منع مقالات في الصحف المصرية: الطوارئ لم تُلغَ

09 نوفمبر 2021
منذ سنوات، تمنع الصحف نشر مقالات رأي (كارستن كوال/Getty)
+ الخط -

في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلنت الطبيبة والكاتبة بسمة عبد العزيز، عبر حسابها الخاص على موقع التواصل "فيسبوك"، توقف نشر مقالاتها في جريدة "الشروق" المصرية الخاصة. كتبت بسمة عبد العزيز نصًا: "أعتذر عن توقف مقالتي الأسبوعية في جريدة الشروق.. الأسباب خارجة عن يدي.. دمتم بحرية". كانت جملة "دمتم بحرية" وحدها كافية لشرح الأسباب وكواليس القرار. فبسمة عبد العزيز، كاتبة مصرية وطبيبة نفسية وفنانة تشكيلية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، تُلقب بـ "المتمردة". ترجمت بعض أعمالها مثل روايتي "الطابور" و"هنا بدن" إلى اللغة الإنكليزية، وقد شمل إنتاجها الأدبي مجموعتين قصصيتين، ورواية، وثلاث دراسات نفسية واجتماعية، آخرها "ذاكرة القهر: دراسة حول منظومة التعذيب". هي معروفة في الأوساط الثقافية بكتاباتها الجريئة والتي ترتكز في أغلب الأحيان حول السلطة ومعاناة المواطن والمهمشين. دخلت ضمن قائمة مجلة "فورين بوليسي" لـ100 من قادة الفكر في العالم لعام 2016، وتم تكريمها في واشنطن.

كانت بسمة عبد العزيز، تكتب مقالاتها الأسبوعية بصفة دورية في جريدة "الشروق" منذ بدايات خروج الصحيفة للنور في 2009، إلى أن توقفت، أو بالأدق أوقفت عن الكتابة لصالح الجريدة التي يملكها رجل الأعمال وصاحب "دار الشروق" للنشر، إبراهيم المعلم. وعدت بسمة قراءها ومتابعيها بمواصلة الكتابة عبر حسابها الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، كحال غيرها من الكتاب، ممن منعوا من الكتابة على مدار السنوات الماضية، وخاصة من كتاب "الشروق" التي عرفت بتنوع صفحة الرأي فيها بشكل كبير، وكانت واحداً من المشاريع الصحافية الجادة في مصر قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وبعدها بسنوات قليلة.

هناك من كانوا أسوأ حظًا ممن منعت لهم مقالات بعينها، وتم نشرها على منصات التواصل الاجتماعي وفي صحف عربية أخرى، ومع ذلك آثروا الاستمرار والكتابة بالهامش الأضيق والسقف الأكثر انخفاضًا المستمر في الانحناء، مثل الكاتب الصحافي المصري، عبد الله السناوي، الذي منعت جريدة "الشروق" المصرية الخاصة، نشر مقال له يتناول قضية التطبيع، قبل نحو عام، وتحديدًا في 27 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. وكذلك أستاذ العلوم السياسية مصطفى السيد، الذي سبق أن منع مقاله بجريدة "الشروق" أيضًا، ومع ذلك وحتى موعد كتابة هذه السطور، لديهما عمود رأي في الصحيفة ذاتها.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أما من كانوا أصحاب مواقف صارمة مثل بسمة عبد العزيز، فمنهم الكاتب الصحافي المصري، حسام السكري، الذي أعلن في إبريل/نيسان الماضي من عام 2020، عبر حسابه الخاص على موقع "فيسبوك" توقفه عن كتابة مقالات في جريدة "الشروق" المصرية الخاصة، بسبب "ارتهان المجال العام والتضييق على الحريات، ومنها حريات الرأي والتعبير" على حد تعبيره. لتنضم بسمة ومن قبلها السكري، لسلسلة من أسماء كتاب الرأي الذين أرغموا على التوقف بسبب منع وحجب مقالاتهم، مثل الكاتب الصحافي المصري، عبد العظيم حماد، الذي منع من الكتابة في نفس الجريدة هو والكاتب الصحافي أيمن الصياد، في إبريل/نيسان ومايو/أيار 2019، ومن قبلهما بعدة سنوات، الكاتب الصحافي فهمي هويدي، الذي كان في طليعة الممنوعين من الكتابة والنشر، وانفرط العقد من بعده.

فبالعودة سبع سنوات إلى الوراء، يمكن التأكد من أن التضييق على الكتاب، بدأ مع منع الكاتب فهمي هويدي من السفر في 23 مايو/أيار 2014، في مطار القاهرة، ثم منع مقالاته من النشر. كما أن صحيفة "الأهرام" القومية، منعت نشر مقالات نادر الفرجاني في 25 مايو/أيار 2014 ويرجح أن يكون المنع على خلفية كتاباته المنتقدة لعبد الفتاح السيسي، وكان وزيرًا للدفاع آنذاك، حيث شبهه في أحد مقالاته الذي حمل عنوان “المشير وتوجهات الثورة”، والذي نشرته جريدة الأهرام بتاريخ 24 مارس/آذار 2014، بالرئيس المخلوع حسني مبارك في خطابه. كما منعت جريدة "الشروق" مقالا لبلال فضل بعنوان "الماريشال السياسي" في 2 فبراير/شباط 2014، وبعدها أعلن توقفه عن الكتابة للصحيفة، من خلال تدوينة قصيرة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". وحجبت صحيفة "الأهرام" مقالًا لأسامة الغزالي حرب بعنوان "لا للبشير" في مايو/أيار 2015. ومنعت صحيفة "الوطن" الخاصة مقالا للكاتب والأكاديمي، محمد فتحي في 29 مايو/أيار 2014. وتوالت قرارات المنع بعد ذلك.

ما يفرق حالة الطبيبة والكاتبة بسمة عبد العزيز، عن باقي حالات المنع والتضييق، أن قرار منعها هو الأول من نوعه منذ إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إنهاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد؛ حيث كانت هناك أحلام منصبة على هذا القرار، بفتح المجال العام وحدوث انفراجة سياسية؛ بعد بقاء مصر تحت حالة طوارئ دائمة على مر العصور. لكنّ ما شهدته السنوات الماضية من إصدار حزمة من القوانين؛ حول حالة الطوارئ الاستثنائية لحالة دائمة بموجب القانون؛ ليصبح استمرار حالة الطوارئ مرتبطا باستمرار تغييب القانون والدستور وارتكاب جرائم حقوقية غير مسبوقة، إنهاؤها يستوجب توقف القيادة السياسية عن قمع كافة أشكال حرية التعبير عن الرأي المنصوص عليها في الدستور المصري، والذي تعصف به الحكومة المصرية يوميًا من خلال ممارسات عدة، على رأسها إصدار قوانين وتعديلات دستورية معارضة له، بالإضافة إلى التوقف عن قمع المعارضة السياسية والحقوقية بكافة أشكالها، حسب موقف موحد من 8 منظمات حقوقية مصرية ودولية.

يشار هنا إلى أنه نظريًا كما هو منصوص عليه في القانون المصري، فإن إلغاء حالة الطوارئ، يعني بالتبعية "إلغاء الرقابة على الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات. وإلغاء الرقابة على الرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان أو مصادرتها".

المساهمون