مراسلو الضفة والقدس: شيء من ظروف العمل منذ "طوفان الأقصى"

31 أكتوبر 2023
في مدينة نابلس (ناصر اشتية/ Getty)
+ الخط -

"نبحث عن مكان بعيد نسبيّاً عن الشارع، بين الأشجار أو على تلال أو مطلّات، كي لا نتعرض لاعتداءات المستوطنين واستهدافات جنود الاحتلال، سواء كنّا في الضفة الغربية، أو عند الحدود الجنوبية؛ أي بالقرب من قطاع غزة، أو عند الحدود الشمالية بالقرب من لبنان".

ما تفعله مراسلة التلفزيون العربي في القدس، كريستين ريناوي، ينسحب على غالبية الصحافيات والصحافيين العاملين في الميدان، أو على خط النار، في الضفة. تلفت ريناوي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "العمل الصحافي الميداني في فلسطين صعب في كل الأماكن والأوقات، ولكن ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، بات عملنا أكثر صعوبة، فالاستفار الكبير ليس فقط في صفوف الجنود الإسرائيليين، بل أيضاً من المستوطنين الذين يعتدون على كل من يحمل شعار قناة عربية، أو يتحدث بالعربية. في كلّ مكان كنّا نصور فيه على الحدود مع غزة، كان يتم إبعادنا بالقوّة، أو منعنا من التصوير، أو التحقيق معنا ميدانيّاً، حتى أنه تم طردي على الهواء مباشرة ذات مرّة، وزميلي أحمد دراوشة تعرض لتهديد من أحد عناصر الأمن المسلحين على الهواء مباشرة أيضاً".

تصف ريناوي ما يحدث مع الصحافيين بـ"الانتقام". وتشير إلى أن ما ينطبق على الصحافي ينطبق على كل الفلسطينيين في مختلف المناطق، حتى على مستوى التعبير في مواقع التواصل الاجتماعي: "نحن نعاني من صعوبات كبيرة للغاية، ونعمل في ظرف خطير، لكن بطبيعة الحال فإن الأمر لا يمكن مقارنته بعمل زملائنا في غزة". تختتم ريناوي حديثها لـ"العربي الجديد" بالقول: "صحيح أنني منذ اندلاع الحرب لم ألتقِ بأسرتي، لكنّي مطمئنة إلى حد كبير أنهم بخير، لكن الصحافيين في غزة يعملون، ليس فقط من دون أن يلتقوا بأسرهم، بل ومن دون الاطمئنان عليهم. بعضهم كان يطلب استراحة قصيرة ليؤمّن لأسرته الخبز والماء إن تمكن، أو مكاناً للإيواء، وأكبر دليل على ذلك ما حصل مع أسرة الزميل وائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة في غزة".

بدوره، يؤكد مراسل تلفزيون فلسطين في نابلس وشمال الضفة الغربية، بكر عبد الحق، في حديث إلى "العربي الجديد" أنه "منذ اليوم الأول للحرب، ونحن نعيش في حالة طوارئ. نحضر في الميدان طوال الوقت، حيث الشهداء برصاص جيش الاحتلال والمستوطنين، وحيث الحصار عبر الحواجز العسكرية، والمواجهات المستمرة، والاجتياحات والاعتقالات".

يضيف: "تعيش نابلس ظروفاً استثنائية منذ قرابة عامين، سواء في ما يتعلق بالاقتحامات، وعمليات الاغتيال، واقتحام المدينة وحصارها، إضافة إلى الواقع الاستيطاني في جنوب المدينة. بعد السابع من أكتوبر، باتت عملية التنقل من وإلى نابلس أكثر صعوبة وخطورة، خاصة مع تهديدات المستوطنين واستهداف كل من هو فلسطيني، ما دفعنا إلى تغيير قواعد العمل فيما يتعلق بالتغطيات الميدانية خارج حدود نابلس كمحافظة، والتركيز على الجانب الإنساني في المستشفيات وداخل المدينة، أي بعيداً عن الحواجز العسكرية الإسرائيلية".

