إنْ يكن قرار تنظيم دورة جديدة لـ"مهرجان الجونة السينمائي"، بعد تأجيلين اثنين، "جريءٌ"، كما يحلو للبعض وصفه، في ظلّ حربٍ إسرائيلية ضد قطاع غزّة والضفة الغربية؛ أو أنْ يكون عادياً فللضرورة أحكامٌ، والضرورة تقول بأولوية إقامة الدورة سنوياً وفي موعدها الثابت أصلاً؛ فـ"الدورة الاستثنائية" تلك (14 ـ 21 ديسمبر/ كانون الأول 2023) تمرّ بهدوء ورويّة، من دون إضافة جديدٍ على برنامجٍ مُعدّ سلفاً للموعد الأصلي (13 ـ 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، بـ"استثناء" البرنامج الفلسطيني، "نافذة على فلسطين"، الملحّ في لحظةٍ حرجة كالتي يعيشها الفلسطينيون والفلسطينيات، منذ "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023) على الأقلّ.
أوصافٌ إيجابية ترد في مقالاتٍ وتعليقاتٍ، كما في كلامٍ يتردّد بين ضيوفٍ، مصريين ومصريات أولاً، يرون الإيجابيّ فقط، وهذا حسنٌ ومقبول، غالباً. لكنْ، هناك تغاضٍ عن سلبياتٍ، تتكرّر دورة تلو أخرى، وبعض السلبيات حاضرٌ في مهرجانات سينمائية عربية مختلفة، ولحضوره تأثير مؤذٍ، لكنْ لا أحد يكترث ولا أحد يجهد في تصحيحٍ أو تغيير، علماً أنّ سلبيات كهذه يُفترض بها، منطقياً وعملياً، ألّا تظهر، خاصةً أنّ ظهورها متكرّر في كلّ دورة.
أبرز تلك السلبيات ينكشف في تأخير، دائم، في توزيع "كاتالوغ" كلّ دورة، الذي يُعتَبر أحد أبرز اشتغالات المهرجان، لما يحتويه من معطيات أساسية يحتاج إليها الضيوف، خاصة أنّ إدارة "الجونة" تُكلِّف زملاء وزميلات بكتابة تعليقات نقدية عن كلّ فيلمٍ من تلك المختارة في المسابقات والبرامج كافةٍ، ولزملاء وزميلات مصداقية مهنيّة وثقافية وأخلاقية في التعاطي مع فنّ السينما وصناعته، ومع آليات تنظيم مهرجان ومتطلباته. أمّا كتابة التعليقات النقدية بحدّ ذاتها فمحتاجة، بدورها، إلى نقاشٍ، إذْ يتجاوز بعضها أصول المهنة، باتّخاذ مواقف نقدية بدلاً من الاكتفاء بتعليقات تقترب قليلاً من النقد، مع احتفاظها بمسافةٍ منه في آن واحدٍ. فالـ"كاتالوغ" ليس صحيفة أو مجلة أو موقعاً متخصّصاً، بل ترويج إعلامي ـ دعائي لأفلام كلّ دورة، ومن يوافق على الكتابة في مقابل بدل مالي، وهذا أبسط حقّ لمن يكتب، عليه أنْ يوافق أيضاً على التحرّر من سطوة الإيجابيات المطلقة، والسلبيات المطلقة أيضاً.
والتأخير في إصدار "كاتالوغ" الدورة الاستثنائية نلك، إذْ يحصل كالعادة، يُبرَّر بإضافة برنامج جديد (نافذة على فلسطين)، إلى تعديلات أخرى، ما يؤدّي إلى إعادة الطباعة، فالتأخير. الإضافة تحديداً لن تحول دون تأخير، مُتكرّر أصلاً، إنْ يُصطبع البرنامج بشكلٍ مستقلّ، ويوزّع مع الـ"كاتالوغ" مثلاً.
مأزق آخر يكشفه "أول عرض عالمي" لـ"آل شنب" (2023)، للمصرية أيتن أمين. شدّة بهتانه دافعٌ إلى تساؤل عن سبب اختياره للمسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، في لائحة تغيب عنها السينما العربية، باستثناء 3 أفلام أخرى من أصل 15 فيلماً، بعضها أهمّ وأعمق وأكثر إثارة لنقاشٍ سوي. يُقال إنّ هناك تنافساً كبيراً في الحصول على أفلامٍ عربية، تدفع مهرجانات سينمائية عربية عدّة مبالغ ("طائلة" أحياناً) للحصول على حقّ عرضها في مناسبة ثقافية ـ فنية كهذه (المهرجان)، فيعجز "مهرجان الجونة" عن الحصول على الأفضل والأجمل، غالباً.
لكنّ مشاركة "وداعاً جوليا" (2023)، للسوداني محمد كردفاني، متأتية من إنهائه (إنْ يصحّ التعبير) "رحلة" مهرجانات وجوائز، وهذا حسنٌ أيضاً، فلعلّ في "الجونة" من لم يُشاهده بعد. لكنّ هذا غير صالحٍ لحضور فاعل ومطلوب للسينما العربية، في مهرجانٍ يُقام في مدينةٍ عربية.
الأهمّ ألّا تتكرّر أخطاء يُمكن، بسهولةٍ، عدم ارتكابها دائماً. اختيار فيلمٍ مصري "سيئ"، فنياً وتقنياً ودرامياً وجمالياً، لإشراكه في مسابقة دولية، وفقط لأنّه "مصري"، وعلى مهرجان يُقام في مصر أنْ يكون له فيلمٌ مصري واحد على الأقلّ؛ اختيار كهذا خطأ فادح، يتمنّى مهتمّون ومهتمّات تجاوزه كلّياً.