مدير آثار ذي قار عامر عبد الرزاق لـ"العربي الجديد": التنقيب في كلّ متر

20 ديسمبر 2021
البعثات الأجنبية خلال عملها في ذي قار (العربي الجديد)
+ الخط -

على نحو متصاعد، تتسارع وتيرة وصول البعثات الغربيّة الاستكشافيّة إلى العراق من جامعات ومعاهد مختلفة مهتمة بحضارات العراق القديمة إلى مدن جنوبي وشمالي البلاد الزاخرة بها. وساعد ذلك وجود تسهيلات كبيرة قدمتها حكومة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، لتلك البعثات مع التحسن الأمني الكبير الذي تشهده البلاد.

وساهم وصول البابا فرانسيس إلى العراق، مطلع مارس/آذار الماضي، وزيارته لمدينة أور الأثرية مسقط رأس النبي إبراهيم، وكذلك لعددٍ من كنائس نينوى التي تعود إلى القرون الأولى للميلاد، في لفت أنظار العالم مجدداً إلى المواقع التاريخية في العراق، ومعاودة الرغبة في عمليات تنقيب واستكشاف جديدة. وأقدمت حكومة الكاظمي على تخصيص مبلغٍ ماليّ ضخم لإنشاء عدد من المشاريع السياحيّة ودور للضيافة في ذي قار لهذا الغرض مع مبالغ أخرى لتأهيل البنى التحتية. وأخيراً، كشف النقاب عن اكتشافات جديدة جنوبي العراق، ضمن محافظة ذي قار وعاصمتها المحلية الناصرية، وهي عبارة عن جسر وسد مياه وقصر كلها تعود للحقبة البابلية الأولى.

وفي حديث خاصٍ مع "العربي الجديد"، قال مدير دائرة الآثار في محافظة ذي قار، خبير الآثار العراقي عامر عبد الرزاق، إنَّ "زيارة البابا فرنسيس إلى مدينة أور التاريخية في مارس/آذار الماضي، فتحت أبواب الاهتمام العالمي بالمدينة وبالمواقع الأثرية العراقية عموماً". ويضيف عبد الرزاق أنّ الزيارة أثمرت عن وفود سياحية كبيرة باتت تصل إلى مدينة إبراهيم الخليل (مدينة أور التاريخية)، للاطلاع على واحدة من أقدم المعابد في التاريخ، متمثلة بزقورة أور.

ويكشف عبد الرزاق أنّ "أكثر من 10 فرق أثرية من دول مختلفة بينها أميركية وألمانية وبريطانية، تواصل عمليات البحث والتنقيب في كلّ مدن محافظة ذي قار عن أثرٍ يوصلها إلى معرفة الجذور الأولى للوعي الإنساني. إنها تريد التنقيب في كلّ متر فيه أثر تاريخي". ويلفت إلى أنّ أهم الاكتشافات الأخيرة كانت من قبل بعثة من جامعة "بنسلفانيا" الأميركية، حين نقّبت في مدينة لكش السومرية ومدينة أور، وأخذت عينات رسوبية من أعماق الأرض، وتوصلت إلى نتائج مذهلة، منها أنها ستتمكّن من تحديد رأس الخليج العربي، وأين كان وجوده في العصور القديمة، فضلاً عن التوصّل إلى تحديد مكان الطوفان ووجوده وحدوده الجغرافية. وقد استخدمت البعثة أحدث الأجهزة الاستقصائية والبحثية، وهذه العينات ستصل إلى مختبرات في الولايات المتحدة الأميركية، والجميع ينتظر نتائج مهمة، منها قد تغير خريطة المنطقة الأثرية والتاريخية وتنسف الكثير من المعتقدات والروايات التي تحدّثت عـن قصة الطوفان وسفينة النبي نوح.

ويمضي عبد الرزاق بالقول إنّ البعثة البريطانيّة العاملة في مدينة كرسو السومرية (قرب الناصرية) عثرت على ألواحٍ طينيةٍ نقشت عليها نصوصٌ مسمارية باللغة السومرية، وأختامٌ أسطوانية تعود لعصر فجر السلالات الأولى الذي بدأ سنة 2800 قبل الميلاد، واستمرّ لمدة ستة قرون متتالية. الأهمّ في هذه الاكتشافات التي تعد صيداً ثميناً وكنزاً غالياً، هي العثور على أول ناظم للمياه يقع على نهرٍ يشقّ مدينة كرسو، وهي العاصمة الدينية لمملكة لكش، وفوق هذا الناظم أنشئ أيضاً أوّل جسرٍ لعبور المشاة في التاريخ، وكان تقريباً قبل 2400 سنة قبل الميلاد، أي في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد". وأشار إلى أنّ مهندسة وخبيرة صيانة الأبنية الأثرية في المتحف البريطاني، إيبرو بورتون، تقوم حالياً بالإشراف على عمليات صيانته في الوقت الراهن".

وتحدّث مدير الآثار أيضاً عن اكتشافات أخرى، وقال إنّ البعثة الفرنسية بالاشتراك مع خبراء آثار عراقيين برئاسة الدكتورة ريجيس، اكتشفت قصر الملك سين يدنام في موقع لارسا الأثري في منطقة تلول السنكرة (مدينة لارسا القديمة) غرب مدينة الناصرية، وهو قصرٌ يعود للملك سين إيدنام (1840 قبل الميلاد) والذي يعود للعصر البابلي القديم.

وبيَّن أن هذا الاكتشاف هو أحد الاكتشافات المهمة والتي تسلّط الضوء على مدّة زمنية مهمة في تاريخ العراق القديم، معرجًا على اكتشاف آخر قامت به بعثة المتحف البريطاني، حيث عثرت على مسجدٍ يعود للعصر الأموي في مدينة كبيبة الأثرية في قضاء الرفاعي شمال مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار. والمسجد يعتبر من الأبنية الرائدة للفترة الإسلامية المبكّرة، وتحديدًا عام 60 للهجرة، ولهذا يعتبر بحسب ما يقول "اكتشافًا مهمًا وكبيرًا". وعن تفاصيله، فإنه بطول ثمانية أمتار وعرض خمسة أمتار ويتّسع لنحو 25 مصلّياً، يتوسَّطه من المقدمة محرابٌ صغيرٌ لإمام المسجد، لافتاً إلى أنّ هكذا مساجد مبنية من اللبن (الطين) قليلاً ما تصمد ويبقى لها أثر، وأهميته تكمن، إضافة إلى فترة تشييده، في أنه يعود إلى صموده أمام تعرية الزمن.

وعن الأعمال الأخرى للبعثة البريطانية، قال عبد الرزاق، إنّها قامت بأول خطوة من نوعها تقوم بها بعثة تنقيبية، فقد وضعت خطّةً سنويةً مع كلّ موسم تنقيبي لها بصيانة المباني المكتشفة للحفاظ عليها من الظروف الجوية. وأفاد بأنّ البعثة قامت في مدينة كرسو السومرية بصيانة جدران اللبن في المعابد والدور السكنية المكتشفة، وهذا العمل كان تحت إشراف خبيرة الصيانة والترميم في المتحف البريطاني الدكتورة، أيبرو أيبرتون، كون البعثة تعتقد أنّ اللبن من المواد الصعبة بعملية الصيانة، لكنّ هذه العمليات تطيل بعمر المكتشف من المباني وتجعله صامدًا أمام الظروف الجوية، وأيضاً يساعد في بقاء تلك المباني مهيأة للسياحة وزيارتها باستمرار.

المساهمون