"بَرَكة" الحراك الجزائري... شباب يواجهون البطالة ببيع الرايات والطعام

16 مارس 2019
خياطة الأعلام بدلاً من استيرادها (Getty)
+ الخط -
لا يكاد يمرّ يوم إلا وتهتز الشوارع الكبرى في العاصمة الجزائرية، على وقع أصوات الآلاف من المواطنين المتظاهرين لساعات طويلة، موشحين بالراية الجزائرية، رمز يشير إلى تمسك الجزائريين بالأرض والوطن، وفق ما يقولونه لـ "العربي الجديد".

ووسط هذه المسيرات، تسمع أصواتاً أخرى، لا تحمل أي مطالب سياسية، تنادي "هنا علم الجزائر... يا الجزائري"... إنهم شباب نزلوا إلى تحركات تتضمّن مطالب التشغيل وخفض معدلات البطالة، يتماهون مع مشكلاتهم، ويبيعون ما يحتاج إليه المحتجون بأسعار زهيدة.

أكرم واحد من هؤلاء الشباب الذين استغلوا فرصة "استفاقة الشعب الجزائري في وجه النظام الجزائري"، وفق تعبيره، لجني ما يعينه على الحياة. بحنجرة يكاد يخفت صوتها بسبب الصراخ المستمر، يتوغّل وسط المسيرات منذ أسبوعين، حاملاً حقيبة كبيرة على ظهره، ويعرض رايات العلم الجزائر بكل المقاسات على المتظاهرين.

يقول أكرم إن "بيع الرايات انتعش كثيراً هذه الأيام، حتى أكثر من مشاركة الجزائر في كأس العالم في عام 2014، الكل يبحث عن شراء راية له أو لأولاده. هناك من يفضّل الوشاح وآخر يريد قبعة عليها علم الجزائر، المهم أن يكون ما يبتاعونه يحمل ألوان العلم، الأحمر والأخضر والأبيض".

وأضاف الشاب الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن سعر العلم متوسط الحجم يبلغ 500 دينار (4.3 دولارات)، والوشاح بـ 300 دينار (2.4 دولار)، "أسعار تسمح لي بربح قرابة 2500 إلى 3000 دينار يومياً (24 دولاراً)"، مؤكداً في الوقت ذاته: "أنا لا أستثمر في مطالب الشعب، كلنا نريد رحيل هذا النظام، وكلنا نتقاسم المشاكل ذاتها، إلا أنني ملزم بمساعدة عائلتي".

وأمام انتعاش نشاط بيع الراية الجزائرية، وارتفاع الإقبال عليها بالتزامن مع اتساع دائرة المشاركين في الحراك في مختلف محافظات البلاد المنتفضة ضد قرار الرئيس الجزائري بوتفليقة القاضية بتأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقرّرة في الشهر المقبل، لجأ الباعة وبعض النسوة إلى فتح ورشات خياطة، تغطي الطلب المتزايد.

يشرح بلال، الذي التقته "العربي الجديد" في ساحة البريد المركزي، القلب النابض لحراك الجزائريين، أنه يشتري القماش، في حين أن أمه وجاراتها يخطن الرايات في المنزل، ويفصّلن ويطرزن العلم الجزائري.

ويضيف أن "الرايات الجزائرية المتداولة في الأيام العادية مستوردة من الصين، ولا يمكن توفيرها بسرعة في هذه الظروف، لذا قررنا أن نتكفل بخياطتها، بمعدل 30 إلى 40 علماً يومياً. قبل أن يختم الشاب الجزائري: "سنخرج من هذا النفق ونجد كشباب ما نريده من ظروف معيشية تحفظ كرامتنا".

وتعيش الجزائر منذ 22 فبراير/ شباط الماضي على وقع حراك شعبي مناهض لترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، حراك كان تأثيره ككرة الثلج، يكبر مع مرور الأيام، دفع بالرئيس بوتفليقة إلى إعلان تأجيل الانتخابات واستدعاء ندوة وطنية إصلاحية يعقبها تعديل للدستور، تليه انتخابات رئاسية لن يكون مشاركاً فيها. قرارات لم ترض الشعب الجزائري الذي يصرّ على تغيير النظام بجميع مفاصلة ووجوهه، من دون المرور بمرحلة انتقالية.

وإن كان بعض الشباب قد وجد في بيع الرايات الوطنية فرصة لربح الأموال، فإن مجموعة أخرى من الشباب وجدت في بيع الأكل والمياه المعدنية للمتظاهرين، ملاذاً للهرب من البطالة، رغم تأكيدهم المستمر على أنهم جزء من الحراك.

يقول عدلان، شاب في الـ25 من عمره، إن البطالة أنهتكه منذ سنوات، ووجد في هذا الحراك فرصة لربح بعض الأموال، "أبيع المياه المعدنية وبعض الفطائر التي تحضّرها أمي للمحتجّين"، ويضيف المتحدث ذاته: "في يوم الجمعة مثلاً يتضاعف الطلب بالنظر لارتفاع عدد المشاركين، ويصل ما أجنيه كربح إلى ألفي دينار (16 دولاراً)، وهو هامش يكفي والحمد الله".

ويشدد الشاب الجزائري في حديثه مع "العربي الجديد" على أن "ما يقوم به الشباب الباعة في المسيرات هي خدمة أكثر منها تجارة، ففي محيط التجمعات الشعبية المحلات مغلقة وحتى المحتجون تجدهم متعبين".

وبلغت نسبة البطالة في الجزائر عند نهاية سنة 2019 نسبة 11.4 في المائة، حسب أرقام حكومية رسمية، فيما ترتفع كثيراً بين الفئة الشابة. فيما أكَّد صندوق النقد الدولي على أنّ معدل البطالة سيتفاقم في الجزائر إلى 12.91 في المائة في 2020، والسبب هو ارتفاع عدد الشباب الباحثين عن فرص عمل، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتخبَّط فيها البلاد منذ تهاوي أسعار النفط.
المساهمون