يعكس مركز رشاد الشوا الثقافي الصورة الحضارية والثقافية الممزوجة بالملامح القديمة لمدينة غزة، عبر احتضانه مختلف الأنشطة والفعاليات المحلية الفنية والثقافية والفصائلية، التي تتسم باللون الجماهيري والرسمي والمُجتمعي، ليغدو الساحة الثقافية الأبرز، منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي.
ويهتم القائمون على المركز برعايته وترميمه دورياً، للحفاظ على هيئته المعمارية الفريدة، خصوصاً في ظل نقص وجود المراكز الثقافية المُشابِهة التي يُمكنها استضافة الفعاليات والأنشطة المجتمعية والأهلية، بفعل الأزمات المتلاحقة التي يواجهها قطاع غزة، وفي مُقدمتها الاحتلال الإسرائيلي، والحصار المتواصل منذ سبعة عشر عاماً، والذي أثر بمختلف نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكذلك الثقافية.
وكان مركز رشاد الشوا الثقافي الأوّل من نوعه الذي يُبنى في فلسطين. ورشاد الشوا، الذي عمل رئيساً لبلدية غزة ما بين العامين 1972 و1975، هو العقل المُفكر لبناء هذا الصرح، وذلك بهدف إيجاد مكان في مدينة غزة يُمكن اعتباره بمثابة واجهتها الحضارية.
ومن بين الأسباب البارزة التي دفعت إلى بِناء المركز، مُحاولة المُساهمة في إنهاء العزلة الثقافية والحضارية التي عانى منها الفلسطينيون جراء الاحتلال الاسرائيلي الذي يُحاول على مدار الوقت شطب الهوية الحضارية، والثقافية والوطنية الفلسطينية، إلى جانب سرقة ملامح التراث والحضارة الفلسطينية.
ويوضح المدير العام للشؤون الثقافية والمراكز في بلدية غزة، عماد صيام، أن مركز رشاد الشوا الثقافي يعتبر أول مركز ثقافي على مستوى فلسطين، وقد سُمي بذلك نسبة إلى رئيس بلدية غزة السابق الذي سعى بشكل حثيث لإقامة المعلم الثقافي. ويُبين صيام، لـ"العربي الجديد"، أنّ المركز أُقيم بأموال أهالي قِطاع غزة، من خلال الهيئة الخيرية، إذ كانوا يدفعون رسوماً مقابل الخروج إلى المملكة الأردنية، ولكن بعد حَل الهيئة، استُغلّ المبلغ الباقي في صندوقها لبناء المركز الثقافي غير الربحي.
وتَصِل مساحة الأرض الخاصة بالمركز إلى سبعة دونمات، فيما تصِل مساحة البناء إلى ثلاثة دونمات، ويشتمل الطابق الأرضي على مطبعة. وكانت أرباح المطبوعات تذهب إلى دعم الخدمات الأساسية للمركز. أما الطابق الأول، فيضم ثلاث قاعات رئيسية، تشتمل القاعة الكبرى على مسرح.
وبُني المركز في الجهة المُقابِلة للمجلس التشريعي الفلسطيني من الناحية الغربية، على مُفترق طُرق رئيسي غربي مدينة غزة، يقطع شارع النصر مع شارع عُمر المُختار الذي يؤدي إلى مدينة غزة القديمة، التي تُعد من أقدم مُدن العالم، وأغناها بالآثار القديمة، الموجودة في مختلف مناطقها.
ويتكوّن المبنى من طابقين بسقف مثلث، ويضم المركز داخله مكاناً للاجتماع، حيث يلتقي الناس للاحتفالات، ويضم بين جنباته العديد من القاعات متعددة الاستخدام، بالإضافة إلى مسرح، واستراحة خاصة، ومكتبة، وقد رشح عام 1992 للحصول على جائزة الأغا خان للإبداع في الهندسة المعمارية.
وفي الجانِب الأيمن للمبنى من الداخل، لحظة صعود الدرج للطابق الأول، تأسس المقهى الثقافي الذي يحتضن الفعاليات الثقافية مجاناً، وذلك بهدف تفعيل المشهد الثقافي، من خلال الفعاليات والأنشطة المتنوعة، مثل الندوات وقراءة ومناقشة الكتب، والمُحاضرات، واللقاءات الشعرية، فيما يشتمل الطابق الثاني على المكاتب الإدارية، ومكتبة ديانا تماري صباغ، وتضم نحو 60 ألف كِتاب، تشمل أمهات الكتب، وهي عامة ومفتوحة للجميع للاستعارة مقابل اشتراكات رمزية، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى زوجة رجل أعمال فلسطيني أنشأها وفاءً لزوجته القعيدة.
وبدأت فكرة تأسيس المركز وتصميم الخرائط المعمارية والهندسية عام 1978، وكان المركز جاهزاً عام 1985، فيما بدأ عمل المطبعة عام 1986، أما الانطلاقة العملية للمركز لاستقبال الفعاليات والأنشطة فقد بدأت مع حلول عام 1990، وبلغ ذروة نشاطه مع قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة عام 1994، عبر إحياء الفعاليات الوطنية.
وكغيره من المؤسسات، يواجِه المركز، الذي أُسِس لإزالة العزلة وتعزيز المشهد الثقافي، عُزلة غزة عن العالم، بفعل تواصل الحِصار الإسرائيلي، إلى جانب الوضع الاقتصادي الذي أرخى بظلاله على الناحية الاجتماعية والثقافية، وأدى إلى عزوف الناس عن متابعة الأنشطة الثقافية، واتجاههم لتوفير متطلباتهم الأساسية.
ويُعاني المركز الذي يستقبل الفعاليات الثقافية المُختلفة، إلى جانب الفعاليات الوطنية، من تصدُع بعض مرافقه بفعل قصف مُجاوِر طاول المجلس التشريعي الفلسطيني، في العدوان الإسرائيلي الأول على قطاع غزة، وتتواصل عمليات صيانة المبنى الخرساني في سبيل مواصلة الحِفاظ على المشهد الثقافي.