"هنا ستجدُ نفسكَ تبحثُ مع آدم عن قاتلٍ هُلامي، وتعيشُ مع والدتهِ وهي تفكُّ ألغاز الحبّ المرسومة على البذلة العسكرية، وتحبو مع عزيز نحوَ النور في آخرِ نفق أحلامه، وستتناولُ جوعكَ مع أولئكَ الذينَ يعدُّون موائدَ أرواحهم على حوافِّ المدن، وستهتف للجموع، ستُغنّي معها كأنك اكتشفتَ فمكَ قبلَ ثانية، واحذر لأنك ستُحبّ وتشعر بالأمل".
هذه كلماتٌ من رواية "الأكسجين ليس للموتى" (2017)، وهي الكتاب السردي الأول للشاعرة الغزّاوية الشابة هبة أبو ندى التي استُشهدت أوّل أمس الجمعة، جرّاء القصف الهمجي لجيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة. كذلك شاركت الشهيدة في عدد من الإصدارات الشعرية المُشتركة، منها: "أبجدية القيد الأخير"، و"العصف المأكول"، و"شاعر غزة"، متناولةً قضايا تستنزف الإنسان المُحاصَر في غزّة منذ سبعة عشر عاماً، مازجة في أسلوبها مقاربات مختلفة عن الحبّ والحرب والتفاصيل اليومية.
وُلدت الشاعرة والمدوِّنة الفلسطينية عام 1991، لعائلة تنحدر من قرية بيت جرجا المُحتلّة، وحازت إجازة في الكيمياء الحيوية من "جامعة الأزهر" في غزّة، قبل أن تنشط في المجال التربوي، حيث عملت في مركز "رُسُل" التعليمي، فكانت قريبة من الأطفال وعوالمهم. لكنّ اهتمامها اللافت بالكتابة الإبداعية، وتوزُّع الأجناس الأدبية التي جرَّبتها، هو ما أضاء اسمها وموهبتها حقاً.
تعدّدت الأجناس الأدبية التي جرّبتها بين السرد والشعر والمقالة
انشغلت أبو ندى في روايتها (300 صفحة) بقضية العدالة، في محاولة منها للمَزج بين الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال، وما شهدته البلدان العربية من انتفاضات بعد عام 2011. يُصوّر العمل إرادة الشعوب، ورغبتها في العيش الحرّ الكريم، وما ارتكبته الأنظمة الاستبدادية من فظاعات في سبيل أن تبقى في السُّلطة. وتلجأ أبو ندى، لعرض هذه الفكرة، إلى "آدم"؛ بطل روايتها الذي تكتب عنه: "بزغَ آدم في أدَمة هذه الرواية من ذنْبٍ قديم مَنسيٍّ"، وكأننا نعود معه إلى زمنٍ بِكْر، لننطلق منه للبحث عن الحرية والعدالة و"قاتلٍ هُلامي"، لكنه معروف تماماً.
مع صبيحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، تحوّل حساب أبو ندى على فيسبوك، إلى ما وصفَته بـ"بيت عزاء"، سواء للأصدقاء الذين يقضون تحت القصف، أو للأهل والجيران وعموم أهالي غزة. تكتب، بُعيد ساعات من انطلاقة عملية "طوفان الأقصى": "أيُّ كاتب مجنون هذا الذي وضعَ كلّ الأحداث الصادمة في حلقة واحدة، لكنَّ شبابنا لا يُجيدون كتابة المسلسلات الخيالية. يُجيدون كتابة الواقع بالدم والنار! أيّتها الحلقة المهيبة لا تنتهي، كلّنا شهود الدهشة".
ودّعت أبو ندى، عبر فيسبوك، صديقتها الكاتبةَ الغزاوية مريم سمير التي استشهدت الخميس الماضي بالعدوان الإسرائيلي أيضاً، دون أن تستبعد صُحبتها قريباً في رحلتها الأبدية، فكانت هذه الكلمات آخر ما خطّته: "نحنُ في غزّة عند الله بين شهيد وشاهد على التحرير، وكلّنا ننتظر أين سنكون. كلّنا ننتظر اللهمّ وعدَك الحقّ".
يُشار إلى أن من جملة الشهداء في غزة كُتّاب وفنانون وشعراء شباب، كالتشكيلية هبة زقوت، والكاتب والفنان الشاب يوسف دواس، والمصوّر رشدي السراج، والفنان والناشط علي نسمان، والعشرات غيرهم.