أخيراً، طرحت منصة شاهد مسلسلها اللبناني – السوري الجديد "أقل من عادي"، للكاتبة يم مشهدي والمخرجة نور أرناؤوط، في تجربتها الإخراجية الأولى. يتشارك في بطولة العمل كارمن لبّس، وجهاد سعد، وهيا مرعشلي، ووسام صباغ، وميا سعيد، وطيف إبراهيم.
في "أقل من عادي" تختفي كل المعايير الدرامية التجارية المتبعة في المسلسلات اللبنانية – السورية المشتركة، إذ لا يعتمد على أسماء نجوم الصف الأول الذين احتلوا المشهد في السنوات الأخيرة. وبدلاً من الاعتماد على شكل الحبكة الدارجة في الدراما المشتركة التي تخلط بين الدراما البوليسية والرومانسية وتتسم بوجود حكاية مركزية، تعتمد على ثنائية النجم السوري والنجمة اللبنانية.
هكذا، يبني "أقل من عادي" حكايته بشكل مغاير ولامركزي، لتكون البطولة جماعية، وتتوزع الأدوار الرئيسية فيه على مجموعة من الممثلين، معظمهم من الوجوه الجديدة أو غير المألوفة في الدراما المشتركة. قد يكون لذلك أثر سلبي على تسويق المسلسل الذي لا يزال خارج قوائم الأكثر مشاهدة على المنصة. لكن ذلك لا ينفي جودة العمل وخصوصيته المتمثلة بالحوارات الممتعة التي تميز كتابات يم مشهدي، وبالأداء الجيد للعديد من الممثلين، ولا سيما طيف إبراهيم وإيلي متري ومي إبراهيم.
في مسلسلات يم مشهدي، عادةً، يبدو أن هناك خللاً ما في الحكاية، إذا ما قسناها وفقاً للحبكات الكلاسيكية. مسلسلاتها القديمة الأكثر شهرة والعالقة في ذاكرة الجمهور، مثل "تخت شرقي" و"قلم حمرا"، لا تتذكر الغالبية حكاياتها، رغم أن حواراتها لا تزال حاضرة ومتداولة على صفحات محبي الدراما في مواقع التواصل الاجتماعي.
و"أقل من عادي" ليس حالة استثنائية، بل هو كباقي أعمال مشهدي، حواراته تجذب الجمهور، ولكن حكايته باهتة، رغم أن الشخصيات والمناخ العام لا ينقصهما الزخم الدرامي. المسلسل يبدأ في ليلة عيد الميلاد، والحلقات الأولى تشهد العديد من الأحداث، كحفلات نهاية السنة وتحضيراتها، وإفلاس العائلة، وجريمة قتل، وفتاة تلغي حفل زفافها لأنها أحبت صديق العريس، وامرأة تهرب للاحتفاظ بطفل غير شرعي. وبالإضافة لكل هذا الحدث الرئيسي، المتمثل بوصول فتاتين من دمشق للم شمل عائلة نصف سورية نصف لبنانية، بنية العلاقات فيها معقدة للغاية.
الكثير من الأحداث نشهدها منذ البداية، ولكن بوتيرة بطيئة يشبه وتيرة الحياة الواقعية، ويضيع فيه إيقاع الدراما، ليكون "أقل من عادي" أكثر المسلسلات اللبنانية – السورية المشتركة واقعيةً منذ أن بدأت، رغم احتفاظه بالعديد من العناصر التي تميز هذه الدراما، أولها انتماء الشخصيات الرئيسية لطبقة الذوات التي حاولت مشهدي أن تقربها خطوة إلى الواقعية مع طرح مسألة الإفلاس وهواجسه.
أيضاً، تحافظ مشهدي على بنية العائلة في المسلسلات السورية - اللبنانية، ولكنها تمنطقها بعض الشيء وتستفيد منها لطرح قضايا غير مألوفة في هذا النمط الدرامي؛ فالعائلة الواحدة - هنا أيضاً - تتكون من سوريين ولبنانيين، ولا تملك لغة مشتركة. هذه البنية المألوفة في الدراما المشتركة تستفيد منها مشهدي لتتناول قضية العنصرية بين البلدين بخفة وانسيابية، ما كانتا لتتحققا لولا اعتياد المشاهد على هذه البنية الدرامية المختلة التي جعلت ما هو غير منطقي واقعاً درامياً.
الخلل في بنية الدراما المشتركة التي تبني عليها يم مشهدي عملها يزداد عمقاً بعد أن تتحول الأحداث إلى أمر روتيني في إيقاع الحياة الواقعية. هذا الأمر يبدو كسلاح ذي حدين، فهو يعطي مساحة كافية للممثلين ويلقي على عاتقهم مهمة إثبات وجود شخصياتهم التي قد تضيع في دوامة الإيقاع الواقعي وتشعب الحكايات إذا كان الأداء باهتاً، وتبرز إمكانيات الممثلين الذين يقدمون شخصياتهم بشكل مميز.