- أكثر من 600 موظف في غوغل وأمازون يوقعون على رسالة تطالب بالتخلي عن رعاية "مايند ذا تِك" ويدينون مشروع "نيمبس" في "ذا غارديان" لتسهيله المراقبة غير القانونية وتوسيع المستوطنات.
- الاحتجاجات داخل غوغل تكشف عن توترات بشأن التعاون مع الجيش الإسرائيلي واستخدام التكنولوجيا في الأغراض العسكرية، مما يسلط الضوء على الصراع الأخلاقي بين الربحية والمسؤولية الاجتماعية.
خلال خطاب للمدير الإداري في الفرع الإسرائيلي لشركة غوغل، باراك ريجيف، في 4 مارس/آذار الماضي، في مدينة نيويورك الأميركية، احتج زميل له قائلاً: "أرفض إنتاج تكنولوجيا من شأنها تمكين الإبادة الجماعية والفصل العنصري". وكان المهندس إيدي هاتفيلد (23 عاماً) يحتج على مشروع "نيمبس"، وهو عقد حكومي إسرائيلي قيمته 1.2 مليار دولار للوصول إلى الخدمات السحابية من "غوغل" و"أمازون". وقال: "مشروع نيمبس يعرض أفراد المجتمع الفلسطيني للخطر... لا للفصل العنصري السحابي"، قبل إخراجه من المكان بعد مدة وجيزة. حين طرد هاتفيلد من الفعالية، علق ريجيف قائلاً: "أحد امتيازات العمل في شركة تمثل القيم الديمقراطية هو إعطاء مساحة لآراء مختلفة". بعد ثلاثة أيام، أعلنت "غوغل" طرد المهندس المحتج الذي لم تعلن هويته، مشيرة في بيان إلى أنه "بغض النظر عن المشكلة، فإن هذا السلوك غير مقبول وأُنهيت خدمة الموظف لانتهاكه سياساتنا".
وقع الحادث خلال فعاليات "مايند ذا تِك" Mind the Tech، وهو مؤتمر إسرائيلي سنوي للتكنولوجيا في نيويورك. وقبله، كان أكثر من 600 موظف في شركة غوغل وقعوا على رسالة موجهة إلى المسؤولين فيها، يطالبونها بالتخلي عن رعايتها مؤتمر "مايند ذا تِك" السنوي الذي يروج لصناعة التكنولوجيا الإسرائيلية. وهاتفيلد ناشط في مبادرة "لا تكنولوجيا للأبارتهايد" التي تضم الآن نحو 40 موظفاً في "غوغل" إلى جانب المئات من العاملين في قطاع التكنولوجيا.
وفي هذا السياق، كشفت مجلة تايم الأميركية، الاثنين، هوية المهندس الذي طرد من غوغل، وبينت أن الشعور بالغضب يتصاعد في أوساط موظفي "غوغل" بسبب مساعدتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدوانها المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استناداً إلى مقابلات أجرتها مع خمسة موظفين حاليين وخمسة موظفين سابقين في الشركة. وكشفت أيضاً أن اثنين من موظفي "غوغل" استقالا الشهر الماضي احتجاجاً على مشروع "نيمبس".
مشروع "نيمبس" بين "غوغل" و"أمازون"
مشروع "نيمبس" هو عقد وقع عام 2021، قيمته 1.2 مليار دولار، لتوفير خدمات سحابية إلكترونية للجيش والحكومة الإسرائيليين. وتسمح هذه التكنولوجيا بمزيد من المراقبة وجمع البيانات بشكل غير قانوني عن الفلسطينيين، وتسهل توسيع المستوطنات اليهودية غير القانونية على الأراضي الفلسطينية. وُقّع هذا العقد في نفس الأسبوع الذي هاجمت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيين في قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد ما يقرب من 250 شخصاً، من بينهم أكثر من 60 طفلاً.
وبموجب شروط العقد، لا تستطيع "غوغل" و"أمازون" منع أي جهة حكومية إسرائيلية، وبينها الجيش، من استخدام خدماتهما، ولا تستطيعان إلغاء العقد.
ذلك العام، نشر موظفون في "غوغل" و"أمازون" رسالة في صحيفة ذا غارديان البريطانية، عنوانها: "نحن موظفون في غوغل وأمازون. نحن ندين مشروع نيمبس". وأكد الموظفون الذين لم يكشفوا عن هويتهم، "خوفاً من الانتقام"، أنه "لا يمكنهم دعم قرار شركتيهم بتزويد الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية بتكنولوجيا تستخدم لإيذاء الفلسطينيين". وأوضحوا: "نكتب بصفتنا موظفين في غوغل وأمازون لديهم ضمير ومن خلفيات متنوعة، نحن نؤمن بأن التكنولوجيا التي نطورها يجب أن تسخر لخدمة الناس في كل مكان والارتقاء بهم".
