مواقع أثرية مصرية: جلسات التصوير لم تعد مجّانية

07 يونيو 2023
جانب من قلعة قايتباي الأثرية (فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت إدارة الآثار في محافظة الإسكندرية بدء موسم تصوير حفلات التخرج والتكريم داخل قلعة قايتباي الأثرية والمتاحف في المدينة الساحلية، وذلك بعد سداد الرسوم المقررة والحصول على موافقة الوزارة، ما أثار انتقادات بين المواطنين والمهتمين بالشأن الأثري.

بيان الصفحة الرسمية لإدارة الآثار اعتبر أن القرار يأتي في إطار مساعي وزارة السياحة والآثار لتوفير الإمكانيات الضرورية لتنفيذ أعمال الصيانة الدورية، وتقديم جميع الخدمات للزائرين، فيما اعتبره آخرون جباية جديدة تستهدف جيوب المواطنين وتحد من استغلال الأماكن السياحية.

كانت وزارة السياحة والآثار قد اعلنت عن أسعار تصاريح التصوير الفوتوغرافي وفيديو الزفاف والخطوبة في الأماكن الأثرية المفتوحة، وذلك بعد موافقة السلطات المختصة بغرض رفع كفاءة التمويل الذاتي، ولتأمين تكاليف صيانة وترميم المواقع الأثرية. وأوضحت الوزارة أن سعر جلسة تصوير لساعة واحدة في مواعيد العمل الرسمية يصل إلى 1500 جنيه (48.5 دولار أميركي)، أما التصوير في الأماكن الأثرية في غير مواعيد العمل الرسمية فيصل إلى 10 آلاف جنيه في الساعة الواحدة.

بدوره، أعلن مدير عام آثار الإسكندرية الإسلامية والقبطية واليهودية، محمد متولي، السماح لطلاب المدارس الأجنبية والدولية في محافظة الإسكندرية بتصوير جلسات التخرج والتكريم داخل المواقع الأثرية والمتاحف، بهدف زيادة الدخل ولتحسين جودة المنتج السياحي المصري. وأشار إلى أن قلعة قايتباي الأثرية استقبلت أربع جلسات تصوير لطلاب المدارس الدولية الأجنبية، فضلاً عن تصوير تكريم المتفوقين، بعد سداد الرسوم المقررة والحصول على موافقة الوزارة.

وأكد متولي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، وجود ضوابط عامة لجميع الأنشطة والتصوير والتسجيل الشخصي والإعلامي والوثائقي في المناطق الأثرية والمتاحف، "للحفاظ على الآثار والمظهر الحضاري"، ولفت إلى أن اختيار قلعة قايتباي لتصوير فاعليات تخرج الطلبة سببه شهرة القلعة كأهم معلم تاريخي في محافظات الواجهة البحرية. وأوضح أن قلعة قايتباي في منطقة بحري تشهد إقبالاً من الزائرين المصريين والعرب والأجانب، باعتبارها المقصد السياحي الأول والأكثر شهرة في الإسكندرية، كما أن "اختيار جلسة تصوير التخرج في معلم تاريخي يزيد الوعي الثقافي والأثري للطلبة بحضارة بلادهم، كما أنه يشجع على السياحة الداخلية".

في المقابل، انتقد مواطنون قرار فرض رسوم على جلسات التصوير في القلعة، ووصفوه بأنه جباية جديدة تفرض عليهم، إذ كان التصوير مسموحًا به ومجانيًا على مدار السنين قبل إصدار القرار. وقال محمد كمال عبد اللطيف (موظف حكومي، 43 سنة)، لـ"العربي الجديد"، إن القرار غير مدروس، إذ كانت القلعة مقصدًا هامًا لأي عروسين في يوم زفافهما، لإقامة جلسة تصوير مميزة في أهم مزارات الإسكندرية الأثرية، أما الآن فأصبحت بعيدة المنال. ورأى محمود السيد (طالب) أن رسوم التصوير مبالغ فيها جدًا، ويجب أن تكون مجانية، خاصة للطلاب أو حديثي التخرج، و"يجب ألا ننظر للمواقع الأثرية باعتبارها مصدرًا لزيادة الإيرادات، بل أن ننظر للمستقبل ونتعامل معها كدعاية وترويج للسياحة في بلادنا، ولن يحدث هذا إلا إذا سمحنا للمواطنين بالتصوير فيها، وترويج الصور في مواقع التواصل الاجتماعي". أما سمية عبد الرسول (معلمة لغة إنكليزية، 29 سنة)، فتساءلت: "هل أصبحت جيوب المواطنين هي المصدر الوحيد لزيادة الدخل لأي جهة حكومية؟"، ومنها تحصيل رسوم لزيارة بعض المواقع الأثرية، أو للسماح للطلاب بالتصوير، مضيفة أن "قلعة قايتباي هي أهم وأجمل المناطق الأثرية في المدينة، ولا بد أن يسمح للمواطن باستغلالها وزيارتها مجانًا، أو بمبالغ رمزية خاصة، وذلك لا يؤثر على سلامتها في شيء".

أما الخبير السياحي محمود بسيوني، فقال: "لا يوجد شك حيال أهمية زيارة المواقع التاريخية والأثرية، خاصة التي يرتادها الزوار والسياح إذا تم استغلالها بالشكل المناسب والصحيح، وليس تحويلها إلى قاعات أفراح وجلسات تصوير"، وأشار إلى أن التسويق السياحي وتوجه المسؤولين لتنفيذ خطط غير تقليدية داخل الأماكن الأثرية لتوفير موارد مالية لرفع كفاءة الخدمات فيها "يجب ألا يطغى على جهود تشجيع الإقبال على المعالم الأثرية التي تشتكي أصلًا من نقص وتراجع في عدد الزائرين، ولا سيما أن تلك القرارات تأتي على حساب المواطن المصري، وتساهم في إحجامه عن زيارتها، وقد تعرض الآثار للخطر". ورأى بسيوني أن "الحفاظ على تلك الآثار بمثابة الحفاظ على التاريخ، الأمر الذي يتطلب الترويج لاستقطاب السياح، والتعريف بالمعالم السياحية في البلاد، إلى جانب ضرورة زيادة مستوى التوعية وتعريف المواطنين بمختلف الأماكن التاريخية السياحية في البلاد، وهو ما يساهم بشكل كبير في تنشيط الحركة السياحية والحفاظ على هذا التراث".

قلعة "قايتباي" ثاني أهم القلاع الإسلامية التاريخية في مصر، إذ دافعت عن المدينة الساحلية طوال مئات السنين. كان قد أنشأها السلطان المملوكي أبو النصر الأشرف قايتباي ما بين عامي 1477 و1479، مكان فنار الإسكندرية القديم، وعلى أساسات الفنار الذي تهدم نهائيًا في سنة 1303، في عهد السلطان الناصر مُحمد بن قلاوون، وكان الغرض من بنائها حماية السواحل المصرية من الأخطار الخارجية، وأشرف على بنائها البدري ابن الكويزر والعلاء بن قاضي بك.

وتضم القلعة مسجدًا وفرنًا وطاحونة ومخازن للأسلحة ومقعدًا مطلًا على البحر لرؤية المراكب الداخلة إلى الميناء الشرقي، إضافة إلى السور الخارجي، والسور الداخلي (أنشأه محمد علي)، وقد تهدمت أجزاء كثيرة من القلعة حينما ضرب الإنكليز الإسكندرية في 11 يوليو/ تموز 1882، وأعيد بناء الأجزاء المهدمة وتم ترميم القلعة خلال فترات مختلفة.

المساهمون