بعد فشل خفض الفائدة... مقترح بتحفيز ضخم وتوزيع أموال على المواطنين

13 مارس 2020
لحظات عصيبة في سوق وول ستريت يوم الخميس(Getty)
+ الخط -
لجأت كبريات البنوك المركزية إلى السياسة النقدية لتحفيز الاقتصاد العالمي المتدهور وطمأنة المستثمرين الذين تتزايد خسائرهم في أسواق المال العالمية، حيث خفضت سعر الفائدة بنصف نقطة خلال الأسبوع الماضي.

لكن يبدو أن هذه السياسة النقدية، رغم ما وفرته من تمويلات رخيصة للبنوك، لم تأتِ ثمارها بعد في طمأنة أسواق المال، وسط تزايد تفشي كورونا وتداعياته على تقطيع أوصال سلاسل الإمداد الصناعية وحركة السفر والسياحة والشحن ومناحي الإنفاق الأخرى التي تدعم النمو الاقتصادي عبر القوة الشرائية. وذلك بدليل الانهيار المتواصل في أسواق المال العالمية التي تلت قرارات خفض الفائدة.

وامام فشل السياسة النقدية في تهدئة أسواق المال في أميركا طرح خبراء ضرورة التحرك السريع لإنقاذ الاقتصاد الأميركي من الركود. وقالت الاقتصادية الأميركية المتخصصة في معالجة أزمات المال، تريسي ألواي، " أن الركود الاقتصادي اصبح محتمل بنسبة كبيرة بل واقعاً إن لم نتعامل مع تداعيات أزمة فيروس كورونا بالسرعة المطلوبة".

ونصحت الاقتصادية ألواي في حوار مطول مع قناة "بلومبيرغ التلفزيونية" أمس الخميس، الحكومة الأميركية بتوزيع النقود مباشرة على المواطنين والأسر وإجازة حزمة تحفيز ضخمة مثلما فعلت في أيام أزمة المال". 

وحسب خبراء اقتصاد، قد تكون السياسات النقدية "مسكّناً فقط ولفترة قصيرة جداً"، ولكنها لا تشكل حلاً لأزمة الاقتصاد العالمي بسبب تفشي فيروس كورونا، حيث يعاني الاقتصاد حالياً من أزمة تضرب قوى العرض والطلب معاً، وهي بالتالي ليست أزمة تقليدية يمكن حلها بواسطة السياسات النقدية أو حتى التحفيز الكمي.

في هذا الشأن يقول الخبير الاقتصادي والزميل في معهد بيترسون الأميركي للاقتصاد العالمي، ديفيد ويلكوكس: "السياسة النقدية غير مناسبة لتصحيح ما يحدث من اضطراب في الاقتصاد العالمي".

وذكر ويلكوكس في تحليل على موقع المعهد، أن الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد حالياً، "لن يفلح أي خفض في سعر الفائدة، ومهما كان، في حلها، لأنه لن يقنع المسؤولين بعدم إغلاق المدارس أو إقناع الأعمال بعدم إلغاء المؤتمرات أو بإعادة فتح المصانع التي تقطعت سلاسل إمداداتها". وشكك الاقتصادي العالمي كذلك في جدوى سياسات التحفيز الكمي. وكان التعامل قد أوقف لليوم الثاني ببورصة وول ستريت، بعد أن خسر المؤشر حوالى 8.5% من قيمته عند الفتح. 

وكان البنك المركزي البريطاني "بنك إنكلترا"، آخر المصارف المركزية التي خفضت سعر الفائدة إلى أدنى مستوى في التاريخ البريطاني ضمن الخطوات المنسقة لتخفيف آثار الفيروس التاجي على الاقتصادات العالمية، حيث قرر المركزي البريطاني يوم الأربعاء خفض سعر الفائدة بمعدل نصف نقطة، ليتراجع السعر على الإسترليني من 0.75 إلى 0.25%، وذلك ضمن خطوات الحكومة لمكافحة تداعيات الفيروس على الاقتصاد. ويعد هذا أكبر خفض للفائدة يجريه المركزي البريطاني منذ أزمة المال العالمية في عام 2008.

