مهرجان رام الله للرقص المعاصر: تمايلٌ على وقع الاحتلال والصدمات والقلق

25 يونيو 2023
من عرض "كار ت" لجمانة دعيبس (مهرجان رام الله للرقص المعاصر/فيسبوك)
+ الخط -

منذ العروض القصيرة قبيل الافتتاح الرسمي، استطاع الراقصون الفلسطينيون الاستحواذ على اهتمام جمهور مهرجان رام الله للرقص المعاصر، في دورته السابعة عشرة، والذي نظمته سرية رام الله الأولى.
في الساحة الخارجية لقصر رام الله الثقافي، حيث كان الافتتاح مساء الخامس عشر من يونيو/ حزيران الحالي، انتظمت ثلاثة عروض، كان أوّلها لطالبات من فرقة سرية رام الله الأولى كنّ قد شاركن في دورة تدريبية متخصصة في الرقص المعاصر في أكاديمية روما للرقص. وكان المهرجان قد استضاف عرضاً مشتركاً لهن، من تصميم الفنانين التونسيّين حفيظ ضو وعايشة مبارك. ومن واقع مشاركتهن في المهرجان، تأثرت الراقصات الإيطاليات، فقررن تصميم لوحات من الدبكة على طريقتهن الخاصة، وهي التي قدمتها راقصات فرقة سرية رام الله، من بين عروض الافتتاح القصيرة والمتعددة.
ولخصوصيّة العلاقة الفلسطينية بالبحر وارتباط الساحل الفلسطيني والتهجير منه بالذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، والتي تلقي بظلالها على بعض عروض المهرجان، عُرضت لوحة خاصة حول هذه العلاقة المعقدة، لا سيما في ظل سيطرة الاحتلال على بحرنا، والتحكم حتى بزيارات عابرة لسواحلنا، عبر سياساته في استصدار التصاريح. وهي لوحات قصيرة قدمتها فتيات فرقة سريّة رام الله أيضاً، في حين قدّمت الفنانة شادن أبو العسل، عبر فرقتها، لوحة من تصميمها حول النكبة، وتحديداً عن حكايات من قرية المنشيّة المُهجرّة، قرب عكّا، وهي جزء من عرض سابق لها حمل اسم "صدى".
وقدّمت فرقة "دناديش" لليافعين، في بهو القصر، لوحات من عرضها الذي قدمته لاحقاً ضمن فعاليات المهرجان، بما يشبه الترحيب بجمهور المهرجان، ولكن بلغة الجسد.
وحضرت الفنانة جمانة دعيبس، وتحديداً من داخل قاعة قصر رام الله الثقافي، وقبيل انطلاق فعاليّات المهرجان الرسمية، وبالاتكاء على المقاعد بين الجمهور، في لوحة راقصة حول تجربة تعافيها من المرض.
وفي عرض "هابيتوس"، في ثالث أيام المهرجان، صمّمه نضال عبده الفلسطيني، المولود في سورية لأب لاجئ وأم أوكرانية، كانت الهوية متأصلة بعمق في أجساد الراقصين، كما هو حال الشعور المتجسد بالذات. وشاركته الرقص الفلسطينية ريما برانسي والفرنسية كاتيل أوليير. ولكونه عايش حالة التهجير من سورية، ومن قبله والده في نكبة فلسطين عام 1948، والآن أقارب والدته في أوكرانيا، لم يكن غريباً أن يقدّم نضال عبده توثيقاً أدائياً لرحلات وذاكرات هؤلاء اللاجئين القدامى منهم والجدد، عبر لوحات عدّة، وباستخدام تقنيات متنوعة، ما جعل منه عرضاً مميزاً ومؤثراً.