يوضح: "نحن كما غيرنا مستهدفون في ظل إعلان الاحتلال الحرب، وتطبيقه قوانين الحرب في المناطق الفلسطينية، ما جعلنا مكبّلين إزاء تغطية العديد ممّا كان يمكننا تغطيته قبل الأحداث الأخيرة، فاقتحام المستوطنين لبلدة حوّارة كان خارج التغطية، في حين كنّا ننقل مثل هذه الاعتداءات في ذات المنطقة من قبل على الهواء مباشرة، وذلك بسبب الحصار المشدد المفروض على نابلس الآن، وعملية التنقل الصعبة ما بين المدينة والقرى والبلدات المحيطة بها، وبالتالي باتت الأولوية استمرار التغطية وإن لم تكن بذات الوتيرة السابقة، على أن نقحم أنفسنا في مواقع خطرة، قد تكلفنا حيواتنا من جهة، وقد تحول دون تغطية المزيد من انتهاكات الاحتلال والمستوطنين بحق شعبنا".

يؤكد عبد الحق أن التحريض على الصحافيين في الضفة كبير، يمكن تبيانه من دون عناء من خلال صفحات المستوطنين التي نشرت صوراً لعدد من الصحافيين باعتبارهم ضمن دائرة الاستهداف، ما يشير إلى أن الدائرة قد تتسع لتطاول جميع الصحافيين العاملين في الميدان، وخاصة أنهم يفضحون جرائم هؤلاء المستوطنين في نابلس، وغيرها من المدن، علاوة على جرائم جنود الاحتلال الإسرائيلي". يقول: "نحن على الدوام في حالة تأهب وطوارئ".

بدوره، يلفت مراسل قناة "رؤيا"، حافظ أبو صبرة، إلى أن تلاحق الأحداث الميدانية، يحول دون مكوثه مع عائلته إلا القليل من الوقت، ليرى بناته صباحاً فقط عند توجههن إلى المدرسة، خاصة أنه، ومنذ السابع من أكتوبر، لا يمكنه التمتع بإجازة في ظل ما يحدث في فلسطين عموماً، والضفة على وجه الخصوص، لا سيما نابلس وشمال الضفة حيث منطقة تغطيته، موضحاً في حديث إلى "العربي الجديد" أنه "منذ إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني، أقضي جلّ وقتي إمّا في مركبتي بالميدان، أو أمام الكاميرا، خاصة أنّنا نعمل في ظروف خطرة، حيث الحواجز، والاقتحامات، وجرائم المستوطنين".

يقول أبو صبرة: "هاجم المستوطنون جنازة من استشهدوا برصاصهم في بلدة قصرة قرب نابلس، واستشهد برصاصهم اثنان آخران، كان إطلاق النار يستهدفنا أيضاً. نحن في وضع معقد، حيث تغطية الأحداث هي واجبنا، والحفاظ على سلامتنا مهم أيضاً لنا ولعائلاتنا التي لا نعيش معها إلا القليل منذ اندلاع الأحداث، حتى أننا نتجمع ونأكل في الميدان".

وكان لافتاً أن المواقف التي لا تغيب عن أذهان الصحافيين كلّها تتعلق بحكايات مرتبطة بأطفال فلسطينيين، فبكر عبد الحق لا ينسى الطفلة التي تبلغ من العمر ست سنوات، وأصيبت في قرية قصرة قرب نابلس، برصاص المستوطنين. في حين أن حافظ أبو صبرة لا يزال متأثراً بما طاول طفلين من مخيم نور شمس قرب طولكرم، حين تم القصف بطائرة مسيّرة: "كانت إصابات الشظايا في الرأس وأجزاء مختلفة من جسديهما، فتراءى لي ما يحدث في غزة. محزن أن أطفال فلسطين مستهدفون في كلّ مكان".

المساهمون