الموت الذي ألقى بثقله على حياة السوريّين طيلة العقد الماضي، لازم الكتابة الروائية السورية أيضاً. ويعدّ الروائي السوري خالد خليفة الذي رحل مساء أمس السبت، أحد الكتّاب الذين قرأوا الموت السوري، وقد حاول باشتغالاته السردية بين أزمنة مختلفة، التمعُّن في الواقع الاجتماعي والتاريخي لسورية ككلّ، وخصوصاً لمدينته حلب.
الراحل من مواليد عام 1964، في قرية أورم الصغرى التابعة لمدينة حلب شمالي سورية، وتدرَّج في تعليمه حتى حصل على إجازة في الحقوق من جامعتها عام 1988. لكنّه أخذ مساراً مهنياً مختلفاً وانشغل في عالمِ الأدب مع إصدار روايته الأولى "حارس الخديعة" عام 1993.
لكن الخطوة الأكثر جدّية، والتي أضاءت مسيرة الراحل، وباتت محطّة يتذكّرها متابعوه وقرّاؤه، كانت مع المسلسلات التلفزيونية. ففي عقد التسعينيات بدأت تظهر ملامح أُولى لطفرة صناعة الدراما السورية، إذ صارت الكتابة تفتح لصاحبها نوافذ على جمهور عريض من خلال الشاشة الصغيرة، وفي هذا السياق وقّع عمله التلفزيوني الأوّل "سيرة آل الجلالي" (2000)، من إخراج هيثم حقّي.
وإن كان قد اعتمد في مسلسله هذا على عَرْض المجتمع الحلبي وتراث المدينة السورية من خلال عائلة آل الجلالي، فإنه حاول مع مسلسله الثاني "قوس قزح" (2001) أن يُكمل مشواره مع ابن مدينته هيثم حقّي، ولكن في إطار الدراما الاجتماعية المعاصرة هذه المرّة. وفي تلك الفترة، أيضاً، نشرَ روايته الثانية "دفاتر القرباط" (2000).
في عام 2006 نشر روايته "مديح الكراهية"، التي تناول فيها أحداثاً من التاريخ السياسي السوري بين عقدَي السبعينيات والثمانينيات، تُعدّ محظورة بعُرف النظام وسرعان مع منعت بعد أشهر من تداولها.
بعد الثورة السورية عام 2011، استمرّ خليفة بقراءة التحوّلات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها سورية في ظلّ هيمنة حزب البعث. حيث عرض للقمع الذي تعرّض له المجتمع السوري، كما في عمله "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" (2013)، ثم انتقل إلى الكتابة عن الموت الذي فرضته الحرب، وبات واقعاً يومياً من حياة السوريين، كما في روايته "الموت عمل شاق" (2016). قبل أن يعود بروايته الأخيرة "لم يُصلِّ عليهم أحد" (2019) إلى مدينته حلب قبل مئة عام، ليروي قصة لم تخرج بعيداً عن حضور الموت الثقيل في عوالمه، وإن اختار لها زمناً ماضياً، وإطاراً تاريخياً.
تابع خالد خليفة الكتابة للتلفزيون خلال العقدين الأوّلين من الألفية الجديدة، فقدّم "ظلّ امرأة" (2007)، و"العرّاب" (2016)، وتُرجمت أعماله الروائية إلى عدد من اللغات، وفازت روايته "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" بـ"جائزة نجيب محفوظ للرواية" التي تمنحها "الجامعة الأميركية" في القاهرة عام 2013.