وفي اليوم التالي، قدّمت الفنانة الفلسطينية سماء واكيم عرض مونودراما راقص بعنوان "تبّاً"، في مسرح مؤسسة عبد المحسن القطان في مدينة رام الله، شاركت في تصميمه وإخراجه مع الفنانة الفلسطينية الأميركية سمر حدّاد كينغ، والفنانة الفلسطينية نانسي مكعبل. وتسأل واكيم نفسها، على مدار أربعين دقيقة، عن تأثير النشأة في منطقة تعيش حروباً متواصلة على هويتها، بل وتحاول استكشاف تجليّات صدمة الأجيال السابقة في جسدها وعبره، من خلال الحركة والصوت، ففي رحلة نحو اللحظة التي بدأت فيها بالخوف على حريّتها، بدأ العرض يغوص في ذكريات نشأتها تحت الاحتلال، واستكشاف الحقائق المختلفة التي تعيش فيها، في عالم يتلاشى فيه الواقع والخيال أو يمتزجان. هذا العالم أنشئ في حواريّة مع تسجيلات حيّة تتلاحق وتسجيلات ميدانية وثقت من أنحاء فلسطين كافة منذ عام 2010، مصحوبة بغنائيات لواكيم تتنقل فيها كلاعبة سيرك على الحبل المعلق بين أكثر من زمان ومكان، بحثاً عن أمل في الحريّة.
عرض "حين يتذكر الجسد"، لفرقة شادن للرقص المعاصر من الناصرة، من تصميم وإخراج الفنانة الفلسطينية شادن أبو العسل، وموسيقى سعيد مراد، وأداء: عدنان عزام، وريما نصر الدين، وهيا خورية، وبياتريس ناصي، ودلفين أودين، يبحث في اضطراب ما بعد صدمة نكبة فلسطين، وتأثيرها العابر للأجيال، والذي يبدو كأنه نوع من العدوى، إذ يعشعش تحت جلد كل فرد عاش النكبة أو ورثها، بل تطفو على الجلد كمرض لا علاج له إلا بزوال الاحتلال، علاوة على العوارض الجانبية النفسية والجسدية، وصولاً إلى الجهاز العصبي الذي لا يزال يعاني الصدمة منذ خمسة وسبعين عاماً، مروراً بالجهاز التنفسي، والدورة الدموية، والأداء الهضمي، وآلام المفاصل وخاصة العمود الفقري، في حواريّة جسدية ما بين العقل والنفس والروح والحدس والغريزة والطاقة.
وفي عرض فرقة شمس الفلسطينية، قدّمت جمانة دعيبس من إخراجها وتصميمها وأدائها، برفقة ريبيكا قاعود ورمز صيام، عرض "كار ت"، ويصوّر ما بين أداء جسدي على المسرح وآخر عبر شاشة العرض، رحلة الشفاء الذاتي، ما بين مواجهة المخاوف والتصالح مع المرض، لجهة التمكن من الشفاء الحقيقي، وإيجاد الوسائل لعيش كل لحظة من الفرح كما هي.
وفي اليومين الأخيرين للمهرجان، قدمت فرقة سيرك فلسطين عرضاً قصيراً في اثنتي عشرة دقيقة عنوانه "ما بين وبين"، يتناول الظروف الحياتية الصعبة وتعقيدات الحياة، والاتكاء على الخيالات الوردية لعدم فقدان الأمل بحياة أفضل، بينما قدمت فرقة دناديش، وتتبع سرية رام الله الأولى، عرض "مخ مفتول"، من إخراج وتصميم هيلينا كرينال ونوّار سالم، وأداء ماليكا موسى، وسارة سالم، ومجد زلوم، ولانا حميدان، وإليانا حصري، وبتول أبو داوود، وهو عرض فنّي راقص يبرز التوتر والقلق الذي يعانيه المراهقون الفلسطينيون في حيواتهم اليومية.

أما العرض الختامي للمهرجان "أرى لا أرى" فجمع بين فرقة سرية رام الله الأولى للرقص المعاصر وفرقة "E" الأميركية، وهو من تصميم وإخراج روبين زاكري، بمشاركة الفلسطينية جمانة دعيبس، ويتناول الخطوط الجديدة للتواصل التي ظهرت جراء جائحة كوفيد -19، والتي اخترقت حدود الجغرافيات والسياسة، بحيث بات البشر أكثر تكافؤاً وتضامناً، نتيجة الصدمات المشتركة للوباء، فيما كان راقصون فلسطينيون شاركوا في عرض "مؤتمر الطيور" متعدد الجنسيات لفرقة أنيكايا، وهي شبكة من الفنانين بقيادة مصمّمة الرقص ويندي جيهلين.

المساهمون