الصحافة المصرية والصعيد: جدل "المهنية" و"القبلية"

16 فبراير 2020
النكات حول الصعيد ليست مستجدة في الإعلام (آن إيرميز/Getty)
+ الخط -

انتشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر أخيراً، تُظهر حماراً داخل أحد قطارات الصعيد، وسرعان ما انتقلت إلى الصحافة المحلية التي تناولت الواقعة من جانب مسؤولي قطاع السكك الحديدية ووزارة النقل. 

وكان مزارع مصري من قرية المريس في محافظة الأقصر في صعيد مصر استقلّ القطار من محطة قرية أبنود في قنا، واصطحب معه حماراً اشتراه من السوق في القطار القادم من نجع حمادي متجهاً إلى الأقصر. وعندما حاول موظف القطار إنزال الحمار، رفض المزارع، مهدداً بالانتحار إذا أُنزل حيوانه. وعند وصول القطار إلى محطة الأقصر، تحفّظ المسؤولون على الحمار وصاحبه الذي غُرّم 500 جنيه. 

لكن صحيفة "المساء"، التابعة لمؤسسة "الجمهورية" القومية المصرية، أرادت إضفاء زاوية أخرى لتغطيتها الخبرية، فأحدثت أزمة كبيرة بعنوان خبرها "صحيح صعيدي... ركب القطار المميز بحماره"، المنشور في 10 فبراير/شباط الحالي، ما جعل الأنظار تحيد عن الواقعة نفسها، وتتجه صوب "التهكم والتنمر" على أهل الصعيد في مصر، الملقبون بالصعايدة. 

ويفترى على "الصعيدي" بترويج أكذوبة أنه طالما موجود في أقصى الجنوب المصري فهو مغيّب عن الواقع وحضارة أهل الحَضَر في ملبسه ولهجته إلى نحو ذلك، وعليه ظهرت النكات التي تزال مستمرة إلى اليوم.
(فيسبوك)

وسرعان ما قررت "الهيئة الوطنية للصحافة" الحكومية، استدعاء رئيس تحرير "المساء"، خالد سكران، وإجراء تحقيق عاجل حول ما نشر في الصحيفة، واتخذت إجراءات مشددة بحق كل من له علاقة بهذا الخبر "المسيء". واعتذرت الهيئة عن الخطأ، وأكدت في بيان رسمي أنها "ستقف بحزم ضد كل صور الإساءة"، ودعت الصحافيين في الصحف الرسمية إلى "إعلاء شأن القيم والمبادئ ومواثيق الشرف الإعلامية". 

وقالت الهيئة في بيانها إن الصحيفة اتخذت قراراً بإيقاف مدير التحرير الذي تولى الإشراف على عدد يوم الإثنين في 10 فبراير/شباط، ومنعه من الإشراف على فترة المساء لمدة شهر، لـ "عدم التزامه بالدقة في نشر الخبر"، وخصم ثلاثة أيام من راتب محرر الخبر ومراجعته، واعتبرت الهيئة أن هذه الجزاءات غير كافية. 

كما قرر مجلس نقابة الصحافيين المصريين إحالة السكران إلى لجنة التحقيق النقابية، نظراً لما نُشر في الصحيفة التي يرأس تحريرها. 

وتماشياً مع قرارات الهيئة الوطنية للصحافة، ثار عدد من الإعلاميين المصريين الصعايدة على هذه الواقعة. وطالب الإعلامي والبرلماني المحسوب على النظام، مصطفى بكري، بمعاقبة المسؤولين في صحيفة "المساء"، وتقديم اعتذار عن العنوان الذي يحمل إسقاطاً سلبياً على أبناء الصعيد. وأضاف مصطفى بكري، في برنامجه "حقائق وأسرار" المذاع على قناة "صدى البلد"، أن "هذا العنوان دليل على إسقاط الأمر على المواطن الصعيدي، وأن كل الصعايدة يتسمون بالغباء، وهذا الكلام يدعو إلى الفتنة ويسيء إلى مصر بأكملها". 

