قبل سنوات اعتزلت نجاح سلام الغناء، لكنها لم تعتزل الأصدقاء الذين استمروا بزيارتها في منزلها البيروتي. صاحبة "برهوم حاكيني"، لم تغضب أحداً خلال مسيرتها، فعاشت حتى أيامها الأخيرة شغوفة بالفنون.
بداية التسعينيات عادت نجاح سلام إلى بيروت، بعدما حطت المدافع وانتهت الحرب اللبنانية، فكانت متحمسة جداً لانطلاقة تؤازر عهد رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي لم يتوان يوماً عن دعمها في المقابل.
بالإمكان الجزم أن جمهور نجاح سلام في القاهرة أكبر من جمهورها في لبنان، على الرغم من أن أغنية "ميّل يا غزيّل" (كلمات وألحان سامي الصيداوي)، تعتبر من أبرز الأغاني الشعبية التي يؤديها اللبنانيون في كل المناسبات. أغنية حفرت في ذاكرة التراث الشعبي لما تحتويه من كلمات شعبية تحاكي الشارع اللبناني (اسقيك فنجان قهوة، واعملك تبولة). كذلك فإن أغنيتها الثانية "برهوم حاكيني" (كلمات يوسف صالح وألحان فيلمون وهبي)، التي وسّعت قاعدتها الجماهيرية في لبنان، بعد نجاحها ودخولها عالم السينما والغناء في القاهرة.
لم تعتمد نجاح سلام على كامل ريبورتوارها الغنائي الخاص في معظم حفلاتها، فكانت تسرق الوقت لتغني مقاطع من أغاني أم كلثوم التي تقول إنها التقتها، وحزنت كثيراً يوم وفاتها. ومن الواضح أن تأثر سلام كان كبيراً بأغنيات كوكب الشرق، وهو ربما ما أثر على مسيرتها، مبعداً عنها الهوية الفنية الخاصة كما هو حال زميلتيها سعاد محمد وصباح.
في السينما شاركت نجاح سلام في أكثر من فيلم، جامعة بذلك الغناء والتمثيل، كما هو حال أغلب فنانات جيلها، مثل أم كلثوم ونور الهدى وصباح وشادية وغيرهن اللواتي قدمن سلسلة من الأفلام قامت عليها السينما المصرية وأثرت في تاريخ السينما العربية إلى اليوم.
طيلة سنوات شهرتها بنت نجاح سلام علاقات قوية مع الأنظمة العربية، كما قدّمت أغاني لشعوب عربية كثيرة، بعدما عبرت امتحان أنشودة "الوطن الأكبر" لمحمد عبد الوهاب بنجاح، لتكتسب بذلك ثقة الجمهور العربي.
قدمت نجاح سلام "سورية يا حبيبتي" و"قدسنا" و"قصيدة بغداد" و"أنشودة الفجر" وغيرها التي توجهت فيها إلى الشعوب والأرض العربية.
برحيل نجاح سلام يطوي زمن الأغنية العربية صفحة أخرى من تاريخه. البيروتية التي امتلكت واحداً من أفضل الأصوات، وعبرت بالفطرة السلم الموسيقي منذ أربعينيات القرن الماضي، حاربت لتصل بدعم والدها إلى مصاف النجومية، ثم اختارت شريكاً في القاهرة هو المخرج الراحل محمد سلمان (1923-1997)، الذي أدرك وعرف جيدا كيف يستثمر هذه الموهبة، ويعمل على تفعيل ثقة نجاح سلام بنفسها، ومنحها ما تستحق في السينما.
الأهم أن نجاح سلام رحلت من دون عوز، كاستثناء لم يعرفه أغلب الفنانين اللبنانيين.