ذكرى مجزرة "رابعة": موسم التحريض في الإعلام المصري

14 اغسطس 2019
مناهضون للحكم العسكري يهربون من الغاز في ديسمبر2013(فرانس برس)
+ الخط -
قبل أيام من حلول الذكرى السادسة لمذبحة فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، بميدان رابعة العدوية، في الرابع عشر من أغسطس/ آب 2013، بدأ إعلام النظام المصري، مجددًا، التحريض ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم في مصر والعالم، وشيطنة المعتصمين والناجين منهم. 
حملة التحريض هذا العام، بدأت برعاية أمنية، على لسان رئيس المؤسسة العربية للدراسات الأمنية، العميد سمير راغب، الذي بادر بإطلاق تصريحات تلفزيونية لإحدى الفضائيات المصرية يوم 12 أغسطس/ آب الجاري، قال فيها "إن ما فعلته الدولة من فض هذه البؤرة الإجرامية، أمام وسائل الإعلام، أفضل شيء. وأن أفراد الجماعة الإرهابية (جماعة الإخوان المسلمين) كانوا يحملون الكلاشينكوف علاوة على الأسلحة البيضاء والسيوف والطبنجات وسلاح الخرطوش". وتابع الخبير الأمني تصريحاته "وقعت بعد الفض 104 حوادث في 22 محافظة خلال 16 ساعة، أي حادث كل 10 دقائق، والاعتداء على 18 كنيسة وديرا، و25 منزلا".

تصريحات راغب، الكاذبة، تلقّفتها وسائل الإعلام التي يسيطر عليها جهاز المخابرات العامة، وتتلقى الأوامر من الضابط أحمد شعبان، وكأنها وجدت صيدًا ثمينًا، بل واجتهدت في نشرها على نطاق واسع، رغم أنه بالبحث عن اسم "المؤسسة العربية للدراسات الأمنية" على محرك البحث "غوغل"، لن يقود إلا لتلك التصريحات الأخيرة لهذا العميد ومؤسسته، وأخبار محدودة أخرى في مواقع إخبارية مغمورة ومجهولة بتواريخ قريبة.

تقارير بعنوان "لا تنسى إرهاب الإخوان" و"موسم أكاذيب رابعة"، و"سبوبة ذكرى رابعة"، خرجت بها وسائل إعلام النظام، خلال الأيام القليلة الماضية، كما لم تغفل وسائل الإعلام بالطبع نشر تصريحات على لسان أعضاء بمجلس النواب وخبراء أمنيين، يشيدون بقرار الفض ويمجدون أكبر مذبحة بشرية بتاريخ مصر، تحت عناوين وعبارات من نوع "حسم النظام برئاسة عبد الفتاح السيسي"، و"استعادة هيبة الدولة والحرب على الإرهاب".

يُشار إلى أنّ تقديرات المنظمات الحقوقية والحكومية المصرية منها والدولية، اختلفت في تعداد ضحايا المذبحة، فالتقديرات تبدأ من 333 قتيلًا، بينهم 247 حالة معلومة و52 حالة مجهولة، و7 حالات من الشرطة، بحسب التقديرات الحكومية المصرية الصادرة عن وزارة الصحة ومصلحة الطب الشرعي، وتصل في بعض التقديرات الحقوقية المصرية لـ2200 حالة بحسب آخر إحصاء صادر عن مستشفى رابعة العدوية الميدان، بينما يرتفع العدد قليلًا لـ2600 قتيل بحسب ما أعلنته جماعة الإخوان المسلمين، آنذاك. بينما ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها الصادر 12 أغسطس/ آب 2014، أنّ عدد الضحايا هو 1150 قتيلاً، قبل أن ينخفض العدد في التقرير الصادر عن المنظمة ذاتها في 14 أغسطس 2015، لـ817 حالة.

سيناريو تحريضي جديد، يعيد إلى الأذهان ممارسات الإعلام المصري في صيف 2013، عندما تلقى التعليمات ببدء التحريض على المعتصمين وصدرت حينها تقارير صحافية تتحدث عن "الاعتصام المسلح" و"عمليات القتل والتعذيب أسفل منصة الاعتصام بميدان رابعة العدوية" و"احتواء الاعتصام على أسلحة كيماوية وصواريخ نقلت من سورية للاعتصام"، و"الاتجار بالأطفال في الاعتصام وانتشار الأمراض ونكاح الجهاد".

