تشغل الاختلالات في نظام توزيع إيرادات خدمات الموسيقى بالبث التدفقي بعض أبرز الفنانين خلال الفترة الأخيرة، سعياً نحو نظام أكثر عدلاً، بعدما علت أصوات الكثيرين حول العالم للشكوى من أوضاعهم المالية، بموازاة إعلان شركات الإنتاج عن أرباح قياسية.
وبيورن أولفايوس، أحد الأعضاء المؤسسين لفرقة "آبا" ABBA السويدية الشهيرة، يسعى إلى "إعادة التوازن للاقتصاد في قطاع الأغنيات". أولفايوس المشارك في إنتاج وكتابة وتأليف أكثرية نجاحات الفرقة الأسطورية في السبعينيات، انتُخب العام الماضي رئيساً لـ"الاتحاد الدولي لجمعيات المؤلفين والملحنين" الذي يمثل نحو أربعة ملايين مؤلف وناشر فني في العالم.
وشارك في كتابة تقرير، نُشر في إبريل/ نيسان الماضي، يعدد اقتراحات لإجراء تعديلات على طريقة توزيع إيرادات الأعمال الموسيقية. ويقول المغني إن أنظمة التوزيع الحالية تعطي "80 في المائة من الإيرادات إلى دريك وتايلور سويفت"، أما "موسيقيو الجاز النخبويون فلا يجنون سوى الفتات"، وذلك في حديث لوكالة "فرانس برس". ويضيف "لكن هناك ربما عشرة آلاف شخص يحبون" أعمال هؤلاء الفنانين الأقل شهرة، و"بالتالي يمكن أن يعيشوا من هذا المال إذا حصلوا عليه".
اقتراح بالانتقال إلى نموذج "مرتكز على السوق" بدل ذلك "المرتكز على المستخدمين"
يقترح التقرير الانتقال إلى نموذج "مرتكز على السوق" بدل ذلك "المرتكز على المستخدمين"، أي عدم توزيع الإيرادات على أساس عدد الاستماعات الإجمالي من مجموع المستخدمين، بل على أساس المشتركين. وبالتالي فإن اشتراك مستخدمين لا يستمعون إطلاقاً إلى أعمال دريك أو تايلور سويفت لن يدر عليهما أي إيرادات، خلافاً لما هو حاصل اليوم، بل سيصب لتمويل موسيقيين يختار هؤلاء المستخدمون الاستماع إليهم. كما يقترح التمييز خلال إعادة توزيع العائدات بين عدد الاستماعات "السلبية"، أي عبر قوائم التشغيل وتلك المرتبطة بعمليات بحث يجريها المستخدمون.
أظهرت دراسة أجرتها شركة "ديلويت" لحساب "المركز الوطني للموسيقى" في فرنسا، نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، أن مثل هذا الإصلاح قد يخفض بطريقة ملموسة العائدات التي يتقاضاها الفنانون العشرة الأكثر ربحاً، كما يزيد بنسبة 5.2 في المائة إيرادات الموسيقيين الذين يحتلون مرتبة متأخرة دون المركز الـ10 آلاف على قائمة الفنانين الأكثر استماعاً. وبينت الدراسة أن 10 في المائة من إجمالي إيرادات "سبوتيفاي" و"ديزر" أتت من عشرة نجوم فقط من أهم الأسماء في عالم الموسيقى حالياً.
10% من إجمالي إيرادات "سبوتيفاي" و"ديزر" أتت من عشرة نجوم فقط
في إبريل/ نيسان، كشفت شركة "آبل" أنها تدفع سنتاً واحداً من الدولار عن كل استماع على منصتها "آبل ميوزيك"، أي نحو ضعفي ما تدفعه "سبوتيفاي" التي قدّمت معلومات عن نموذجها للدفع منتصف شهر مارس/ آذار. غير أن المؤلفين والملحنين لا يتقاضون سوى جزء من هذا المبلغ الذي تستحوذ شركات الإنتاج على أكثريته. ومنذ أصبح البث التدفقي وسيلة الاستهلاك الطاغية في عالم الموسيقى (83 في المائة من الإيرادات المتأتية من القطاع الموسيقي في الولايات المتحدة)، يطالب فنانون كثر باعتماد نظام توزيع آخر.
