وكانت العمالة في السعودية أكبر مصدّر للنفط في العالم الأكثر تضررا خليجيا بسبب تهاوي إيراداتها المالية وتوقف معظم الأنشطة الاقتصادية بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لتدخلها العسكري في اليمن، فيما حلت الإمارات في المرتبة الثانية ثم تلتها الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمّان رغم الإجراءات التي اتخذتها هذه الدول لتقليل تداعيات الأزمة الاقتصادية والحفاظ على حقوق العمال.
السعودية
عاشت العمالة الوافدة في السعودية أوضاعا سيئة بسبب الإجراءات القاسية التي أقرتها السلطات من خلال فرض رسوم كبيرة على الأجانب العام الماضي، ثم جاءت أزمة تفشي كورونا لتفاقم أوضاعها بصورة أكبر، حيث تم تسريح مئات الآلاف من العمالة الوافدة والسعودية خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري، بحسب مركز الدراسات الاقتصادية الخليجية واطلعت عليها "العربي الجديد".
ومن جانبه، قال رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الاقتصادية، جاسر عبد العزيز، خلال اتصال عبر سكايب مع "العربي الجديد" إن المملكة تمضي إلى المجهول بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم مشكلات المواطنين والمقيمين وارتفاع الأسعار وضعف الإيرادات فضلا عن موجة تسريح العمال الوافدين.
وأوضح عبد العزيز أن عدد المواطنين السعوديين الذي تم الاستغناء عنهم خلال أزمة تفشي كورونا يبلغ مئات الآلاف خلال الربع الأول من 2020 بسبب خسائر القطاع الخاص السعودي جراء توقف الأعمال والحظر الجزئي في المملكة، مشيرا إلى أن اقتصاد البلاد سيحتاج إلى سنوات من أجل التخلص من آثار أزمة كورونا.
وجراء تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم عجز الميزانية وتراجع الإيرادات النفطية، اضطرت الحكومية السعودية إلى خفض الإنفاق العام بقيمة 13 مليار دولار، وتأجيل مشروعات البنية التحتية في المملكة، فيما أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن بلاده ستعتمد على الاقتراض والسحب من الاحتياطي في الجانب الأكبر من تمويل عجز الميزانية.
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي سعود الرشدان لـ "العربي الجديد" إن الحكومة السعودية مطالبة بإعادة النظر في البنود التي ترهق الميزانية. وأكد الرشدان أن التدخل السعودي في اليمن يستنزف موارد المملكة وتسبب في تأخر إقرار إصلاحات اقتصادية ومعالجة أزمة البطالة، فضلا عن الخسائر الكبيرة التي يتكبدها القطاع الخاص السعودي الذي يعتمد بصورة كبيرة على العمالة الوافدة. ويبلغ عدد الوافدين نحو 13.1 مليون شخص، من إجمالي سكان 34.5 مليون نسمة، حسب بيانات رسمية.
الإمارات
أوضاع العمالة الوافدة في الإمارات باتت متأزمة في ظل تفشي فيروس كورونا والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات وتسببت في غلق المرافق الاقتصادية بشكل كامل.
وعلى الرغم من العودة الخجولة للنشاط الاقتصادي في الإمارات مطلع الأسبوع الحالي، إلا أن المشهد لا يزال قاتما بالنسبة للعمالة الوافدة.
وتكبد الاقتصاد الإماراتي خسائر فادحة نتيجة تفشي فيروس كورونا وتراجع الإيرادات النفطية، وتوقف السياحة والخدمات اللوجستية وتجارة التجزئة والعقارات. وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي الإماراتي، عادل الهدابي، في اتصال عبر سكاي بي مع "العربي الجديد" إن العمالة الوافدة في الإمارات كانت الحلقة الأضعف حيث تم إنهاء خدمات عشرات الآلاف بصورة عشوائية بعد توقف النشاط الاقتصادي.
وأضاف الهدابي أن عمليات التسريح العشوائية للعمال في الإمارات ستؤثر على مستقبل الاقتصاد الإماراتي الذي يشهد ركودا غير مسبوق، لافتا إلى أنه أصبح هناك أزمة ثقة بين العمال وشركات القطاع الخاص التي ألقت بالعاملين إلى الشارع مع بداية أزمة كورونا.
ويقول أحمد خالد وهو وافد عربي من تونس لـ "العربي الجديد" أن الفندق الذي يعمل به أبلغه بالاستغناء عن خدماته مطلع إبريل/ نيسان الحالي، وأنه يريد العودة إلى بلاده في ظل فقدان مصدر دخله إلا أن تعليق حركة الطيران يحول دون ذلك.
ويؤكد خالد أنه ومعه العشرات الذين قدموا من تونس للالتحاق بالعمل في ذات الفندق قبل 8 أشهر، يرغبون في العودة بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
الكويت
أظهرت وثيقة حكومية صادرة عن إدارة الاقتصاد الكلي التابعة لمجلس الوزراء الكويتي، واطلعت عليها "العربي الجديد" أن الحكومة تدرس خططا للاستغناء عن 45 ألف وافد في القطاع الحكومي بهدف إحلال المواطنين بدلا منهم خلال عامين.
