ما وراء توجه الحكومة الإسرائيلية لإغلاق سلطة البث؟

15 يناير 2023
شلومو قرعي على رأس الداعين لإغلاق سلطة البث (فرانس برس)
+ الخط -
تتجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، الواقعة تحت تأثير اليمين الديني المتطرف، إلى حسم الصراع في كل ساحات المواجهة مع خصومها في الداخل. فبعد أن شرعت في سن قوانين تضمن تغليب الطابع الديني اليهودي لإسرائيل وتضييق الفضاء العام أمام العلمانيين، تتجه حالياً إلى محاولة حسم الصراع على الرواية، عبر إعادة صياغة سوق الإعلام بما يتفق مع مصالحها.
ولعل هدف الحكومة الجديدة الأول هو إغلاق مؤسسة سلطة البث التي تشبه مؤسسة بي بي سي البريطانية. هذه المؤسسة تضم قنوات تلفزة وإذاعات تمول من "الدولة"، وتقدم خدمات إعلامية للجمهور مقابل ضريبة خاصة.
ويحمل لواء الداعين إلى إغلاق سلطة البث وزير الاتصالات الجديد، الليكودي شلومو قرعي، إذ يعد الإشراف على هذه السلطة ضمن صلاحيات الوزارة التي يقودها. يسوغ قرعي أسباباً عدة لإغلاق سلطة البث، على رأسها زعمه بأن تغطية وسائل الإعلام المنضوية تحتها تتسم بالتحيز لصالح أحزاب المعارضة، وأنها لا تحرص على تسليط الأضواء على مواقف اليمين الذي يحظى بدعم الأغلبية الساحقة.
وخلال مشاركته في مؤتمر نظمته جامعة رايخمان الإثنين الماضي، حاجج بأنه لم يعد هناك ما يسوغ الحفاظ على إعلام ممول من الدولة في ظل التحوّلات التي يشهدها العالم، فضلاً عن أن هذا الأمر "يتناقض مع التوجهات الليبرالية والرأسمالية التي يتبناها" حزب الليكود الذي ينتمي إليه. واعتبر أن بقاء وسائل الإعلام الممولة من الدولة يتناقض مع تحرير سوق الإعلام وضمان قدر أكبر من التنافسية فيه. وألمح في كلمته إلى أنه معني بخصخصة وسائل الإعلام التابعة لسلطة البث، لضمان تحقيق ظروف التنافسية. وفي مقابلة مع قناة التلفزة 14 التي تمثل اليمين المتطرف، تعهّد قرعي بأن يعلن قريباً عن خطة شاملة حول آليات التعامل مع سلطة البث.
لكن المسوغات التي قدمها قرعي لتسويغ إغلاق سلطة البث لم تقنع الكثير من وسائل الإعلام وكبار المعلقين الذين اعتبروها تمثل ترجمة لتوجهات رئيس حكومته بنيامين نتنياهو الذي يبدي حساسية كبيرة إزاء ما تبثه وتنشره وسائل الإعلام، وتحديداً في تغطية الأخبار المتعلقة به وعائلته.
واعتبرت صحيفة هآرتس أن قرعي يمثل نتنياهو في "تنفيذ عملية إعدام الإعلام". وعدّت الصحيفة توجهات الوزير الجديد أنها تأتي في إطار حرص الحكومة الجديدة على "إسكات الأصوات" التي لا تتفق مع توجهاتها. كما عدّت صحيفة ذا ماركير قرعي مجرد أداة في يد نتنياهو المعني بإعادة صياغة المشهد الإعلامي بما يتوافق مع مصالحه الشخصية، لا سيما في ظل محاكمته في قضايا فساد خطيرة، وفي ظل الخطوات التي تقدم عليها حكومته لحسم الصراع على هوية إسرائيل.
لكن هناك من يرى أنه حتى إن لم يقدم قرعي في النهاية على إغلاق سلطة البث فإنّه نجح في تطويع وسائل الإعلام التابعة لها وجعلها أكثر حماساً لتعميم رسائل الليكود والحكومة الجديدة. ورصد المعلق شموئيل مئير، على حسابه في "تويتر"، عدداً من الأدلة التي تشي بالتحول على اتجاهات تغطية قناة كان الرسمية التابعة لسلطة البث، في أعقاب إعلان قرعي عن توجهاته، مشيراً إلى أن الصحافيين والمعلقين العاملين في القناة يحرصون على عدم تبني خط نقدي تجاه الحكومة وسياساتها.
بغض النظر عن التوجهات النهائية لقرعي إزاء سلطة البث، فإنّه في حال أقدم على حلها وعرض مؤسساتها للخصخصة، فإنّ هذا سيخدم بقوة اليمين المتطرف الذي تمثله الحكومة الحالية. وتدلّ التجربة على أنه منذ عقدين من الزمان، يحتكر رجال الإعلام ذوو التوجهات اليمينية المتطرفة، الاستثمار في مجال الإعلام وشراء مؤسسات إعلامية قائمة أو تدشين جديدة من منطلقات أيديولوجية، مثل الملياردير اليهودي الأميركي شيلدون أديلسون مالك صحيفتي يسرائيل هيوم وميكور ريشون، وإسحاق ميريشلولي مالك قناة 14.
المساهمون