ويقول بيورن أولفايوس إن نجاح أي إصلاح يعتمد بالدرجة الأولى على الشفافية وليس فقط على المنصات. ويعتبر أن المنظومة الخاصة بالقطاع الموسيقي حالياً تدفع مؤلفين وملحنين إلى "الانفصال عن أغنياتهم بسرعة فائقة" عبر التخلي عن حقوق المؤلف. منذ سنوات، بدأت شركات إنتاج وناشرون موسيقيون معركة للاستحواذ على حقوق المجموعات الموسيقية الكاملة لبعض من كبار الأسماء، كبوب ديلان وستيفي نيكس ونيل يونغ.
كذلك يؤثّر النموذج الاقتصادي الحالي في قطاع الموسيقى على المسار الإبداعي، و"كان له أثر هائل على نوع الأغنيات وتركيبتها"، وفق أولفايوس. وبات يتعين إنتاج أعداد أكبر من الأغنيات مع الابتعاد إلى أقصى حد عن المجازفة في الأنواع الموسيقية، لضمان تحصيل إيرادات.
في السياق نفسه، أطلقت "سبوتيفاي" موقعاً إلكترونياً جديداً في مارس/ آذار الماضي، يتناول الأسئلة بشأن طريقة تقاضي مالكي الحقوق مستحقاتهم. وقالت "سبوتيفاي"، على موقعها الجديد الذي يحمل عنوان "لاود أند كلير"، إن الفنانين يستحقون الوضوح بشأن المعايير الاقتصادية المعتمدة في قطاع الموسيقى بالبث التدفقي، موضحة أنها تهدف إلى "زيادة الشفافية عبر مشاركة بيانات جديدة حول اقتصاد البث التدفقي في العالم وتفسير نظام حقوق الملكية واللاعبين في القطاع والعملية" المعتمدة.
وأشارت إلى أن 13400 فنان حققوا إيرادات بلغت 50 ألف دولار أميركي أو أكثر العام الماضي، وحقق 7800 فنان أكثر من 100 ألف دولار أميركي. لكنها لفتت إلى أنها لا تدفع للفنانين أو مؤلفي الأغاني مباشرةً، بل تدفع لـ"أصحاب الحقوق".
وعادةً يحصل الفنانون الذين وقعوا مع شركات إنتاج كبرى على 20 في المائة فقط من هذه الإيرادات، وقد يتعين عليهم تقسيم الباقي بين أعضاء الفرقة والمديرين. وقد يكسب كثير منهم ما لا يتعدى عشرة آلاف دولار أميركي سنوياً، فقط في حال سددوا ديونهم الأولية للعلامات التجارية.
كذلك أبدت "سبوتيفاي" حذراً حيال اعتماد نموذج الدفع "المرتكز على المستخدم" الذي تصب فيه قيمة الاشتراك الشهري التي يدفعها كل مشترك (10 دولارات أميركية) لحساب الفنانين الذين يستمع إلى أعمالهم فقط، بدل تقسيمها على مجموعة كبيرة بالاستناد إلى عدد الاستماعات الإجمالي.
في المقابل، أصبحت "ساوندكلاود"، اعتباراً من الأول من إبريل/ نيسان، أول خدمة بث تدفقي تدفع أموالاً على أساس نموذج "مرتكز على المستخدم"، لكن فقط لمائة ألف فنان مستقل يحققون مداخيل مباشرة من الموقع. وقال المدير العام لـ"ساوندكلاود" مايكل فايسمان، لوكالة "فرانس برس"، إن "هذا طلب يتكرر منذ سنوات في القطاع. نحن سعداء لأننا أول من يقدم هذا الابتكار لدعم الفنانين".
تعمل منصات البث التدفقي الموسيقية حالياً، بينها "سبوتيفاي" و"ديزر"، على أساس اشتراك شهري يصل إلى 12 دولاراً أميركياً شهرياً، يصب جزء كبير منه لحساب الفنانين الذين تحصد أعمالهم النسبة الأعلى من الاستماع من المشتركين. ويواجه هذا النظام انتقادات من الفنانين، وهو يتعارض مع النموذج النظري القائم على عدد الاستماعات الفردية للمشتركين، ويشجع النظام النجوم الكبار مثل دريك وأريانا غراندي على حساب الفنانين الأقل انتشاراً.