كما شن الإعلامي الموالي للنظام، أحمد موسى، هجوما حاداً على الصحيفة، مطالباً الصعايدة بمقاطعتها لارتكابها "جريمة مهنية". وقال موسى أثناء تقديمه برنامج "على مسؤوليتي" عبر فضائية "صدى البلد" إن "صحيفة (المساء) أساءت للصعيد الذي أنجب قيادات وعلماء، ومن كتب العنوان المسيء ليس لديه فكرة عن الصحافة، ولا يستحق أن يكون عضواً في النقابة أو منتمياً لمؤسسة (الجمهورية)". واستنكر: "أين نقابة الصحافيين؟ ولماذا لم تتحرك؟ هناك أشخص اقتحموا مهنة الصحافة، وليسوا لهم علاقة بها، وكان يجب أن تسحب الطبعة من السوق عقب هذا العنوان". 

وأبدى عدد كبير من الصحافيين الصعايدة غضبهم من الخبر، واصفين إياه بـ "العنصرية"، وتساءل أحدهم "كيف مر هذا الخبر بصياغته الحالية على مسؤولي صحيفة (المساء) الحكومية، وصولاً إلى رئيس تحريرها خالد سكران، وهو يحمل كل هذه العنصرية والتهكم الفج". كما تداول عدد كبير منهم مقاطع فيديو للإعلاميين أحمد موسى ومصطفى بكري في تعليقيهما على الخبر، مشيدين بهذه "الوقفة الحازمة والتعليق الناري"، وفقاً لهم. 

في المقابل، أعرب عدد من الصحافيين عن رفضهم للقرارات العقابية التي طاولت الصحافيين والمسؤولين في "المساء". وقال الصحافي المصري حازم حسني "طبعاً أرفض أي إهانة لأي إنسان مصري أو غير مصري، صعيدي أو غير صعيدي. وأرى أن الخبر المنشور في (المساء) مسيء للصحافيين قبل الصعايدة، ومخالف تماماً لميثاق الشرف الصحافي؛ لكن التحقيق مع خالد السكران بخصوص الخبر المسيء في الهيئة الوطنية للصحافة أو المجلس الأعلى للإعلام مرفوض أيضاً. فبهذا الشكل ستحاكم الكلمة في المؤسسات القومية أمام المحاكم والشؤون القانونية بالمؤسسات والهيئة الوطنية للصحافة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الصحافيين، أي أمام خمس جهات تحقيق بخمسة قوانين". 

ورأى حسني أن الحل هو أن تكون نقابة الصحافيين وحدها المخول لها محاكمة الصحافيين وإصدار قرارات عقابية بحقهم، سواء عرض الأمر أمام القضاء أم لا، متسائلاً "لماذا يحاكم صحافي في مؤسسته وفي الهيئة الوطنية وفي النقابة وأمام القضاء؟ هذا تعسف واضح ضد الكلمة". 

واعتبر صحافيون آخرون أن القبلية تسبق المهنية في الصحافة المصرية، وأن المؤسسات القومية ونقابة الصحافيين والهيئة الوطنية للصحافة لم تثر في قضايا مهنية فجة كما ثارت لهذا العنوان الصحافي. وأشار صحافيون إلى أن هذه القبلية التي تحكم الصحافة وتسبق المهنية تبدو جلية في انتخابات نقابة الصحافيين، حيث يركز عدد من المرشحين على دعم أهل محافظته له كقاعدة انتخابية واسعة له تضمن له البقاء فترة طويلة في مجلس النقابة. 

وكانت أول نكتة ضمّت تنمراً على الصعايدة في الصحافة المصرية تلك التي نشرتها مجلة "المصور"، في عددها الصادر بتاريخ 11 فبراير/شباط عام 1927، حين كتب عبد الوهاب عمر الجندي، في باب "لطائف وفكاهات"، عن "صعيدي سأل الأفندي عن الساعة، فأجاب الأخير بقوله: الساعة 10 و10. ليرد الصعيدي بقوله: ومقادرش تقول 20". وطالما انتشرت النكات على الصعايدة في الصحافة والفن والأدب، ومستمرة إلى اليوم.

المساهمون