للسنة التاسعة يصدر المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) تقرير "هاشتاغ فلسطين" الذي يرصد كل عام انتهاكات الحقوق الرقمية إلى جانب العنف الافتراضي الذي يتعرض له الفلسطينيون، ومناصرو الحقوق الفلسطينية في الفضاء الرقمي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
التقرير الخاص بعام 2023 صدر يوم الأربعاء الماضي، وحللت فيه "حملة" أثر التطوّرات السياسية والميدانية على الحقوق الرقمية طيلة العام، خصوصاً في الربع الأخير أي بعد عملية طوفان الأقصى ثمّ حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.
العنف قبل وبعد العدوان
تتبع تقرير "هاشتاغ فلسطين 2023" الظروف التي أدت إلى زيادة الانتهاكات إلى جانب العنف الرقمي بشكلٍ تراكمي من خلال اعتماده على قاعدة بيانات المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية (حر) الذي وثق 4400 حالة انتهاك تنوعت ما بين إزالة وتقييد محتوى واختراق الحسابات، وصولاً إلى خطابات الكراهية و دعوات العنف والتحريض.
وبالأرقام أظهر التقرير أن 69 في المائة من هذه الانتهاكات تم توثيقها بعد السابع من أكتوبر الماضي. كما اعتمد التقرير أيضاً على رصد مؤشر العنف، وهو النموذج اللغوي المدعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي الذي طوره مركز حملة، ورصد ما يقارب ثلاثة ملايين محتوى عنف وكراهية وتحريض باللغة العبرية موجه ضد الفلسطينيين. إضافة إلى مراجعة المقالات الأكاديمية والمواد الإعلامية المحلية والإقليمية والدولية، والتشريعات العالمية الخاصة بحقوق الإنسان، ومقابلات مع خبراء في مجال حقوق الإنسان، وشراكات مع مختلف مؤسسات التحليل والرصد الرقمي.
عكس التقرير التحديات والأضرار الهائلة التي واجهها الفلسطينيون في قطاع غزة في مجال البنية التحتية الرقمية نتيجة الحصار المشدد والعدوان الإسرائيلي المستمر أكثر من 107 أيام، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية للاتصالات وبالتالي تعطيل خدمات الإنترنت في القطاع. كذلك رصد التقرير ارتفاع الرقابة والتحكم في الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال تطبيق السلطات الإسرائيلية تقنيات المراقبة الحديثة مثل "التعرّف إلى الوجه" ونشر نقاط التفتيش والحواجز.
وهو ما سبق أن أكدته منظمة العفو الدولية في أكثر من تقرير لها، أبرزها تقرير صادر مطلع شهر فبراير/شباط 2022 عن الفصل العنصري الذي يمارسه الاحتلال ضد الفلسطينيين. إذ أشارت المنظمة إلى أن إسرائيل أخضعت الفلسطينيين الموجودين ضمن الأراضي المحتلة عام 1948 لنظام من المراقبة والسيطرة قيَّد حرياتهم السياسية عمداً، وتعتمد لذلك على كاميرات المراقبة المثبّتة في مدن وأحياء في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
رقابة في السياسة والقانون
إضافة إلى ما سبق، ذكر تقرير "حملة" بعض الأحداث السياسية والقانونية التي حدثت خلال العام الماضي، وتناولها بتفاصيلها وتبعاتها: نذكر هنا تأسيس فريق لمكافحة "التحريض" بقيادة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي اتخذ إجراءات صارمة ضد الفلسطينيين وعمل على رصد وإزالة "المحتوى" التحريضي على شبكة الإنترنت وفتح تحقيقات جنائية. كذلك صادق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون مكافحة الإرهاب، الذي يمنح أجهزة الحكومة الإسرائيلية الأمنية سلطة ملاحقة وفرض عقوبات شديدة على المتهمين بالإطلاع بشكل منهجيّ ومنتظم على منشورات يعرفها القانون الإسرائيليّ على أنها "منظمات إرهابيّة".