وحذرت الوثيقة من تفاقم أزمة البطالة بين صفوف المواطنين وخصوصا العاملين في القطاع الخاص، واستمرار تدهور الوضع الاقتصادي في ظل الانهيار غير المسبوق لأسعار النفط وتفاقم عجز الموازنة الذي من المتوقع أن يصل إلى نحو 55 مليار دولار العام الجاري.
كما كشفت وثيقة حكومية صادرة عن وزارة الشؤون الكويتية، اطلعت "العربي الجديد" على نسخة منها أن الحكومة الكويتية تدرس الاستغناء على مئات العمال الوافدين في إطار معالجة ملف التركيبة السكانية ومحاربة تجار الإقامات الذين تسببوا في تكدس العمالة السائبة.
ويقول الخبير الاقتصادي الكويتي مروان سلامة لـ "العربي الجديد" إن شركات قطاع خاص قامت بتسريح عشرات الآلاف من العمال بسبب توقف الأعمال، لافتا إلى أن الشركات حاولت تعويض وتقليل خسائر بالتخلص من العمالة والتوقف عن دفع رواتبهم.
وأكد سلامة أن الأوضاع بعد انتهاء أزمة كورونا لن تعود كما كانت من قبل، لافتا إلى أن الاقتصاد الكويتي قد يحتاج إلى ما بين عامين أو ثلاثة لاستعادة عافيته الأمر الذي قد يتسبب في تسريح المزيد من العمالة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ويقول خالد عبد المنعم لـ "العربي الجديد" وهو وافد مصري كان يعمل في إحدى شركات بيع الملابس إن هناك صعوبة في الاستمرار في البقاء بالكويت بعد إبلاغه بالاستغناء عن خدماته منذ شهرين بسبب إغلاق المتاجر والمجمعات التجارية.
قطر
رغم الإجراءات الحكومية لحماية حقوق العمال تضرر مئات الوافدين في قطر جراء توقف الكثير من الأنشطة الاقتصادية في ظل الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، وباتت هناك عمالة مصرية عالقة بعد إنهاء الشركات للتعاقد معهم ومنحهم مستحقاتهم كاملة، إلا أن الحكومة المصرية رفضت عودتهم.
وأصدرت وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية في قطر، تعليمات مؤقتة تشدد على التعاون بين العاملين وأصحاب العمل لتقليل الأضرار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الإجراءات الاحترازية المتخذة لمنع انتشار فيروس كورونا الجديد.
وألزمت الوزارة أصحاب العمل الذين يقومون بإنهاء عقود العمل، الامتثال التام لأحكام قانون العمل والعقد، بما في ذلك فترة الإخطار ودفع جميع المستحقّات المعلّقة، ومنها توفير تذكرة العودة إلى الوطن والسكن والطعام حتى إتمام عملية تسفيرهم.
البحرين وسلطنة عمان
امتددت جائحة كورونا إلى البحرين، إذ باتت فئة كبيرة من العمالة الأجنبية قلقة على لقمة عيشها، بسبب الآثار الاقتصادية التي خلفها هذا الفيروس القاتل. وبحسب إحصاء صادر عن هيئة تنظيم سوق العمل البحريني يصل عدد العمالة الأجنبية في القطاع الخاص، أكثر من نصف مليون عامل، إضافة إلى أكثر من ثمانين ألفاً تعترف السلطات رسمياً بإقامتهم في البلاد على نحو مخالف للقانون.
وفي 23 مارس/ آذار 2020، تقدَّم عدد من النواب البحرينيين باقتراح، بصفة الاستعجال، بشأن منح الحكومة، متمثلةً بهيئة تنظيم سوق العمل، العمالة السائبة مهلة لتصحيح أوضاعهم غير القانونية ومغادرة البحرين، لمنع انتشار فيروس كورونا، وبالفعل في 2 إبريل/نيسان، أطلقت هيئة تنظيم سوق العمل فترة سماح لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة بمختلف فئاتها.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير حديث لها إن العمال الوافدين في البحرين يتعرضون للتميز والانتهاكات من المجتمع البحريني بصفة عامة، مؤكدة أن هناك مئات الآلاف من العمال المهاجرين أغلبهم من جنوب آسيا يواجهون الاستغلال وانتهاك الحقوق في البحرين، رغم الإصلاحات الحكومية التي قصد بها حمايتهم.
تضررت العمالة في سلطنة عمان ولكن بدرجة أقل من باقي الدول الخليجية ويأتي ذلك وسط مساع من الحكومة لتعديل التركيبة السكانية لديها وذلك بهدف استيعاب مواطنيها الباحثين عن عمل.
وتظهر نتائج آخر تعداد سكاني في السلطنة أن إجمالي سكان السلطنة هو 2.7 مليون نسمة، منهم 1.951 مليون عماني، و749 ألف وافد بما يعادل 27.6% من إجمالي السكان.