Awake... ساعة بيولوجية معطوبة

19 يونيو 2021
يُحرم أهل الأرض من النوم إثر كارثة طبيعية (نتفليكس)
+ الخط -

ليس هناك من كارثة أفظع من البشرية التي تصاب بصحوٍ دائم. فقدان القدرة على النوم، أي فقدان إحدى أهم حاجاتنا الطبيعية. فكرة تبدو جنونية، وفيها من القسوة ما يجعل الموت رحيمًا قياسًا بما يمكن أن يتخيله العقل والجسد من عذاب الاستيقاظ.

يدعونا الفيلم الأميركي Awake الذي بدأت شبكة "نتفليكس" بعرضه قبل أيام إلى جولة تخيّلية، في غمار هذه الكارثة الغريبة التي يبدو أن انفجارًا شمسيًا سببها، ما أدى إلى وقوع خلل في الساعة البيولوجية لدى الإنسان. دعوة تنقصها مهارة في المحاكاة وإبداع في الطرح.

يحاكي العمل بعض القضايا، وإن بدت متقطعة الأوصال. تمرير الأفكار على حساب الحبكة المقيضة جعل من قضية الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين تمر كمتنفس يعتمل في صدر المؤلف، في إلقاء اللوم على الصين، من دون استثمارها في خلق أزمة تصاعدية تمسك بالمشاهد وتفي الفكرة حقها. مجرد تمرير اتهامات مبطّنة حول الحادثة المجهولة التي ألمّت بالبشرية، وفقدت معها الأخيرة قدرتها على النوم. وهنا سيتكرر الأمر، في مشهد الكنيسة. ماتيلدا الطفلة الوحيدة التي تملك القدرة على النوم، تصبح مادة لاهوتية للتفسير والتكهنات ولممارسة الطقوس الدينية والروحانية. وهي دائرة تفتح النقاش الإنجيلي للاستفادة من معجزات الفتاة المسكينة.

الجميع في حالة اضطراب ذهني وقلق. وسيستثمر المخرج مارك راسو حلقة الجدال بين الشخصيات، ويحوّل الصراع الفكري والأخلاقي إلى معادلة جدلية أزلية، بنيانها الدين في مواجهة العلم. لكن حافلة الأزمة ستتوقف هنا، من دون أي تطورات. كما لو أن كل حالة درامية منفصلة عن الأخرى، تقودها حافلة مختلفة عن سابقتها وأسرع منها. وهذا ما جعل العمل يختنق بأوصاله المتقطعة.

أحداث العمل جاءت غير متوازية، تدور في فضاء مجهول. الزمن الدرامي مفقود، يقابله زمن واقعي في حالة ضياع وتشتت، ما سيثبط من طاقة العمل وتماسكه، وسيطوق التركيب الدرامي للشخصيات الأساسية، ويحد من تطورها والتماهي معها ومع صراعاتها. ناهيك عن الأخطاء الإخراجية والمشاهد التي لا ضرورة لها. جميع هذه العوامل ساهمت في خلق بنية درامية هشة تعوزها الدقة والنضج في التركيبة السينمائية للفيلم. لكن، قد نستحسن بعض المشاهد التي خرجت عن طور الشطط. كما في حالة المؤسسة الطبية العسكرية التي ستصل إليها البطلة جيل (جينا رودريغيز) برفقة ولديها نواه وماتيلدا، بغية العلاج نهاية المشوار.

فمنذ بداية الشريط، تصور لنا الأحداث أزمة إنسانية ذات أبعاد أخلاقية مشوهة، تسببت بها الكارثة. في إشارة إلى ما ينتج عن عدم النوم من انهيار في النظام الأخلاقي للبشرية، وسقوط للتوجيه السلوكي واللفظي للإنسان. والغاية النفسية والفكرية تتضح فيها بشكل معلن ومكثف تسوقها مستويات الوعي والإدراك لدى الإنسان بعد كشف النقاب عنها. فالاستيقاظ لأيام عدة نهايته الموت الذهني، ثم السلوكي، فالطبيعي. يتخلله تطور ذو أثر رجعي على الحالة الذهنية للإنسان وتصرفاته. فبعد ثمانٍ وأربعين ساعة من الصحو المتواصل، من دون نوم، سيفقد المرء التفكير النقدي وحدّة ذهنه. وبعد ست وتسعين ساعة، سيصاب بفشل الحركة يرافقها هلوسات ستسبب فوضى اجتماعية عارمة، ثم، بعد مدة أطول، ستتوقف أجهزة الجسم عن العمل، ويصاب بالشلل حتى يتوقف القلب عن العمل.

هذه الآثار عكست حالة الإرهاق والنعاس الذي كان باديًا على وجوه الشخصيات، إلى درجة سيسيطر الملل فيها على جميع حواسهم وتحركاتهم، ما سيخدم في تعزيز طاقة النص السلبية وشحوبه المهيمنين على الأحداث، قبل أن يخلق لنا الصراع الناجح والوحيد في مشهد المؤسسة الطبية، مساحة قصيرة للتحرر من الكآبة والملل وسير الأحداث المتسارع، من دون مقود إخراجي متناسق. في هذا المشهد الطويل، سنشهد تطورًا جيدًا في الصراع. الجميع أصبح في حالة هذيان مطلق. العسكر يقتتلون في ما بينهم من دون سبب. الكاميرا تتماهى بشكل متناسب مع الحالة النفسية للشخصيات وهلوساتها، فنرى غباشة وتقلبًا في حركة الكاميرا، وتنقلًا ديناميكيًا منتظمًا.

المساهمون