المخاض الأخير لتقييد حرية الصحافة المصرية

15 يوليو 2018
(فرانس برس)
+ الخط -
يقر مجلس النواب المصري خلال ساعات مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي يثير غضباً مكتوماً في أوساط العاملين بالمؤسسات الصحافية والقنوات الفضائية، وتسبب في أزمة داخل نقابة الصحافيين قد تنتهي باستقالة نصف أعضاء مجلس النقابة، بسبب القيود التي يفرضها المشروع على حرية الصحافة والسلطات الواسعة التي يمنحها لما يسمى بالمجلس الأعلى للإعلام والجهات الحكومية الأخرى على عمل الصحافيين، وصولاً لمنعهم من ممارسة أبسط التغطيات الصحافية في الشارع والالتقاء بالمواطنين والمسؤولين والتصوير في الأماكن العامة.

وقالت مصادر إعلامية مطلعة إن الأيام السبعة الماضية شهدت توسعاً في تعليمات الدائرة الاستخباراتية - الرقابية الخاصة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوسائل الإعلام، لمنع نشر أي مقالات أو حوارات تتطرق لانتقاد مشروع القانون أو تسعى لعرقلته، حيث أكد ممثلو هذه الدائرة أن "القانون سيصدر لا محالة قبل نهاية الدورة البرلمانية الحالية، حتى إذا اعترض مجلس نقابة الصحافيين" في الوقت الذي فشل فيه مجلس النقابة برئاسة عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الحكومية في التوصل لموقف موحد مؤيد أو معارض للمشروع، حيث يتمسك فريق من المجلس بمعارضته كاملاً، بينما يؤيده الفريق المنتمي للمؤسسات القومية الحكومية، وفتح هذا الانقسام الطريق أمام دائرة السيسي لتتقدم بثبات لتمرير القانون دون إدخال أي تعديلات جوهرية عليه.

ورغم تسجيل مجلس الدولة –وهو الجهة القضائية المنوط بها مراجعة القوانين دستورياً قبل إصدارها- عدداً من الملاحظات وشبهات عدم الدستورية على مشروع القانون، إلاّ أن الرأي الغالب في الحكومة ودائرة السيسي هو الأخذ ببعض الملاحظات التي لن تغير السياسة التشريعية للقانون، كالسماح بالطعن أمام القضاء الإداري على قرارات حجب وحظر المواقع الإلكترونية ووقفها عن مزاولة أنشطتها، وهي القرارات التي سيصدرها المجلس الأعلى للإعلام.

لكن مجلس الدولة لم يتطرق من قريب أو بعيد للمشاكل الرئيسية في القانون، والتي تتمثل أبرزها في السماح للمجلس الأعلى للإعلام –والذي يرأسه حالياً الكاتب الكهل مكرم محمد أحمد- بمنع المطبوعات والصحف والمواد الإعلامية والإعلانية الصادرة من الخارج أو الداخل المتهمة بنخبة من الجرائم ذات الصياغة المطاطة غير المحددة، كأن تنشر مواد إباحية أو تتعرض للأديان والمذاهب الدينية أو تكدر السلم العام، أو التي تحض على التمييز والعنف والعنصرية والتعصب، وذلك كله دون أي تحقيق قضائي، كما جاء في المادة الرابعة من المشروع.

أما المادة الخامسة من المشروع فهي تجعل المجلس الأعلى وصياً على جميع الوسائل الصحافية سواء المطبوعة أو المرئية أو الإلكترونية، بتحديد ما إذا كان استمرارها موافقاً للقانون أو أن عملها ينطوي على تمييز ديني أو مذهبي، أو التفرقة بسبب الجنس أو الأصل، أو على أساس طائفي أو عِرْقي، أو تعصب جَهوي، أو إلى ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو على نشاط ذى طابع سري، أو تحريض على الإباحية، أو على الكراهية أو العنف، أو تدعو إلى أي من ذلك أوتسمح به، وذلك أيضاً دون تحقيق قضائي.



كما التفت مجلس الدولة في ملاحظاته عن إخضاع الحسابات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي لهذا القانون، والتفت أيضاً عن منح المجلس الأعلى للإعلام دون تحقيق قضائي اتخاذ إجراءات عقابية ضد الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى وصفحات التواصل الاجتماعي إذا "نشر أو بث أخباراً كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب أو يتضمن طعناً في أعراض الأفراد أو سباً أو قذفاً لهم أو امتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية"، وهي عبارات مطاطة أيضاً لا يمكن التحقق من توافرها في الأحوال العادية إلا بالتحقيق.
وأقر القضاء المصري أيضاً مادة في هذا المشروع تمثل ردة عن المكاسب التي تحققت للجماعة الصحافية بعد ثورة 25 يناير كانون الثاني 2011، وتحديداً في فترة حكم الرئيس المنتخب المعزول محمد مرسي. فبعدما كان مرسي قد أصدر في أغسطس/آب 2012 قانوناً يحظر مطلقاً حبس الصحافيين احتياطياً على ذمة قضايا النشر، يجيز المشروع الجديد حبس الصحافيين احتياطياً في ثلاث جرائم هي: التحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، علماً بأن تطبيق هذه الجرائم سهل على أي ممارسات صحافية معارضة لتوجهات النظام الحاكم، قياساً بوقائع القضايا المنظورة حالياً للصحافيين في نيابة أمن الدولة العليا والمحاكم.

بينما أوضح مصدر برلماني أن الحكومة ستلتف على ملاحظة أثارها مجلس الدولة بشأن ما تنص عليه المادة الثانية عشرة من ضرورة حصول الصحافيين على تصاريح من المجلس الأعلى للإعلام أو الجهات الحكومية الأخرى، ليتمكنوا من ممارسة حقهم في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة وإجراء لقاءات مع المواطنين والتصوير في الأماكن العامة، حتى غير المحظور تصويرها، وهو ما يمثل قيداً على حرية الصحافة في صورتها الأولية بطبيعة الحال، وإزاء ذلك، تتجه الحكومة إلى تمرير النص بعد حذف عبارة "وذلك بعد الحصول على التصاريح اللازمة"، ووضع عبارة "طالما كان مسموحاً له ذلك بدون تصريح"، وبالتالي نقل الأمر لحوزة وزارة الداخلية باعتبارها المشرفة على تأمين الأماكن العامة، بحيث تصدر لاحقاً قرارات بضوابط إجراء اللقاءات مع المواطنين والتصوير في الأماكن العامة.

المساهمون