ودعا الموظفون شركتي غوغل وأمازن للانسحاب من مشروع نيمبس الإسرائيلي، وقطع جميع العلاقات مع الجيش الإسرائيلي، مؤكدين التزامهم أخلاقياً بالتحدث علنا ضد انتهاكات قيم العمل. وكشفوا أن التكنولوجيا التي تعاقدت الشركتان على توفيرها لصالح إسرائيل ستجعل التمييز المنهجي والتهجير الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي أكثر قسوة وفتكاً بالفلسطينيين.
وتشير مستندات "غوغل" إلى أن خدماتها المقدمة لإسرائيل عبر سحابتها تتمتع بقدرات مثل اكتشاف الوجه المدعوم بالذكاء الاصطناعي والتصنيف الآلي للصور وتتبع الكائنات. والمشكلة أن أي تفاصيل إضافية حول العقد هي إما نادرة أو غير موجودة، في حين أن الكثير من إحباط الموظفين يكمن في ما يقولون إنه افتقار "غوغل" إلى الشفافية حول هذا المشروع.
احتجاج إيدي هاتفيلد
في حديث لمجلة تايم، قال إيدي هاتفيلد إنه نفذ احتجاجه خلال فعاليات "مايند ذا تِك" بعدما كان قد عبّر عن مخاوفه إزاء مشروع "نيمبس" للمسؤولين في "غوغل" من دون جدوى. وأضاف: "قال لي مديري إنني لا أستطيع أن أترك هذه المخاوف تؤثر على عملي، وهذا أمر مثير للسخرية، لأنني أعتبرها جزءاً من عملي. أحاول التأكد من أمان مستخدمي ما أعمل عليه. كيف يمكنني العمل على ما يُطلب مني القيام به، إذا كنت لا أعتقد أنه آمن"؟
بعد ثلاثة أيام من احتجاج هاتفيلد، استدعي لاجتماع مع مديره وممثل عن الموارد البشرية، وقيل له إنه أساء لصورة الشركة، وسيتم التخلي عن خدماته على الفور. طرد الشركة لهاتفيلد استفز زميلته فيدانا عبد الخالق. في 25 مارس/آذار، وجهت رسالة إلى المسؤولين في "غوغل"، وبينهم الرئيس التنفيذي ساندر بيتشاي، تعلن فيها استقالتها من عملها احتجاجاً على مشروع "نيمبس". وكتبت عبد الخالق التي كانت موظفة في قسم سياسة الثقة والسلامة: "لا أحد انضم إلى غوغل ليعمل على تكنولوجيا عسكرية هجومية"، وأشارت إلى أن أكثر من 13 ألف طفل قتلتهم الغارات الإسرائيلية منذ بدء العدوان، وذكرت أن قوات الاحتلال أطلقت النار على الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى شحنات المساعدات الإنسانية. وشددت على أن "غوغل"، من خلال مشروع "نيمبس"، "تساهم في هذه الفظائع".
وأشار موظفون حاليون وسابقون في الشركة إلى أنهم يخشون الاعتراض داخلياً على مشروع "نيمبس" أو دعم الفلسطينيين، بسبب ما وصفه البعض بالخوف من الانتقام. وقالت عبد الخالق: "أعرف مئات الأشخاص الذين يعارضون ما يحدث، ولكنهم يخافون خسارة وظائفهم أو اتخاذ إجراءات انتقامية بحقهم... إنهم خائفون". ورأت أن طرد الشركة لهاتفيد "انتقام مباشر وواضح... رسالة غوغل هي أنه علينا ألا نتحدث عن هذه المسألة".
"ديب مايند"
أعرب اثنان من الموظفين في "غوغل ديب مايند" Google DeepMind، قسم الذكاء الاصطناعي في الشركة، لـ"تايم"، عن مخاوفهما إزاء تقويض قدرة القسم على منع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة به للأغراض العسكرية، بعد إعادة الهيكلة في العام الماضي. عندما استحوذت الشركة العملاقة على "ديب مايند" عام 2014، ورد أن الأخيرة وقعت اتفاقية تنص على أن تقنياتها لن تُستخدم أبداً لأغراض عسكرية أو لأغراض المراقبة. لكن سلسلة من التغييرات في الإدارة انتهت بالتزام شركة ديب مايند بنفس مبادئ الذكاء الاصطناعي التي تنطبق على خدمات "غوغل". ولم تمنع هذه المبادئ الشركة من توقيع عقود عسكرية مربحة مع البنتاغون وإسرائيل.
وقال أحد موظفي "ديب مايند" للمجلة الأميركية: "على الرغم من أن ديب مايند ربما لم تكن مسرورة بالعمل في مجال الذكاء الاصطناعي العسكري أو العقود الدفاعية في الماضي، فإنني أعتقد أن هذا لم يعد قرارنا حقاً بعد الآن". وأوضح أن "غوغل ديب مايند" تطور نماذج ذكاء اصطناعي رائدة تُستخدم في منصة Vertex AI، التابعة لسحابة "غوغل"، والتي يمكن بيعها بعد ذلك إلى القطاع العام والعملاء الآخرين، وبينهم إسرائيل. ولم يرد متحدث باسم "غوغل" على أسئلة "تايم" بشأن "ديب مايند".