أظهر التقرير أيضاً مؤشرات تثبت تزايد الاعتقالات التي تنفذها السلطات الإسرائيلية للمستخدمين، والناشطين، والصحافيين على منصات التواصل الاجتماعي، بناء على منشورات الرأي الخاصة بهم إثر العدوان الوحشي على قطاع غزة، وسلط الضوء أيضاً على ممارسات شركة ميتا التمييزية الملحوظة ضد المحتوى المنشور باللغة العربية على مختلف منصاتها، وتحقيقها للربح من خلال نشر المحتوى العنيف الممول باللغة العبرية.
التربّح من التحريض
منذ بدء العدوان وافق "فيسبوك" على عرض إعلانات تدعو إلى العنف ضد الفلسطينيين وتجرّدهم من إنسانيتهم، ضمن اختبار أجراه لمراقبة معايير الإشراف على المحتوى في المنصة المملوكة لشركة ميتا. وبحسب "حملة" فإن الدافع وراء إجراء الاختبار كان انتشار إعلانات إسرائيلية تدعو إلى طرد فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن واغتيال شخصيات عبر "فيسبوك" في وقتٍ سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، مشيرةً إلى أنّ النتيجة كانت "مثيرة للقلق"، وبيّنت أنّ "ميتا تربح مالياً من نشر المحتوى الضارّ على منصاتها".
وتضمنت الإعلانات المقدمة باللغتين العبرية والعربية، انتهاكات صارخة لسياسات "فيسبوك" والشركة الأم ميتا. احتوى بعضها على دعوات صريحة لقتل المدنيين الفلسطينيين، وعبارات مثل تنفيذ "محرقة للفلسطينيين" والقضاء على "نساء وأطفال وشيوخ غزة"، فيما وصّفت بعض الأخبار أطفال غزة بأنّهم "إرهابيو المستقبل".
ورأى مؤسّس "حملة"، نديم الناشف، في حديث مع موقع ذا إنترسبت الأميركي، أنّ "الموافقة على الإعلانات تُعَدّ الأحدث في سلسلة من إخفاقات ميتا تجاه الشعب الفلسطيني"، مضيفاً: "طوال هذه الأزمة، شهدنا نمطاً مستمراً من التحيز الواضح والتمييز ضد الفلسطينيين".
وقال الناشف إنّ فكرة الاختبار ظهرت بعد رؤيته الشهر الماضي إعلاناً خلال تصفحه "فيسبوك" يدعو صراحةً إلى اغتيال الناشط الأميركي بول لارودي، أحد مؤسسي حركة غزة الحرة. وجاء في الترجمة التلقائية لنص المنشور: "حان الوقت لاغتيال بول لارودي، الإرهابي المعادي للسامية والمدافع عن حقوق الإنسان من الولايات المتحدة".
وبالعودة إلى تقرير "هاشتاغ فلسطين"، فإنه بحث في نسخته لعام 2023 هامش حرية التعبير الذي وفرته شركة إكس على منصتها، مقارنة بهامش حرية نشر الخطابات العنيفة والضارة ضد الفلسطينيين باللغة العبرية التي انتشرت على المنصة بشكل هائل مقارنة بمنصات التواصل الاجتماعي الأخرى.
توصيات
لخص التقرير مجموعة من التوصيات المهمة لمواجهة التحديات الرقمية، تتعلق بضرورة تبني شركات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى سياسات فعالة لحماية حقوق الفلسطينيين الرقمية، مع التركيز على الشفافية القصوى في إدارة المحتوى وتحقيق التوازن اللازم بين التكنولوجيا وحقوق الإنسان. وأهمية عمل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات غير الربحية الفلسطينية على العمل التقاطعي من أجل حماية الحقوق الرقمية، ووجهت بعض التوصيات أيضا للسلطة الفلسطينية بشأن تكثيف التواصل الفعال للوزارات الفلسطينية ذات العلاقة والعمل لإنهاء التمييز الرقمي ضد الفلسطينيين، وتحسين السياسات والقوانين المتعلقة بالمساحات الرقمية والعمل على حماية وتعزيز السلامة والأمان الرقمي للفلسطينيين. ومن بعض توصيات التقرير لدول الطرف الثالث، الضغط العالمي على الحكومة الإسرائيلية لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، ومطالبة شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بوضع حد للسياسات التمييزية على بعض المنصات، والتزامها بمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي، إضافة إلى وقف استخدام تقنيات الرصد والتجسس وحظر بيعها من دون ضمانات كافية لحقوق الإنسان.