يخشى العراقيون استمرار تأخر إقرار الموازنة العامة في بلادهم للعام الجاري 2020، لا سيما بعد تعطل التصويت لصالحها وتمريرها خلال الأشهر الماضية بسبب الاحتجاجات الجارية في البلاد والتي أسفرت عن اضطرابات سياسية انتهت باستقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي.
ورغم اختيار محمد توفيق علاوي لتشكيل حكومة مؤقتة تأخذ على عاتقها تمرير الموازنة بعد دراستها واختيار موعدٍ لانتخابات مبكرة، إلا أنه اعتذر أيضاً عن الاستمرار بمهمته التي كُلف بها، بسبب الضغوط الحزبية بشأن حصص الأحزاب من المناصب.
وفي حين لا تزال حكومة عبد المهدي على رأس السلطة، إلا أن الدستور العراقي لا يسمح لها بإرسال مشروع قانون "الموازنة المالية" إلى البرلمان، وهو نفس السيناريو الذي حدث عام 2014 مع حكومة نوري المالكي، التي أخفت موازنة سنة كاملة، واختفى ذكرها فيما بعد.
وتبلغ موازنة العام الجاري (وفق المشروع المقترح من الحكومة) 162 تريليون دينار (135 مليار دولار)، بعجز مالي مخطط يبلغ 48 تريليون دينار (40 مليار دولار)، منها ثلاثة تريليونات دينار (2.5 مليار دولار) لتنفيذ المشاريع المتفق عليها مع الصين، إلا أن الحكومة العراقية تأخرت في إرسال مشروع الموازنة من أجل إدراج القرارات الإصلاحية التي كلفت الدولة أكثر من عشرة تريليونات دينار (8.3 مليارات دولار).
ورغم أن عبد المهدي قد أكد، نهاية العام الماضي، أن حكومته بدأت بـ"وضع الأسس" لتكون موازنة 2020، "موازنة مشاريع" لم تشهدها البلاد منذ نحو قرن، إلا أن الواقع يتحدَّث عن "انتكاسة خطيرة" مقبلة على الاقتصاد العراقي، منها ما قد يستهدف مرتبات الموظفين، بحسب مصدر حكومي لـ"العربي الجديد".
وتتضح الأزمة الاقتصادية العراقية قبل الإعلان بشكلٍ رسمي عنها، عبر ما سُرب أخيراً من وثيقة وجهت إلى عدد من مؤسسات الدولة، تقترح وقفاً فورياً لأي علاوات في رواتب الموظفين، وتجميد جميع معاملات تعويض المتضررين لأي سبب كان.
وهذا التسريب أثار مخاوف بشأن قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها المالية، كما اقترحت الوثيقة "تجميد جميع العلاوات والترفيعات في جميع مفاصل الدولة"، بدءاً من مطلع العام الحالي، وهي بقيمة حوالي ثمانية مليارات دولار، مع "اعتبار أي إجراء بالتعاقد باطلاً، ما لم يشفع بقرار من مجلس الوزراء، وإيقاف جميع إجراءات تعويض المفصولين سياسياً في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية".
في السياق، قال مصدر بالدائرة القانونية لرئيس مجلس النواب العراقي، إن "موازنة 2020، ستكشف كل الأخطاء التي استترت عليها حكومة عبد المهدي، إرضاءً لبعض الأحزاب وتحديداً المقربة من طهران، والحركات السياسية المرتبطة بالحشد الشعبي، وحكومة إقليم كردستان".
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "عبد المهدي شعر بهذا الخطر، وقبل أيام قليلة من بدء الحراك الشعبي والاحتجاجات، كان يُفكر مع مستشاريه بإعادة هيكلة الموازنة واعتبارها موازنة عاجلة ليتم إقرارها، وتفادي بعض المشاكل التقنية، لكن سرعان ما جاءت التظاهرات في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتحوَّل الاهتمام الحكومي من ملف الموازنة إلى ملف إنهاء الاحتجاجات".
وتابع المصدر أن "حكومة عبد المهدي لتصريف الأعمال تعمل حالياً على تسيير الأمور المالية للعراقيين من مرتبات ومستحقات، من خلال قانون "الإدارة المالية" العراقي الذي يعني اقتراض وزارة المالية من البنك المركزي ما تحتاجه من أموال للمرتبات فقط".
وأوضح أن "هذا القانون لا يكفي لتسيير أمور الدوائر الطبية والخدمية لا سيما مع تفشي فيروس "كورونا" في البلاد، ناهيك بالأموال التي يتم تخصيصها لمواد الحصة التموينية، إضافة إلى الأموال الواجب توفيرها للنازحين والمهجرين"، فيما لم "تجر حكومة تصريف الأعمال في العراق أي نقاشات أو مباحثات بشأن موازنة 2020، منذ استقالة عبد المهدي".
من جهته، أشار المستشار المالي للحكومة العراقية المستقيلة مظهر محمد صالح، إلى أن "موازنة 2020 بحاجة إلى إعادة هيكلة وإجراء عملية جراحية لها، من خلال إلغاء الكثير من الفقرات غير الضرورية، وخاصة ما يرتبط بالإنفاق الكبير على مرتبات الدرجات الخاصة، وإعادة النظر بالامتيازات التي تحصل عليها بعض الشخصيات السياسية، أي أن الموازنة بحاجة إلى إعادة صياغة في ظل رؤية اقتصادية تستهدف تسيير أمور العراقيين لا الأحزاب".
وأوضح صالح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا التعديل بالموازنة يصطدم بطموحات الكتل السياسية، ولكنه ضروري بالنسبة للعراق، لا سيما مع استمرار انخفاض أسعار النفط؛ كما أن العجز المالي بات يُهدد الاقتصاد العراقي والذي قد يرتفع إلى أكثر من 50 مليار دولار، وهو ما يعني أن 70 في المائة من الموارد ستذهب إلى سد العجز".
برلمانياً، أكد عضو مجلس النواب المستقل باسم خشان، أن "الرؤية الاقتصادية في العراق خاطئة، وهي مستمرة على منهجها الخاطئ منذ عام 2004، والسلطات العراقية تنفذ ذات الرؤية وتدافع عن مصالح الأحزاب ومكتسباتها دون النظر إلى الجوانب الاقتصادية الأخرى، لا سيما المرتبطة بحياة العراقيين، بدليل أن طيلة السنوات الماضية لم تحقق أي معدلات تنمية تختلف عن النمو الاقتصادي، والتي تعني زيادة في رفاهية مستوى معيشة الفرد، وتحسن مستوى الخدمات مثل الصحة والتعليم والتكنولوجيا والكهرباء والمياه".
وأكد خشان، أن ما يحدث في العراق هو العكس، حيث يزداد الفقر، مشيراً لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تأخر تعديل بعض بنود الموازنة ومن ثم إقرارها، قد يكون متعمداً من قبل الحكومة، وذلك لمعاقبة الشعب الذي يتظاهر ضد الفساد، كما أنه يسمح بزيادة الفوضى والجريمة المنظمة وفتح باب السرقات بواسطة أحزاب السلطة".
وقالت الخبيرة الاقتصادية، سلام سمسيم إن "عدم إقرار الموازنة أجبر وزارة المالية على طلب سلفة من البنك المركزي لدفع الرواتب".