بثت منصة "نتفليكس" أخيراً، مسلسل Sweet tooth، الذي يستند إلى سلسلة كتب مصوّرة تحمل ذات الاسم، وفيه نتعرف إلى كائنات هجينة، حيوان- إنسان، ظهرت في عالمنا هذا، بعدما اجتاحه وباء فتاك لا علاج له. يُتّهم هؤلاء الهجناء بأنّهم سبب الوباء، لنرصد خلال الحلقات، كيف تحول الهجناء -الأطفال- إلى أقليّة ملاحقة ومطرودة، لأنّ "الأصحاء" عمدوا إلى اصطيادهم وقتلهم، ومن نجا منهم لا يتجاوز عمره الـ 15 عاماً.
أول ما يثير الاهتمام في المسلسل، وما شدّ كثيرين إليه منذ بث الفيديو الترويجي، هي اللطافة (Cuteness) التي يتمتع بها الأطفال، أولئك الذين يمتلكون خصائص بشرية وحيوانيّة.
هذه اللطافة، تنطبق عليها عبارة "ما أجمله، أريد امتلاكه حدّ الالتهام" وتختزل الرعب الذي يحويه "اللطيف" كونه يوحي بعنف ما، دفين، وهذا ما يوجهه الأطفال الهجناء، الذين يتحولون إلى أعداء "طبيعيين" للبشر، على الرغم من أنّهم لم يمارسوا العنف أبداً، ما دفع تومي، والد غاس الطفل الذي نصفه غزال ونصفه صبي، إلى الاختباء مع ابنه في متنزه طبيعي، لما يزيد عن عشر سنوات. هناك، أسسا حياة كاملة وحدهما، ولم يقابلا أحداً معزولين عن الخارج، ذاك الخطر المليء بالصيادين.
اللافت في الـ Cute أنّنا نعجز عن تحديد موقفنا منه، هم أطفال، لكنّهم ليسوا بشراً بصورة كليّة، خصوصاً أنّ بعضهم يمتلك شكلاً حيوانياً كاملاً. الأهم، هناك الاتهام بأنّهم مصدر الوباء الذي أطاح بنصف البشريّة. في الوقت نفسه، الدواء موجود فيهم، ولا بدّ من اصطيادهم. هذا الموقف المتناقض من الأطفال الـ Cute هو ما يكسب المسلسل جاذبيته البصريّة، نحن دوماً نترقّب ما سيقومون به، كيف سيتصرفون كأطفال وكحيوانات في مواجهة الخطر. في الوقت نفسه، إلى أي حدّ يستطيع هذا اللطيف تحريك "العنف" فينا نحن البشر... عنف يصل إلى حد الصيد والتباهي بعدد الرؤوس التي يمكن تعليقها على الجدار.
يقترح المسلسل نموذجاً لخلاص البشريّة... وباء يطيح بالعدد "الفائض"، ويقدم بديلاً عن البشر
يقترح المسلسل نموذجاً لخلاص البشريّة... وباء يطيح بالعدد "الفائض"، ويقدم بديلاً عن البشر، ما يعيد للأرض توازنها، إذ تنتشر الأشجار والمساحات الخضراء، ويتلاشى التلوث، ولم يعد البشر هم "سادة" الكوكب، بل ضحايا أفعالهم، هذه الطفرة التطورية الطبيعيّة، تقف على وجه النقيض من "التطور المنزلي" ذاك الذي ينتشر حالياً بين القراصنة الحيويّين الذين يستخدمون التعديل الجيني المنزلي CRISPR، ذاك التي يراهن الكثيرون على مستقبله المريب، وقدرته على دفع التطور إلى الأمام عبر تعديل جيناتنا ومزجها مع أخرى حيوانيّة، لكن الاختلاف أن مستقبل التطور المنزلي والتعديل الجيني، لا يضمن أنّ "الأرض" أو المساحة التي نحيا فيها، ستكون قادرة على استيعابنا. ربما هذا التدخل البشري في التطور، قد لا يعني العودة إلى التوازن و"الطبيعة الأم" بل ربما تنتظرنا نهاية لا يمكن توقعها، خصوصاً أنّ من يقوم بهذه التجارب هواة أو علماء مشكوك بنواياهم.
يظهر التطور الطبيعي في النموذج السابق، بوصفه امتداداً لتاريخ البشريّ في علاقته مع كوكب الأرض؛ تلك المساحة الحيوية الواعيّة، القادرة بعنفها على إعادة التوازن لنفسها وضبط عدد الأشخاص والكائنات على سطحها. المثير للاهتمام، في هذا النموذج، أنّنا لا نعود كبشر، في المستقبل الديستوبي، إلى حالة شديدة البدائيّة، بل نرى أنفسنا في عالم تطوره التكنولوجي يشابه الخمسينيات، حيث التكنولوجيا ليست متوافرة بكثرة، ووسائل الاتصال لا تتجاوز الراديو والتلفزيون ذا اللاقط، وبالطبع هناك كهرباء، لكن ليس في كلّ مكان.
هذا المستقبل، ينتقد الحال الذي نعيشه الآن، حيث كلّ شيء معدّ مسبقاً، وآنيّ، وقابل للتكميم والتحويل إلى بيانات يمكن بيعها. ذات الأمر في التطور الطبيّ، إذ حافظنا كبشر على جهازنا المناعي والتكنولوجيا الطبيّة التي نمتلكها، لكنّنا سنخسر تلك التي ساهمت في الحفاظ على أعدادنا وإطالة حياتنا، كاللقاحات والمضادات الحيويّة وأجهزة التنفس، ما يعني أنّ متوسط أعمار الأشخاص المفترض سيكون أقل ما هو عليه حالياً.
وهنا نعود لسؤال التطور، وجدوى الصناعة الطبية والدوائية التي ساهمت بتعديل أجسادنا، فنحن الآن ننجو في عالم غير صالح للحياة؛ الأمر الذي لا يثير الانتباه لدى الكثيرين، لكنّ هذه المؤسسات تتبنى ممارسات تستهلك الكوكب وما عليه، ما يتركنا أشبه بجراثيم تحاول النجاة في مستنقع تتناقص فيه تدريجياً احتمالات الحياة.