كان دونالد ترامب يحلم بفوز سهل في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر اجراؤها في شهر نوفمبر المقبل، وحصد، ليس فقط، فترة ثانية مدتها 4 سنوات، بل الحكم لفترات أطول وربما طوال الحياة كما لمح مرات.
واستند ترامب في طموحه للفوز بولاية ثانية إلى عدة نجاحات أبرزها خلق ملايين من فرص عمل، وتقليص معدل البطالة لأقل مستوى في نصف قرن، والصعود القياسي لأسواق المال الأميركية ومؤشرات أسهم حي المال الشهير "وول ستريت"، وإرغام الصين على التوقيع على اتفاق ينهي الحرب التجارية الشرسة ضدها، وزيادة عائدات الخزانة الأميركية من الرسوم الضخمة التي فرضها ترامب على الواردات.
كما نجح في عقد صفقات اقتصادية ومالية ضخمة جلبت استثمارات ضخمة لبلاده تقدر بمئات المليارات من الدولارات كما حدث مع دول الخليج وكندا ودول بأوروبا وأميركا اللاتينية، وهذه الاستثمارات أنعشت قطاعات صناعية ووفرت فرص عمل لمئات الآلاف من العاطلين.
لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد هبت عاصفة كورونا، ومعها اهتزت أسهم "وول ستريت"، وتهاوت أسعار النفط التي أغضبت كبار ممولي حملة ترامب الانتخابية مثل شركات الطاقة والنفط الصخري، وتحولت الإنجازات التي حققها ترامب إلى كابوس يهدد مستقبله السياسي.
ففقد تسببت كورونا في حدوث موجة بطالة ربما لم تشهدها الولايات المتحدة منذ الكساد العظيم في العام 1929، وهناك نحو 30 مليونا طلبوا إعانات بطالة، والركود يقترب بشدة من الاقتصاد الأميركي.
وإدارة ترامب ومعها البنك المركزي الأميركي يسابقان الزمن للحيلولة دون انهيار الاقتصاد وإفلاس الشركات والمؤسسات المالية الكبرى، وبات ضخ ما يقرب من 5 تريليونات دولار في شرايين الاقتصاد غير كاف لتحفيزه ووقف التهاوي.
وترامب الذي كان من أبرز ملامح برنامجه الانتخابي في العام 2016 الحد من عجز الموازنة العامة وتقليص الدين العام والحد من الاقتراض الحكومي، بل وسداد هذا الدين في 8 سنوات كما وعد، وجد نفسه أمام كابوس يقول إن عجز الموازنة الأميركية قفز مع كورونا، وإن الدين العام تجاوز مرحلة خطرة.
كما أعلنت وزارة الخزانة أمس الثلاثاء عن اقتراض نحو 3 تريليونات دولار في الربع الحالي من العام الحالي لمساندة الاقتصاد والحد من تسريح الشركات للعمالة.
وبعد أن استلم ترامب الدين العام ولا تتجاوز قيمته 19 مليار دولار قفز حاليا لأكثر من 25 تريليون دولار.
والبنوك الكبرى، الداعم القوي لسوق المال ومليارديرات وول ستريت، تراجعت أرباحها بشدة رغم الدعم السخي من البنك الاحتياطي الفيدرالي، سيتي بنك، أكبر مصرف أميركي، تراجعت أرباحه 45% في الربع الأول من العام، ونفس النسبة كانت من نصيب غولدمان ساكس، وجي بي مورغان تشيس 69%، ومورغان ستانلي 30%، وبنك أوف أميركا 48%، وويلز فارغو أند كو 69%.
وتم تسريح أكثر من 10 ملايين أميركي من وظائفهم، بينما أغلقت مصانع سيارات كبرى وآلاف الأعمال التجارية الصغيرة والمطاعم ومراكز التسوّق، وخفضت 60% من الشركات الأميركية الوظائف الشاغرة لديها خلال شهر مارس الماضي، و25% منها أغلق باب التوظيف.
وحتى قطاع النفط الأميركي الذي قاتل ترامب لإنقاذه من الإفلاس عبر إرغام روسيا والسعودية وكبار المنتجين على إجراء تخفيضات قياسية في الإنتاج النفطي بكميات 10 ملايين برميل، لم يسلم هو الأخر من تداعيات كورونا، فحسب وكالة الطاقة الدولية فإن الولايات المتحدة ستعاني من انخفاض غير مسبوق في إنتاج النفط هذا العام.
وستضطر شركات النفط لخفض الإنفاق ووقف الإمدادات من آلاف الآبار وتعطيل مشروعات نتيجة عدم وجود طلب كافٍ لاستيعاب الناتج، وهو ما يعني طرد آلاف العمال. وفي عهد ترامب انهارت أسعار النفط الأميركي لأقل من الصفر وذلك لأول مرة.
ببساطة، لقد تبخرت أحلام ترامب بسبب تفشي وباء كورونا الذي أدى إلى حدوث شلل في النشاط الاقتصادي وزيادة معدل البطالة لمستويات غير مسبوقة، وسقط شعار حملته الانتخابية الشهير "جعل أميركا عظيمة مجدداً" تحت ضربات الفيروس القوية وخسائرها الفادحة التي ستتجاوز تريليونات الدولارات.