون الأولى أن يستمر التبخر لاحتياطي الصرف الأجنبي ليستقر عند 52 مليار دولار نهاية السنة الحالية، خاصة مع تراجع أسعار النفط، المصدر الأساسي للإيرادات العامة.
وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، امتداداً للوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لسنوات القادمة، في ظل شحّ الموارد المالية، وخاصة إيرادات النفط التي تمثل 94 بالمائة من عائدات البلاد.