ووصل التحريض في الإعلام المصري إلى أوجه، يوم الفض، حيث خرجت معظم الصحف المصرية بعناوين احتفالية، منها "حرق مصر... معركة الجماعة الأخيرة" كما جاء في "الشروق"، و"معركة المصير.. الدولة أو الجماعة" في "المصري اليوم"، و"مصر تواجه الإخوان الإرهابيين" في "التحرير"، و"الإخوان يحرقون مصر" في "الوطن"، و"وانزاح كابوس الإخوان" في "الأخبار" الحكومية، و"مصر تستعيد هيبتها" في "الوفد".

وكان مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات قد أصدر دراسة عام 2016 من إعداد باسم جلال القاسم وربيع محمد الدنّان، وإشراف وتحرير محسن محمد صالح، بعنوان "مصر بين عهدين مرسي والسيسي: دراسة مقارنة"، أكدت فيها أن المشهد الإعلامي في مصر دخل مرحلة جديدة بالغة الدلالة والخطورة بعد عزل الرئيس مرسي، حيث تحول الإعلام بشكل واضح إلى أداة صريحة في الصراع السياسي بين السلطة الانتقالية الجديدة والإخوان المسلمين وأنصار الثورة والتغيير في مصر.

وحسب الدراسة "لم تقتصر سقطات الإعلام المصري على الجانب الرسمي منه، وإنما يتعداه بشكل أكبر الإعلام الخاص، فقد تعالت في الصحف ووسائل الإعلام داخل مصر دعوات إلى فض اعتصامات مؤيدي عودة الرئيس محمد مرسي بالقوة، وتضمن بعضها تحريضًا على العنف وسفك دماء المصريين. وواجه الإعلام انتقادات عنيفة بسبب خطابه التحريضي والعنصري. وتبنّى الإعلام حملات الشيطنة ضد المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة؛ حيث وصفهم تارة بالمغيبين والمخطوفين ذهنياً، وتارة أخرى بـ(الإرهابيين المسلحين)، وتارة ثالثة بالقتلة المجرمين الذين يقومون بتعذيب المواطنين ودفن جثامينهم تحت منصة ميدان رابعة. ونظرت أوساط ثقافية مصرية باستغراب إلى ما تصفه بالضحالة الفكرية لدى بعص النخب التي تتصدر المشهد الثقافي والإعلامي في مصر. وأعربت أوساط حقوقية وثقافية مصرية ودولية عن مخاوفها مما وصفته بأنه إمعان في التحريض والكراهية في وسائل إعلام مصرية حد إهانة شرائح واسعة من الشعب المصري".

الدراسة نفسها أشارت إلى تخصيص نحو 28 قناة مصرية رسمية وخاصة تغطيتها لفعاليات المظاهرات التي خرجت في العاصمة القاهرة والمحافظات الأخرى تجاوباً مع دعوة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، بالنزول إلى الميادين لتفويضه من أجل مواجهة ما سمّاه بـ"الإرهاب". وألغت هذه القنوات الرسمية والخاصة برامجها الرمضانية المعتادة، وركزت تغطيتها على فعاليات تلك المظاهرات. وخرجت هذه القنوات تحت شعارات شبه موحدة، فبينما استخدمت القنوات المصرية الرسمية شعاراً موحداً هو: "مصر ضد الإرهاب"، خرجت غالبية القنوات الخاصة بشعارات مشابهة.

وخلصت الدراسة إلى أنّه "كان الهدف الأساسي للإعلام المصري منذ الانقلاب وحتى 2013/8/14، هو القضاء على أي تعاطف مع المعتصمين وتلفيق اتهامات عديدة لهم تجعل الخلاص منهم أمنية يتمناها ملايين المصريين. وبدأت عملية تشويه الحراك المناهض للانقلاب واعتصام رابعة العدوية منذ الأيام الأولى له، لكنها تصاعدت يوما بعد يوم حتى وصل التحريض الإعلامي ذروته قبل عملية فض الاعتصام مباشرة".
المساهمون