ويسعى "بنك إنكلترا" من خلال هذا الخفض إلى دعم النمو الاقتصادي البريطاني المهزوز حالياً، ويقترب من الركود، وفقاً للإحصائيات الرسمية البريطانية.

وحسب أرقام مكتب الإحصاء البريطاني، تراجع معدل النمو الاقتصادي السنوي في بريطانيا إلى 0.8% في شهر يناير/ كانون الثاني. وإضافة إلى خفض الفائدة، أعلن البنك المركزي، وحسب بيانه أنه سيضخ تمويلات رخيصة في البنوك التجارية بنسبة الإقراض المنخفضة "0.25%" لمدة أربع سنوات، إضافة إلى تخفيضات استثنائية أخرى، على أمل أن تقوم البنوك بدورها في إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني حالياً من آثار فيروس "كوفيد 19".

ومن بين الإجراءات الأخرى التي أعلنها المركزي البريطاني لمساعدة الاقتصاد، تبني مرونة في متطلبات كفاية ونوعية رأس المال حتى تتمكن من الإقراض السهل للأفراد والأعمال التجارية. وقال محافظ المركزي البريطاني، مارك كارني، الأربعاء، إن هذه الخطوة ستتيح للبنوك التجارية منح قروضاً قيمتها 200 مليار جنيه إسترليني للشركات البريطانية.

ولا يرى كارني أن "تداعيات الفيروس كوفيد 19 على الاقتصاد العالمي تعادل تداعيات أزمة المال في العام 2008"، وذلك وفقاً للتصريحات التي أدلى بها عقب خفض سعر الفائدة البريطانية. وكان بنك أنكلترا قد دعا إلى تنسيق دولي بين البنوك المركزية والحكومات العالمية لتحفيز الاقتصاد.

وعلى الرغم من أن القرار وجد الترحيب من مجتمع الأعمال البريطاني والشركات، إلا أن هنالك شكوكاً في ما إذا كان سيجدي في محاربة تداعيات الفيروس المدمرة على الاقتصاد. ويرى اقتصاديون أن السياسة التقليدية في مكافحة هذا الفيروس ليست ذات جدوى، ولن تكون فعالة بسبب الطبيعة غير التقليدية لتداعيات الفيروس على الاقتصاد العالمي.

وكان مجلس الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي"، قد خفض الفائدة الأسبوع الماضي في تنسيق مع العديد من البنوك المركزي الكبرى بمعدل نصف نقطة. لكن يلاحظ أن أسواق المال العالمية تراجعت مباشرة بعد خفض الفائدة في بداية الأسبوع الماضي، كما يعكف الآن على تحفيز الاقتصاد البريطاني عبر ضخّ الأموال ومساعدة الشركات على تخطي ضائقتها المالية بدءاً من إبريل/نيسان المقبل. من جانبها أعلنت الخزانة البريطانية وضع حزمة قيمتها 30 مليار جنيه إسترليني لمساعدة الاقتصاد في الميزانية الجديدة.

وفي واشنطن، بعد خفض الفائدة نصف نقطة الذي أعلنه مصرف الاحتياط الفدرالي الأميركي الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة الأميركية اتخاذ إجراءات تحفيزية أخرى للاقتصاد الأميركي، من بينها خفض الضرائب على الشركات التي تأثرت بتفشي فيروس كورونا وخفض الضرائب على أجور الموظفين.

وكشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطوات اقتصادية لمواجهة الفيروس، لكن كلمته التي أدلى بها للشعب الأميركي لم تتضمن تفاصيل مرضية لأسواق المال التي كانت تنتظر المزيد من التحفيز المالي، وهو ما أدى إلى تراجع الدولار في تعاملات أمس الخميس. وقال موه سيونج سيم، الخبير الاستراتيجي في العملات ببنك سنغافورة: "كانت السوق تتطلع إلى المزيد من خطاب الرئيس ترامب".

وكشفت الحكومة اليابانية في بداية الأسبوع، عن حزمة تدابير نقدية ثانية قيمتها 430.8 مليار ين (4.1 مليارات دولار)، لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة للتصدي للتداعيات الناتجة من تفشي فيروس "كورونا".
دلالات
المساهمون